أنت تقرأ الآن:

القرن الإفريقي.. كيف أصبح إقليمًا تتنافس فيه القوى الإقليمية والدولية؟

القرن الإفريقي.. كيف أصبح إقليمًا تتنافس فيه القوى الإقليمية والدولية؟

نداء كسبر

تشكّل منطقة القرن الإفريقي (الصومال، إريتريا، جيبوتي، السودان، كينيا، أوغندا) أهمية كبرى لعدد من القوى الدولية والإقليمية من خلال موقعها الاستراتيجي على رأس مضيق “باب المندب” إلى البحر الأحمر وقناة السويس، ثم رأسًا إلى أوروبا، أو جنوبًا من خلال إطلالتها المهمة على المحيط الهندي وجنوب القارة الإفريقية.

في السنوات الأخيرة زاد بصورة ملحوظة الاهتمام بالاستثمار في هذه المنطقة من لاعبين إقليميين ودوليين مختلفين، فأصبحنا نسمع عن حضور بارز للصين خصوصًا، ولإسرائيل أحيانًا، وحتى للإمارات التي أصبحت أكبر مستثمر في المنطقة.

يستعرض هذا المقال كلًّا من الحضور الصيني والإسرائيلي والإماراتي في منطقة القرن الإفريقي، ومصالحهم في هذه القطعة من إفريقيا.

الصين

جاء اهتمام الصين بالقارة الإفريقية لزيادة توسعها، ومواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي الغربي، إضافةً الى تأمين إمداداتها من الموارد الطبيعية. وفي أعقاب الحرب الباردة، تطورت الاهتمامات الصينية إلى تحقيق المصالح المشتركة كالتجارة والاستثمار والطاقة، وفي العقد الأخير أصبحت تنظر إليها باعتبارها منطقة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة.

كثفت الصين حضورها واستثماراتها في منطقة القرن الإفريقي خلال السنوات الأخيرة، حيث أنشأت أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي عام 2017، إضافةً إلى إنفاقها مبالغ طائلة على مشروعات البنية التحتية لتأمين الوصول إلى الموارد وشراء الأصوات في المنظمات الدولية، حيث روّج قادتها لبيروقراطيات الحزب الواحد في بلادهم كنموذج للقادة الأفارقة الذين يسعون لتوسيع اقتصادهم دون إصلاحات ديمقراطية، هذا إلى جانب سياسات الإقراض الجذابة التي تمنح الصين تأثيرًا أكبر.

الصين أكبر شريك تجاري في المنطقة.. بلغت قيمة التجارة المباشرة بين الطرفين في 2019 أكثر من 200 مليار دولار، ومن خلال مبادرة “الحزام والطريق” تسعى “بكين” إلى استغلال البنية التحتية وتطويرها في دول القرن من موانئ وطرق وسكك حديدية، ما يسمح لها بزيادة حجم استثماراتها في تلك البلدان، إضافةً إلى مدّ مزيد من الطرق وفتحها للتبادل التجاري نحو قلب القارة السمراء وجنوبها. 

 وفي سبيل سعيها للحصول على نفوذ أكبر في إفريقيا قررت “بكين” تعيين مبعوث خاص إلى منطقة القرن الإفريقي يناير الماضي لدعم الجهود المبذولة بهدف التغلب على التحديات الأمنية، خلال قيام وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” بجولة في المنطقة تضمنت إريتريا وكينيا وجزر القمر والمالديف وسريلانكا، عقب الزيارة التي أجراها المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي “أنتوني بلينكن” نوفمبر 2021.

تأتي الخطوة الصينية الجديدة بتعيين مبعوث خاص للقرن الإفريقي في وقت تموج فيه تلك المنطقة بعدد من الأحداث المشتعلة، على رأسها الصراع في إثيوبيا بين حكومة “آبي أحمد” وجبهة تحرير “تيغراي” المناوئة المتمردة، ذلك الصراع الذي بدأ في نوفمبر 2020، وكذلك الأزمة الحدودية بين “الخرطوم” و”أديس أبابا”.

إسرائيل

تحرص إسرائيل على استغلال منطقة القرن الإفريقي مستخدمةً جميع الأساليب، حيث تستغل وجود الأقليات اليهودية هناك، وتستخدمها وسيلة لتغذية الصراعات العرقية والطائفية والحدودية، وتوظفها لخدمة سياستها، واستغلال علاقتها مع إثيوبيا وإريتريا ضد السودان واليمن، ودعمها الانفصال في الصومال والسودان، واستكمال مخطط نقل “يهود الفلاشاط من المنطقة مع رغبتها في السيطرة على دول شرق إفريقيا التي تعد المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتأمين نطاق الأمن الحيوي لإسرائيل. 

وتحاول إسرائيل استغلال الأزمات الاقتصادية عن طريق إمداد الدول الإفريقية بالدعم المادي والخبرات الفنية وإقامة سدود للري مثلما حدث مع إثيوبيا وكينيا، وإغراق الأسواق الإفريقية بمختلف السلع والبضائع الإسرائيلية، خصوصًا السلاح. من هنا، فإن التعامل “الإسرائيلي-الإفريقي” في محاولة لسد الطريق أمام التعامل “الإفريقي-الإفريقي” أو “الإفريقي-العربي”.

وتعتمد الدول الإفريقية على إسرائيل في المعونات الاقتصادية والمالية، حيث أن الأولى تستغل حاجة الدول الإفريقية إلى الأموال، وتمنحها قروضًا مقابل استغلالها في مشروعات تتولى إسرائيل تنفيذها شركات وأفرادًا. وغالبية القروض مقدمة على هيئة سلع أو مواد أو ائتمان تجاري. وإسرائيل تموّل مباشرة مشروعات اقتصادية وتنموية، وتشارك مع الدول الأوروبية والمنظمات الدولية في التمويل غير المباشر. 

أجرت إثيوبيا 33 دراسة لإقامة مشروعات على منابع النيل (النيل الأزرق، بحيرة تانا، نهر السوباط، نهر عطبرة) بغرض توفير 7 مليارات متر مكعب من المياه، وهناك خبراء إسرائيليون يساعدون في إتمام هذه المشروعات، إضافةً إلى أن عددًا كبيرًا من موظفي إثيوبيا تلقوا تدريبات إدارية في إسرائيل. وبالنسبة إلى إريتريا فقد أنشأت إسرائيل واحدة من كبريات شركاتها “أنكودا” في إريتريا، وفتحت لها فروعًا في “أديس أبابا” والصومال و”تل أبيب”.

ونجح الإسرائيليون في احتلال المراكز الاقتصادية في كينيا، خصوصًا التجارة والمشروعات الخدمية. والشركات الإسرائيلية تحتكر معظم الأنشطة الاقتصادية هناك. 

وفي الصومال استطاعت إسرائيل عبر شبكات يهودية أن تستولي على كل مستلزمات جنود قوات “الأمم المتحدة”، ثم استطاعت بعد ذلك أن تحتكر المجالات التجارية في السوق الصومالية. أما جنوب السودان، فنرى أن موقع إقليم “دارفور” يحاذي بحيرة بترولية ضخمة عند إقليم “بحر الغزال” مرورًا بتشاد والنيجر وموريتانيا، وبالتالي السيطرة عليه تمثل الأمان لتدفق النفط المستخرج من هذه المنطقة.

الإمارات

من بين القوى الإقليمية التي لها دور في منطقة القرن الإفريقي، الإمارات العربية المتحدة التي تمكنت من ترسيخ حضور قوي لها عن طريق تطوير سلسلة من الموانئ التجارية على جانبي خليج عدن والبحر الأحمر، إضافةً إلى القواعد العسكرية بعد التوقيع على الاتفاقية المشتركة للتعاون الأمني والعسكري مع جيبوتي خاصة منطقة “هاراموس”.

فنتيجةً للعلاقات الإماراتية الإريترية القوية حصلت على عقد إيجار لمدة 30 عامًا للاستخدام العسكري لميناء “عصب” العميق ذي الموقع الاستراتيجي، ومطار “عصب” المجاور لـ”جلوب ماستر” الضخمة، ولذلك تحوَّل المكان إلى قاعدة جوية حديثة، وميناء على المياه العميقة، ومنشأة للتدريب العسكري.

وقامت الإمارات بدور في الجهود المحلية والدولية لمكافحة القرصنة قبالة الساحل الصومالي، من خلال دعم خفر السواحل في جمهورية أرض الصومال، وإتاحة القواعد الجوية الإماراتية بالمنطقة للقوات الدولية المشاركة في عمليات مكافحة القرصنة، إضافةً الى سعيها لمنع تهريب الأسلحة من منطقة القرن الإفريقي إلى دول شبه الجزيرة العربية.

وفي هذا الإطار تمتلك الإمارات أكبر استثمارات في منطقة القرن الإفريقي، خصوصًا في إثيوبيا. فتستضيف “أديس أبابا وإقليم “أوروميا” معظم المشروعات الإماراتية، والتي تقدر قيمتها بثلاثة مليارات دولار أمريكي في المنطقة الصومالية بإثيوبيا سنة 2017 لزراعة قصب السكر، لتبلغ القيمة الإجمالية للاستثمارات الإماراتية نحو خمسة مليارات دولار.

بالتالي أصبح لمنطقة القرن الإفريقي أهمية خاصة في خريطة المصالح الدولية والإقليمية، حيث شهدت في السنوات الأخيرة حضوراً ملحوظاً لعدد من القوى الدولية والإقليمية لتحقيق مصالحهم في ظل تكالب تلك القوى على المنطقة. وربما لا يوجد الآن سبيل أمام حكومات القرن الإفريقي سوى أن تسعى جاهدة للاستفادة بدورها من هذا الحضور الدولي والإقليمي على دولها لتحسين أوضاعها السياسية والاقتصادية.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter