أنت تقرأ الآن:

فيلم “Don’t Look Up”.. لماذا لا نفتح أعيننا أمام الحقيقة؟

فيلم “Don’t Look Up”.. لماذا لا نفتح أعيننا أمام الحقيقة؟

عزة عبد الحميد

بعد غياب عامين عن الجمهور منذ آخر فيلم قام ببطولته عام 2019، والذي حمل اسم “Once Upon a Time in Hollywood”، قرر “ليوناردو دي كابريو” أن يلجأ إلى منصة “نتفيلكس”، الرقمية للعودة من خلالها من جديد، بعرض فيلمه “Don’t Look Up”، منذ عدة أيام، والذي حقق نسبة الأعلى مشاهدة في عدد من دول العالم.

يشارك في بطولة الفيلم كل من جينفير لورانس وميريل ستريب وأريانا غراندي وجونا هيل ومارك رايلانس وكيت بلانشيت، ومن تأليف وإخراج آدم مكاي.

تدور قصة فيلم “Don’t Look Up” حول طالبة دراسات عليا وباحثة، تؤدي دورها “جينفير لورانس”، تكتشف في أثناء بحثها نيزكًا يقترب من الأرض، وإن لم يتم تغيير مساره سيرتطم بالكرة الأرضية في غضون ستة أشهر. تخبر أستاذها بذلك، والذي يؤدي دوره “ليوناردو دي كابريو”، وتبدأ رحلة بحثهما معًا للوصول إلى الجهات المسؤولة لإيجاد حل وإنقاذ الكوكب من هذا النيزك.

لم يكن “Don’t Look Up” بالطبع الفيلم الوحيد في الأفلام الأمريكية الذي تحدث عن نهاية العالم بصورة أو بأخرى، فما بين نهاية بسبب انفجار حراري، أو تعرض الكوكب للدمار، أو فيروس قاتل، تعددت نهاية العالم في الأفلام الأمريكية، وانتهاء البشرية واحد.

بالتالي لم تكن قصة الفيلم جديدة على الجمهور. ومع مدة عرض استمرت ساعتين و18 دقيقة لم يتخذ اكتشاف النيزك وسرعة التحرك التي يقوم بها الأبطال كثيرًا من الوقت حتى يتم الدخول في الأحداث مباشرة. فمع الدقيقة السابعة للفيلم نجد أننا أمام محاولة لإيجاد حلول لإنقاذ الكوكب.

فكيف استخدم “آدم مكاي” هذه التيمة التقليدية للتعليق على الوضع السياسي المعاصر؟ وهل يضمن الفيلم أوسكار ثانية لـ”دي كابريو”؟

السياسة والمصالح من يحكم انتهاء العالم

كشف “آدم مكاي”، مؤلف ومخرج ” Don’t Look Up”، أن نهاية العالم تحكمها المادة والسياسة ومصالح أصحاب القوى في العالم، أكثر مما يحكمها إنقاذ روح البشر الذين يعيشون على الأرض. وظهر ذلك من خلال رفض وكالة ناسا الاعتراف بوجود نيزك لعدم رغبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتؤدي هذا الدور”ميريل ستريب”، إعلان ذلك لعدم اضطراب الأوضاع مع اقتراب الانتخابات، إضافةً إلى استخفاف حاكمة الولايات المتحدة بالحدث نفسه، وخضوعها لصاحب رأس المال الخاص بحملة الدعاية لحملتها الإنتخابية، في عدم تغيير مسار النيزك، وذلك للاستفادة القصوى من المعادن التي يحملها هذا النيزك، وما سيحققه من مكاسب اقتصادية إذا استمر الكوكب.

جاء “Don’t Look Up” بصورة ناقدة ومهاجمة للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أظهر عدم الاهتمام سوى بالدعاية وصورة الحكم أمام العالم، والكذب وتغيير السياسات لأجل مصالح شخصية. يأتي ذلك بدايةً من رئيس الدولة إلى  أعضاء البنتاغون، وكانت أكثر المشاهد شهرة بعد عرض الفيلم، وهو قيام أحد ضباط وزارة الدفاع وعضو البنتاغون ببيع بعض المقرمشات لـ”دي كابريو” و”جينيفر لورانس” بأموال داخل البيت الأبيض، لتكتشف هي بعد ذلك كذبه، وتحاول السؤال عن ذلك طوال الفيلم، في إسقاط واضح على فساد رجال الدفاع في بلادهم.

ظهر الفساد في الرئيس ذاته “ميريل ستريب”، والأهم بالنسبة إليها هو وضعها أمام العالم، دون النظر إلى أهمية الأرواح والتضحية بأي شخص في سبيل تحقيق أهداف شخصية، حتى إنها ضحت بنجلها ومدير مكتبها وتركته وحيدًا، لتتجه بطائرة خاصة هي ومدير حملتها الإعلانية خارج الكوكب للاحتماء من النيزك الذي سيضرب الأرض حتمًا بعد فشل محاولتهما وتخلي بعض الدول الكبرى مثل الصين، لعدم حصولها عن مكاسب مرضية في تدمير النيزك قبل هبوطه إلى الأرض لكي يتم الاستفادة منه، في صورة هنا واضحة عن تفكير الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية في الذات مهما بلغت التضحية.

ونجد الانتقاد يظهر أيضًا في أحد مشاهد ميريل ستريب، والتي تقوم بإشعال السيجارة في مكان يعلوه تحذير بعبارة “قابل للاشتعال”، في إسقاط أيضًا على اللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية واللهث وراء الملذات الشخصية فقط.

العالم لا يعي ما وصل إليه

قدم آدم مكاي السوشيال ميديا خلال “Don’t Look Up” باعتبارها المحرك الأساسي لعقول البشر وملاذهم. فمع الإعلان عن انهيار الكوكب نجد أن ما يشغل العامة هو خلق كوميكس ساخرة على الحدث، والظهور في فيديوهات ما بين معبرين عن خوفهم أو ساخرين في جميع دول العالم، ولكن الأهم هو اللحاق في ركب التريند والمشاركة به.

يبدو أن الأمر واضح للجميع، وهو أن السوشيال ميديا وأخبار المشاهير والنجوم هي الأهم بالنسبة إلى الشعوب في جميع دول العالم، ولم يقدم العمل بها أي جديد، لكنها حالة من المكاشفة والمصارحة حاول المخرج بها أن يضع الكفتين أمام بعضهما. فمن ناحية نجد انهيار العالم وردود أفعال ساخرة من الأمر، ومن الاتجاه الآخر نجد الاهتمام بشكل أكبر بالفنانة التي انفصلت عن صديقها والسخرية من أي شيء.

ظهر ذلك جليًّا حين يأتي البطل والبطلة للظهور إعلاميًّا في أحد البرامج الشهيرة للكشف عن الخطر الذي ينتظر العالم خلال 6 أشهر، ويسبقه في الظهور المطربة التي انفصلت عن صديقها، والتي بالطبع هي الأهم للجمهور والإعلام، إضافةً إلى الإعلاميين الذين يحاولون الحصول على أكبر عدد من المشاهدة بالسخرية من انتهاء كوكب وانقراضه، في محاولة لإظهار دور الإعلام في هذه البلدة من تخفيف حدة الكوارث أو عمل أي شيء لتحقيق مكاسب مادية.

هل سيحصل ليوناردو دي كابريو على الأوسكار؟

من المتوقع أن يترشح ليوناردو دي كابريو لجائزة الأوسكار عن فيلم “Don’t Look Up” بعد أن أدى دور الأستاذ الباحث المريض بعدة أمراض نفسية وجسدية، والذي يصيبه التوتر بتلعثم في الحديث، ما يؤدي إلى التهكم عليه، وهو الأب لشابين بالجامعة، وهي المرة الأولى التي يظهر بها والدًا لأبناء بهذا السن.

جمع ليوناردو دي كابريو في هذا الدور بين الإنسان النمطي الذي يحاول ألا يصنع مشكلات أو يتدخل بها، ويرضى بأنصاف الحلول للعبور بالأزمات، كأي شخص عادي، لم يقدر دور البطل الذي ليس له مثيل، وهو ما قصده آدم مكاي تحديدًا خلال العمل، بألا يكون هناك وصاية على الجمهور، بل إنها عبارة عن عملية من المكاشفة والمصارحة والمشاركة في الأحداث.

خضع ليوناردو خلال أحداث الفيلم إلى الإدارة الحاكمة في البلاد بعدما تم خداعه بأنه سيتم حل الأمر، ومع محاولته الغضب والخروج عن طوع الإدارة بعد اكتشافه خديعتهم حاول التمرد، لكنه لم يكن يشبه شخصيته الكامنة، فقرر أن يعود إلى الاستكانه بعد عدة محاولات من التوعية التي قام بها هو وتلميذته “جينيفر لورانس”، لكنه قرر السلامة حتى في وفاته ليظهر رجلًا نراه يوميًّا في جميع البلدان.

أما جينيفر لورانس، فلم يكن في ظهورها أي جديد عما قدمته من قبل. أدت دورها ببراعتها المعتادة، فهي الفتاة الثائرة التي تحاول مهاجمة رئيسة الدولة وسياستها ومحاولة كشف حقيقتهم التي يرفض الجميع سماعها لتجد نفسها حبيسة، ويتم ابتزازها والتفاوض معها للحصول على حريتها مقابل الصمت لنرى أن حكم أمريكا يقوم بإخماد معارضيه. 

أما ميريل ستريب، فهي صاحبة الكوميديا السوداء، إضافةً إلى نجلها جونا هيل، وممول حملتها الإعلانية مارك رايلانس، والذين جسدوا سطوة السلطة ورأس المال بشكل كوميدي لتأتي الكوميديا السوداء في أبهى صورها، ويمكنك أن تضحك ضحكًا كالبكاء.

احذر، فالنهاية لم تأت بعد

استمر فيلم “Don’t Look Up” لأكثر من ساعتين، لنرى مع تمام الساعة الثانية النهاية المتوقعة، وهي أن يضرب النيزك الكرة الأرضية وتنتهي الحياة على الكوكب، بعد أن انفجر الأبطال مجتمعين في منزل واحد في العشاء الأخير لهما، وصعود رئيسة الدولة ورئيس حملتها الإعلانية إلى طائرة  للهروب إلى كوكب آخر محتمين به، تاركةً نجلها على الأرض.

لكن مع بداية تتر النهاية في الظهور، ومرور بضع دقائق، نجد أن النهاية لم تأت بعد لنكتشف نهاية ثانية، وهي أن الطائرة التي هربت خارج حدود الأرض هبطت على كوكب آخر، لكن يأتي من عليها عرايا الجسد لا يملكون نسبة الأكسجين نفسها التي على الأرض، وكان من هؤلاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ميريل ستريب التي رفض ليوناردو دي كابريو ظهورها عارية في هذا المشهد ليتم الاستعانة بدوبلير رغم موافقتها هي، لكنها تموت في النهاية بعد أن أكلها أحد الحيوانات على الكوكب الجديد.

لحظة.. الأمر لم ينته بعد، فهناك نهاية ثالثة وضعها آدم مكاي، وهي أن نجل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ما زال على قيد الحياة، ونجا من الانفجار ليبدأ حياة جديدة على الأرض.

لم يكن المخرج موفقًا على الإطلاق في هذا رغم رغبته في أن يُظهر المشهد في عدد من الزوايا، لكن عرض تلك النهايات بعد تتر النهاية أضاع هيبة ما أراد ليفقده الجمهور من الأساس ولم يشاهدوه لاعتقادهم أن نهاية الفيلم قد حانت.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter