أنت تقرأ الآن:

“صفر كوفيد”.. هل خرجت الأمور عن سيطرة بكين؟

“صفر كوفيد”.. هل خرجت الأمور عن سيطرة بكين؟

هالة المليجي

لم يفصل “ليندا”، وهو اسم مستعار، عن إنقاذ جنينها سوى بضعة أمتار، هي المسافة إلى أبواب مستشفى مدينة “شيان”، والذي يرفض استقبالها رغم تدفق دماء رحمها، ما ينذر بأن السيدة الصينية تكاد تفقد جنينها قبل شهر واحد من ولادته، بينما وقف زوجها عاجزًا عن فعل أي شيء، سوى تسجيل مقطع فيديو يوثق الحدث المأساوي الذي يعيشه هو وامرأته. 

حاصر فيروس “كورونا” سكان “شيان” الواقعة شمال غربي الصين، ففرضت الحكومة إغلاقًا تامًّا طوّق المدينة السياحية، فبهتت أضواؤها مع بداية عام 2022. إجراءات مشددة لا تتهاون معها المستشفيات في استقبال المرضى دون تحليل يثبت عدم إصابتهم بـ”كوفيد-19″، حتى لو كلّف ذلك حياة البعض.

ورغم اعتذار السلطات لاحقًا، ومحاسبة مسؤولي المستشفى، لم تجرؤ أسرة السيدة على انتقاد إجراءات الحكومة، ولم تفصح حتى عن اسمها، وحُذفت المنشورات التي كتبها أفراد أسرتها، وكذلك مقطع الفيديو الذي يوثق خسارة “ليندا” طفلها المنتظر. فهذه الإجراءات يدافع عنها أكبر مسؤولي بكين، ولا رجعة فيها، كما تقول وسائل إعلام. 

إصابات قياسية في الصين

القيود الصينية التي خيمت على مدينة “شيان” تأتي ضمن سياسة أوسع كانت “بكين” تبنّتها لإبقاء عدد الحالات الجديدة أقرب ما يكون للصفر، وتعرف لذلك باسم سياسة “صفر كوفيد”. وبعدما نجحت هذه السياسة لوقت طويل منذ بدء التفشي أواخر 2019، فقد تلقت مؤخرًا ضربة قوية بتسجيل رقم قياسي من الإصابات الجديدة لم تشهده الصين منذ مارس 2020.

وكان لـ”شيان” عاصمة إقليم “شينشي”، النصيب الأكبر من الحالات المؤكدة في هذه الفترة داخل الإقليم، عندما سجلت حوالي 1850 حالة من نحو 3300 حالة في عموم البلاد، فاعتبرت الحكومة الصينية المدينة بؤرة جديدة للإصابة بـ”كورونا”، وفرضت طوقًا صارمًا حول المدينة لمدة شهر حتى رفعته في الرابع والعشرين من يناير 2022.

ورغم ضآلة حصيلة الإصابات في الصين مقارنةً بدول أخرى كالولايات المتحدة التي سجلت في اليوم الثالث من العام الجديد فقط مليون حالة، فإن متوسط الحالات اليومية في الصين لم يتجاوز حاجز مئتي حالة منذ مارس 2020.

إجراءات صارمة وصلاحيات واسعة

منذ وقت مبكر من أزمة “كورونا” عالميًّا، طبّقت “بكين” تدابير صارمة للحد من انتشار الفيروس التاجي، صارت لاحقًا معروفةً باسم سياسة “صفر كوفيد”. سياسة “لا تتسامح” مع تسجيل مزيد من الإصابات وفقًا لدراسة المركز الوطني الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية (NCBI). 

تشمل سياسة “صفر كوفيد” مجموعة من الآليات التي تهدف لمحاصرة تفشي الفيروس عن طريق وضع المصابين رهن العزل، وفرض الحجر الإلزامي لمدة أسبوعين على كل من خالطوهم، وقد تتسع الإجراءات إلى تقييد السفر من المناطق التي تصنف كبؤر للعدوى وإليها، إضافةً إلى منع التجمعات نهائيًّا، وقد يصل الأمر إلى إغلاق المدارس.

ويتطلب الحفاظ على حالة “صفر كوفيد” سرعة فائقة في تحديد المخالطين لحالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا. ويساعد في ذلك قدرة السلطات على تعقب هواتف المصابين عن طريق تطبيقات للهواتف الذكية يمكنها الوصول إلى معلومات المواقع التي تردد المصابون عليها كالمطاعم أو أماكن العمل أو غيرها. 

ويمنح إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة في الصين الحق للسلطات في الوصول إلى هذه مثل هذه البيانات التي كانت تتطلب عادة إذنًا قانونيًّا لوقوعها في صميم خصوصية المواطنين. 

وإضافةً إلى تلك الإجراءات تولي حكومة بكين اهتمامًا بإحكام السيطرة على حدودها لمنع أي حالات محتملة قادمة من الخارج، عن طريق فرض الحجر الإلزامي على الوافدين مدة أسبوعين على الأقل من تاريخ وصولهم. 

تقول سلطات الصين إنها رصدت مئات الإصابات بين المسافرين إليها في أثناء خضوعهم للحجر الإلزامي، رغم تقديم هؤلاء تحاليل تنفي إصابتهم بـ”كوفيد 19″ قبل السفر إلى الصين. 

وتجرى مسحات بصفة دورية ومتوسعة للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، مثل العاملين بالموانئ، وبخاصة المسؤولين عن نقل الواردات الغذائية المجمدة، إضافةً إلى أفراد القطاع الطبي.

ماذا لو لم يتم تطبيق سياسة “صفر كوفيد”؟

نشرت اللجنة الصينية لمكافحة الأمراض والأوبئة دراسة تتوقع سيناريو موازيًا لو لم تطبق الصين سياسة “صفر كوفيد” منذ اليوم الأول للوباء.  

ووفقًا للدراسة، كان من الممكن أن يصل متوسط الحالات يوميًّا إلى قرابة 640 ألف حالة على الأقل في الصين، مقارنةً بمتوسط يبلغ 150 ألف حالة سجلتها الولايات المتحدة بالفعل.

ولكن بفضل استراتيجية بكين الحازمة لا تسجل الصين سوى نحو 200 حالة يوميًّا، بإجمالي ما يقارب 106 آلاف إصابة، وأقل من خمسة آلاف حالة وفاة حتى السادس والعشرين من يناير 2022. 

“دول صفر كوفيد” تتخلى عن السياسة

لم تكن الصين الوحيدة التي تبنت هذه السياسة التي تهدف إلى تصفير حالات الإصابة الجديدة، فقد طبقتها دول أخرى في عام 2020، منها نيوزلندا وأستراليا وسنغافورة. لكن هذه الدول ما لبثت أن تخلت عنها لاحقًا، حيث رضخت للضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي صاحبت ظهور متحورات جديدة لفيروس “كورونا”، أهمها “دلتا” و”أوميكرون”.

في المقابل، تمسكت دول أخرى بهذه الإجراءات، وهي هونغ كونغ وتايوان وتونغا، وفي المقدمة “بكين” نفسها. ولطالما اعتبر الرئيس الصيني “شي جين بينغ” نجاح هذه السياسة دليلًا على تفوق حكومته على مثيلاتها عالميًّا. ما يجعل فكرة تخلي الصين عن هذه السياسة أمرًا مستحيلًا.

صمود محفوف بالخطر

السياسة الصفرية صارت تمثل بشكل متزايد أعباء على الاقتصاد الصيني والعالمي، بحسب ما صرحت به المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي “كريستالينا غورغييفا”.

فرغم نجاحها في بادئ الأمر، ترى “غورغييفا” أن تمسّك الصين بالاستراتيجية له أضرار تفوق الفوائد.

تصريحات المديرة التنفيذية للصندوق جاءت مع ظهور متحور “أوميكرون” المعروف بسرعة انتشاره مقارنةً بالمتحورات السابقة، لذا ترجح “غورغييفا” أن الصين ربما لن تستطيع احتواء الفيروس هذه المرة بواسطة سياسة “صفر كوفيد”.

تتسق تصريحات “غورغييفا” مع تقرير صادر عن “المجموعة الأورو – آسيوية” يشكك في صمود هذه الإجراءات أمام سرعة انتشار متحور “أوميكرون”، ما يتطلب مضاعفة الإجراءات المتشددة أساسًا، ويعني استمرار حالة الإغلاق العام لأكثر من عامين، فتزيد خطورة إعادة الفتح.

ويحذر التقرير من أن سياسة الصين هذه قد تزيد من تعطل سلاسل التوريد عالميًّا، ما يشكل تهديدًا للاقتصاد العالمي. فالقيود المفروضة على نقل البضائع، وموجات التفشي، ونقص العمالة الناتج عن الوباء، والمواد الخام، والآلات، كل ذلك يجعل السلع أقل توفرًا، ما يعني ندرة المعروض في مقابل الطلب المتزايد، ما ينتج عنه ارتفاع الأسعار.

تأتي هذه التحذيرات في وقت تستعد فيه الصين لدورة الألعاب الأوليمبية الشتوية لعام 2022، والتي تقام في فبراير.

ووضعت الصين إجراءات إضافية للحفاظ على “صفر كوفيد” بفعاليات الدورة الشتوية، والتي أهمها وقف بيع تذاكر الحدث للمشجعين الأجانب، وإنشائها لما يعرف بـ”الفقاعة الأولمبية” الصحية لعزل المشاركين في دورة الألعاب عن الصينيين، إضافةً إلى إجراء فحوصات يومية للكشف عن أي إصابة محتملة.رغم التدابير السابقة وجد الفيروس طريقه إلى “الفقاعات الأولمبية” بعد أن سُجل بها 34 إصابة، في وقت لا يفصل فيه بكين عن افتتاح الدورة سوى بضعة أيام، ما ينذر بأن الصين ينتظرها اختبار حقيقي يضع مزيدًا من التحديات أمام سياستها “الصفرية”.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter