أنت تقرأ الآن:

عبده خال: رواية أساطير العرب على طريقة “الأخوين غريم”

عبده خال: رواية أساطير العرب على طريقة “الأخوين غريم”

آية حسن

“عبده خال” من أهم الكتّاب السعوديين المعاصرين، لا تكاد تجد قارئًا في الوطن العربي لم يسمع بروايته “ترمي بشرر” التي فازت بجائزة البوكر العربية، أو “الموت يمر من هنا”، أو حتى “طين” و”فسوق”. عرف “عبده الخال” بكونه روائيًّا رغم كتابته أنواعًا أدبية أخرى مثل المجموعات القصصية وأدب الأطفال أيضًا. لكن لم يقتصر الأمر على هذه الأنواع، فهذا المقال عن تصنيف مختلف تمامًا هو “الأدب الشعبي”.

لسنوات قام “عبده خال” بتجميع مادة ثرية ليخرج بكتابين يضمان بعض حكايات العرب، تلك الحكايات التي تناقلتها الجدات ورددها الأحفاد من بعدهن. فعلها “الأخوان غريم” من قبل، حين جمعا حكايات الجدات ليخرجا كتابًا جعل الحكايات الألمانية مشهورة للعالم أجمع، وتبعهما الروس بقصصهم الشعبية التي اختلفت تمامًا تبعًا لظروفها المناخية والجغرافيا. وكذلك فعلت دول كثيرة جمعت تلك الحكايات التي تروى قبل النوم لتكون شاهدًا على قيم وعادات وربما شذرات من التاريخ. 

في الكتابين “قالت حامدة – أساطير حجازية” و”قالت عجيبية – أساطير تهامية” وضع الكاتب الروائي جهده للخروج بهما في حلّة تناسب رونق الموروث الشفهي وصعوبته، ووضع لهما مقدمة واحدة طويلة لتكون تمهيدًا، ليس لقارئ الحكايات العادي، بل للمهتم بالحكايات وما وراءها.

المقدمة: حكايات الجن والآلهة وتاريخنا الذي لا نعرفه

ربما يبدو اختيار الكاتب غريبًا عندما وضع للكتابين مقدمة واحدة، إلا أنها مقدمة كبيرة ووافية، وأرى أنها كافية لأي مهتم أراد أن يعرف تأثير البيئة والعادات على الأساطير العربية أو من أين جاءت. 

في البداية يتحدث “عبده خال” عن صعوبة نقل الموروث الشفهي إلى الورق، رغم كونه كاتبًا في المقام الأول، فإن الحكايات التي تحكيها الجدات لها تقاليد وأعراف، فلا تحكيها غير أنثى، ولا يقاطعها أحد، ولا تقبل الاعتراضات حول كون الأحداث حقيقة أو خرافة.. في بلاد أخرى قد لا توجد هذه التقاليد، لكن في بيئة عربية هي شيء مهم ذو دلالات في أغلبه. وطبقة الصوت المصاحبة للحكاية وتحريك الأيدي… كلها تجعل الحكايات أكثر رسوخًا في الأذهان من قراءتها بلا مؤثرات. 

مع هذه الصعوبات كان على الكاتب أن يختار أسلوبًا لنقل الحكايات والأساطير بأقل ضرر، فمن يعلم بماذا سوف تخبرنا هذه الأساطير بعد سنوات.

“الأسطورة حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يشف عن معانٍ ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان. ومع أن حمولاتها دينية، لكنها لا تأخذ قداسة النص الديني، فهناك جرأة على التغيير في أسلوبها وعلى تغيير أحداثها…”

ثم ننتقل للحديث عن الحكايات البسيطة التي تروى قبل النوم، والتي نظن أنها وليدة اللحظة، لكن خلال قراءة الكتابين نجد أن بعض الحكايات مشابهة لأساطير عالمية من مصر وبابل واليونان. فالأساطير أصل الحكايات كما يقول الكاتب في مقدمته، وقد اشترك سكان هذا الكوكب في العديد من الأحداث على مر التاريخ، فلا عجب أن نجد الأساطير إما منقولة وإما وقع ما يشبهها في مكان آخر. فالحكايات ليست بهذه السهولة، وربما حملت بداخلها تاريخًا لا نعرفه من التنقل من لسان إلى آخر ومن دولة إلى أخرى.

“لن يستطيع هذا الرجل الضعيف المسمى بالتاريخ أن يحمل كل ما مر بهذه البشرية عبر ملايين السنوات التي كان شاهدًا عليها، إذ إنه بحاجة إلى ذكر زمنية وقوع أي حدث. ولأنه لا يستطيع أن يضع تاريخًا لما قبل التدوين، فإن الإنسان لم يثق به كثيرًا، فانتدب الأسطورة لحمل ما عجز التاريخ عن حمله”.

قالت حامدة: أساطير حجازية 

الكتاب الأول يجمع أساطير من منطقة الحجاز، أحد أقاليم شبه الجزيرة العربية، والذي يحجز إقليم تهامة عن نجد. 

الأساطير العربية في الكتاب ليست مجرد حكاية قصيرة أو قصة معبرة ترويها الجدة قبل النوم، بل إن بعضها طويل ومتشعب وذو أطراف متعددة. ويمكن للقصة أن تكون متعددة الطبقات الزمنية على عكس القصص العادية التي تعبّر عن موقف واحد وتنتهي بانتهاء الموقف. عدد من القصص مثلا يحكي عن رجل وزوجته، لكن سياق القصة يحمل الرجل وزوجته وعائلة الملك والوزير والأصدقاء، فالأساطير ترسم عالمًا واسعًا، وهو ما لا يحدث مثلًا في قصص الأطفال.

وكما هو الأمر مع كل الحضارات، فالأساطير تشف عن الأجداد ممن تناقلوها ورووها، فهي قيمهم والأخلاق التي أرادوا أن تنتشر وتبقى. 

في إحدى الحكايات التي تسرد ما تفعله زوجة الابن مع الأم المسكينة، يعلق عليها “عبده خال” قائلًا في النهاية: إن هذه القصة كانت تحكى للرجال في ليلة الزفاف لتنبيههم إلى عدم الانسياق وراء الزوجة.. أو في قصة أخرى “عفن” من الواضح أنها توجه درسًا إلى كل من يعاف حياته ولا يرضى بما قسمه الله. فالمعاملات السيئة أو التكبر من العادات المرفوضة بين أهالي المنطقة، ومن السهل أن نتعرف إلى قيمهم من خلال هذه الأساطير.

قالت عجيبية: أساطير تهامية

أما الكتاب الثاني “أساطير تهامية”، فيظهر تأثر الأساطير الواضح بالجغرافيا إلى جانب المناخ. في الكتابين البيئة هي الصحراء والقرى والقبائل، لكن في كتاب “قالت عجيبية” نرى البحر جليًّا في عدد من القصص، فيظهر الصياد وجنيات البحر والأسماك الملعونة… إلى آخره، وهذا بالطبع يعود إلى موقع تهامة على ساحل البحر.

في “قالت عجيبية” ميزة ليست في الكتاب الأول، حيث جعل الكاتب بعض القصص تروى بطريقتين: الأولى بالأسلوب الروائي المستخدم لباقي القصص، والرواية الثانية بلسان أهل تهامة. فخرجت إلينا القصص قابلة للقراءة والاستمتاع بها كما يسمعها أهل بلدها، والرواية الأخرى تسعف أذهاننا بالفهم إذا لم نميز معاني بعض الكلمات.

الفارق بين مطلع قصة “الترونجية” التي رويت مرتين في الكتاب..

“أنه كان هناك زوجان مضى عليهما زمن طويل ولم يرزقهما الله بالذرية، فظلا يتحسران على نفسيهما كلما خطر ببالهما أنهما لن يتركا خلفهما ذرية تذكّر بهما”.

“كان ذاك الرجل وحرمته لهن سبع سنين ما حصّلو عيال وما بقوا بمكان دلوهن عليه إلا وراحوا”.

قصص تحمل في طياتها عبير أهل الصحراء وخوفها

وكما أسلفت، فالقصص تحمل في طياتها بيئتها وجغرافيتها وقيم أهلها، وهي أفضل طريقة لمعرفة ما يفكر به، وماذا يحب، وماذا يتجنب أهل هذه المنطقة. 

رأينا في القصص إشارات إلى فواكه لا تنبت إلا في الصحراء، وقصصًا كثيرة عن “الديجبيرة” و”الهول”، وهما المعادل للعفريت الذي يتشكل في الليل كما يشاء، لكن “الديجبيرة” تتشكل على شكل سيدة ربما أم أو أخت، و”الهول” مخلوق اختلفت القصص حول أصله، إلا أنه يضلل المارة إلى طرق خاطئة.

فحتى نوعية المخلوقات المخيفة تخبرنا عن أهل المكان والرواة وخوفهم من الضياع ليلًا في طريق خاطئ أو التعرض للخطف وسط الصحراء. هذه المعلومات الكثيرة التي مصدرها أولًا وأخيرًا الأساطير ترينا أهمية التراث الشفوي المتناقل، وربما تعبر عن المجهودات الكبيرة التي وضعها “عبده خال” في جمع القصص وإعادة صياغة وتسمية بعضها لتناسب كل قارئ ويتمكن من الاطلاع على ثقافة غنية مليئة بعادتها الخاصة.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter