أنت تقرأ الآن:

أزمة الطاقة الجديدة: كيف تذكّرنا بالسبعينيات؟ وكيف خرج القادة منها سابقًا؟

أزمة الطاقة الجديدة: كيف تذكّرنا بالسبعينيات؟ وكيف خرج القادة منها سابقًا؟

مروة السيد

أسعار طاقة مرتفعة في جميع أنحاء العالم، ومحطات وقود فارغة في بريطانيا، وانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي بالصين، وإمدادات وقود متناقصة في أمريكا.. سلسلة من الاضطرابات يعيشها العالم في الآونة الأخيرة.

رغم أنه سيناريو مفزع، فهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها العالم هذا الكابوس، حيث سبق أن عاشه في سبعينيات القرن الماضي.

لم يكن أحد يتخيل أن يواجه العالم مجددًا الأزمة الكارثية التي خاضها في السبعينيات، وإن كانت تلك المرة أكثر عمقًا ضاربةً كل أنواع الوقود تقريبًا، بدءًا من الفحم والنفط والغاز الطبيعي، وصولًا إلى مصادر الطاقة المتجددة، وكانت تداعياته محسوسة في كل مكان على الكوكب تقريبًا.

وكانت أسوأ تداعيات تلك الأزمة حاليًّا، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، هي الضغوط السياسية والشعبية التي واجهتها الحكومات الأوروبية، خصوصًا مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، واضطرار عدد من المصانع إلى تقليص ساعات العمل وتقليل عدد العمال أو إغلاق نشاط هذه المصانع بصورة دائمة، ما جعل الاحتجاجات تظهر في الشوارع.

لكن في السبعينيات استطاع قادة العالم مناورة الأزمة والخروج سالمين. فهل يمكن أن تتكرر المناورة نفسها هذه المرة؟ أم إن الأزمة الجديدة أعمق؟

ضحكة مكتومة

شكلت تلك الأزمة الطاحنة فرصة سانحة لروسيا كي تضحك ضحكة مكتومة بينما ترى أمامها دول أوروبا تحاول الحصول على مزيد من الغاز بعدما أمضت سنوات كثيرة تحاول تقليص نفوذها.

وكانت موسكو تضحك في نفسها أيضًا ضحكةً مكتومةً بينما ترى المشرِّعون الأمريكيون الذين أمضوا فترات طويلة يعيشون في وهم الهيمنة الأمريكية على الطاقة، وهم يرفعون مستوى صادراتها من النفط، بعد 5 سنوات قادوا فيها حملة لإقناع العالم بالتحول إلى الطاقة النظيفة.

وكذلك شعر الكرملين بنوع من الشماتة بينما يرى فوضى المصانع في العالم، وبخاصة في الصين التي جعلت سلاسل التوريد العالمية في مرحلة ما بعد جائحة “كوفيد 19” تعاني وتنهار.

سر الفوضى

ولكن ما سر هذه الفوضى التي اجتاحت العالم رغم أنها تأتي في وقت تم رفع القيود الخاصة بفيروس كورونا المستجد والتعافي القوي المفاجئ في الأسواق العالمية بعد انحسار وصف بأنها “الأسوأ في التاريخ”؟

أرجعت مجلة “فوربس” الأمريكية هذا إلى ما أطلقت عليه الصدمة التي واجهها منتجو الطاقة بسبب عدم التوافق الصارخ بين الطلب والعرض، إضافةً إلى ظهور موجات الطقس السيئ، وموجات البرد التي زادت استهلاك الغاز الطبيعي، والركود الذي أدى إلى إسكات مزارع الرياح، والفيضانات التي دمرت مناجم الفحم.

وأرجعت المجلة الأمريكية كذلك تلك الأزمة إلى سياسات الطاقة السيئة وقصر النظر، واختيار أوروبا والولايات المتحدة نمط أسواق الطاقة المحررة، غير مدركة أن يد الصين الخفية التي كانت دومًا بمنزلة منظم الحرارة لأسواق الطاقة العالمية، يمكنها أن تسبب في فقدان اتزان تلك الأسواق.

ووصفت المجلة يد الصين بأنها كانت ثقيلة على أوروبا وأمريكا، حيث فوجئ الجميع بأن هناك عدم تطابق تامًّا بين ما تم دفعه للمنتجين مقابل إنتاجه، وكان المستهلكون من يتحملون عبء ذلك الأمر، ما أدى إلى حالة الفوضى الحالية.

وفي المقابل، كانت روسيا تقف متفرجةً على المشهد من بعيد لأنها تدرك أن لديها قدمًا على خرطوم ضخ النفط، ويدًا على صمام إغلاقه لأنها تدرك أنها لا تزال صانعة ملوك ثروات الطاقة في أوروبا.

سيناريو السبعينيات

لكن لماذا يذكّرنا هذا النموذج بسيناريو السبعينيات؟ لأن نفس الفوضى الحادثة في أسواق الطاقة الأوروبية وقعت في السبعينيات.

وتروي قناة “هيستوري”، المعنية بالتوثيق التاريخي عبر موقعها الإلكتروني، تفاصيل ما حدث في أزمة السبعينيات الطاحنة، والتي ظهرت بسبب استهلاك النفط من بنزين ومنتجات أخرى يرتفع في ظل انخفاض الإنتاج النفط المحلي، ما جعلها تعتمد بصورة أكبر على النفط المستورد من الخارج، وخصوصًا ذلك النفط المستورد من المنطقة العربية والخليج بشكل خاص.

وافترض القادة الأمريكيون حينها أن الدول العربية لا يمكنها أن تمنع إمدادات النفط أبدًا لاعتمادها على تلك الأموال، لكن تلك الافتراضات كلها انهارت بصورة كبيرة عام 1973 إثر حرب السادس من أكتوبر التي شنتها مصر وسوريا على إسرائيل لاستعادة شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان التي احتلتهما إسرائيل في 1967.

وما زاد من تلك الأزمة تعقيدًا هو اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وسيطرة الملالي على الحكم، ودخولها في عداء مع الغرب، ما أوقف إمدادات النفط الإيرانية أيضًا.

وتعقّد الموقف أكبر بممارسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة والحكومات الأوروبية برامج إنفاق اجتماعية غير مدروسة، ودخولها في صراعات سياسية وعسكرية غير محسوبة العواقب مثل الحرب على فيتنام.

وكان قرار الحظر النفطي الذي اتخذه أعضاء منظمة الدول العربية المصدّرة للبترول “أوابك” بمنزلة الصدمة على أوروبا وأمريكا، حيث أدى إلى نقص إمدادات الوقود وارتفاع أسعاره إلى عنان السماء.

وفي تلك الفترة مرت أمريكا وأوروبا بأسوأ 3 أشهر في تاريخها وصفت بأنها “الأشهر المحمومة”، حين قفز فيها سعر برميل النفط من 3 دولارات إلى 12 دولارًا، إضافةً إلى نقص إمدادات الوقود بصورة مفزعة، ما دفع الحكومات إلى المطالبة بإغلاق محطات الوقود أيام الأحد، ومناشدة الأسر الامتناع عن إضاءة المصابيح في العطلات لتقليل استهلاك الطاقة.

في تلك الفترة منيت صناعة السيارات الأمريكية بضربة قاصمة، خصوصًا أن السيارات الأمريكية كانت أكبر حجمًا وأكثر استهلاكًا للوقود مقارنةً بالسيارات اليابانية الأصغر حجمًا وأقل استهلاكًا للوقود.

وكان أبرز مثال على التأثيرات المفزعة في تلك الأزمة هو خروج رئيس وزراء بريطانيا “إدوارد هيث”، في خطاب للشعب يطالبهم بتدفئة غرفة واحدة في منزلهم خلال الشتاء لعدم تعريض البلاد إلى الخطر.

ورغم رفع الدول العربية قرار الحظر عام 1974، فإن تلك الأزمة ظلت تأثيراتها مستمرة لنحو عقد من الزمان، وتسببت بصورة كبيرة في إصدار الكونغرس الأمريكي قانون تخصيص البترول في حالات الطوارئ لعدم العودة إلى هذا السيناريو الكارثي.

ولقد أدت كذلك إلى تزايد دعاوى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، واللجوء إلى مصادر طاقة بديلة، مثل مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية وطاقة الرياح أو الطاقة النووية.

أوجه التشابه والاختلاف

وبالنظر إلى أوجه التشابه والاختلاف بين أزمة الطاقة في السبعينيات والأزمة الحالية، نجد العامل الأساسي هو قصر نظر الساسة عن إدراك خطر سياسات الاعتماد على إمدادات طاقة بعينها من منطقة وحيدة.

وكانت في سيناريو السبعينيات اعتماد الولايات المتحدة وأوروبا على استيراد النفط من المنطقة العربية، فيما يظهر في النموذج الحالي اعتماد الولايات المتحدة على توريد النفط إلى الصين والهند، وأدت الإغلاقات الناتجة عن القيود المفروضة بسبب جائحة “كوفيد 19” إلى تلك الكارثة، والتضييقات السياسية المفروضة على روسيا تسببت في حرمان أوروبا من مصدر طاقة كان رئيسًا بالنسبة إليها.

ورصدت “فوربس” أوجه الاختلاف بين الأزمتين بقولها إن معدل التضخم الحالي لم يصل بصورة كبيرة إلى معدل تضخم السبعينيات، والذي وصل إلى 7.1% حينها، في الفترة بين عامي 1974 و1979.

وعادت المجلة الأمريكية للتحذير من أن هذا قد لا يكون أداة للتفاؤل حاليًّا لأنه ربما لم يصل العالم إلى تلك المرحلة المرعبة بعد، لكن هناك أسبابًا تدعو إلى القلق، مثل زيادة أسعار السلع الأساسية، وزيادة الإنفاق الحكومي لمعالجة تأثيرات “كوفيد 19” السلبية.

خط أحمر

وحذر التقرير من أن الولايات المتحدة قاربت على الوصول إلى الخط الأحمر في أسعار الوقود، والذي يحدده المحللون بـ4 دولارات لغالون التجزئة للبنزين أو الديزل.

ورصد التقرير أن أسعار التجزئة للبنزين في الولايات المتحدة بلغ حاليًّا 3:30 دولار لغالون البنزين، وتجاوز سعر الديزل أكثر من 4 دولارات في بعض الأسواق الرئيسة مثل كاليفورنيا.

وبدأت الولايات المتحدة تشعر بالقلق العميق لأن أسعار الوقود المرتفعة تؤدي إلى ارتفاع التكاليف الخاصة بجميع السلع، ما يؤدي إلى إذكاء التضخم بصورة أكبر.

وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ارتفاع نفقات البروبان بنسبة 54% خلال فصل الشتاء الحالي، وزيت التدفئة بنسبة 43%، والغاز الطبيعي بنسبة 30%، والكهرباء بنسبة 6%. وهذا يعني أن الأمريكيين سيكون لديهم دخل أقل يمكن إنفاقه على السلع والخدمات الأخرى، بسبب ارتفاع نفقات الطاقة بالنسبة إليهم، ما قد يعيد العالم إلى نموذج “التضخم المصحوب بالركود” كما حدث في السبعينيات.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter