أنت تقرأ الآن:

«في بيتنا روبوت»: الحياة المستقبلية مع الروبوتات الودودة فائقة الذكاء

«في بيتنا روبوت»: الحياة المستقبلية مع الروبوتات الودودة فائقة الذكاء

شيماء جابر

هل سمعت يومًا عن الروبوتات الآلية المتكاثرة ذاتيًّا؟ إنها روبوتات قادرة على إنشاء نسل جديد منها، وترجع فكرتها إلى عام 1948، عندما قدم عالم الرياضيات “جون فون نيومان” (John von Neumann) رؤيته العلمية الطموح لفكرة الروبوت القادر على إعادة إنتاج نفسه باستخدام المواد الخام المصنوع منها الألومنيوم أو البلاستيك أو السيراميك، إلخ… الجديد هنا بداية تلاشي الحدود الفاصلة بين الروبوتات كآلة والكائنات الحية بشكل مخيف.

بعد التطور الأخير الذي لم يسبق له مثيل لجيل الروبوتات الحية “Xenobots” (القابلة للبرمجة، والمنشأة معمليًّا بواسطة خلايا جذعية حية مأخوذة من أجنة الضفادع)، وفقًا للورقة البحثية المنشورة أواخر عام 2021، تجاوز الروبوت مرحلة تنفيذ المهام فقط، وانتقل إلى التكاثر ذاتيًّا باستخدام ظاهرة النسخ التكراري للخلايا الحية المكونة له ليكون بمثابة كائن حي من إبداع البشر.

تهيمن الروبوتات على الخيال الجمعي ككارثة محتملة، وتعمل أفلام “هوليوود” وكتب الخيال العلمي على تهيئتنا لعصر تتطور فيه هذه الآلات حتى تصبح سادة العالم، ويصبح البشر عبيدًا مملوكين لها. لكن مع ذلك يشهدنا التطور العلمي الفعلي على إمكانات أخرى، هي الروبوتات الودودة التي قد تكون من أفضل أصدقائنا في المستقبل.

فما هي الروبوتات الودودة؟ وهل ستحب أن تعيش مع أحدها؟ وما سبب ارتباط الروبوتات بالشر في الخيال البشري؟

الحياة مع الروبوتات الودودة 

بفضل التقدم الهائل للذكاء الاصطناعي تزداد الآلات ذكاءً يومًا بعد يوم. تشير التوقعات المستقبلية إلى أن الروبوتات الودودة فائقة الذكاء ستلعب دورًا كبيرًا خلال العقود القليلة القادمة كرفقاء حياة في منزلك. يتوقع “Rob Coneybeer”، المؤسس المشارك لشركة “Shasta Ventures”، إمكانية تطوير روبوتات تشبه البشر خلال 20 أو 25 عامًا لجعل حياتنا التقليدية أسهل.

كمحاولة لتخيل الحياة المستقبلية مع الروبوتات الودودة، أشار “بيل غيتس” ضمن ترشيحاته السنوية للقراءة في عام 2021، إلى رواية “كلارا والشمس” (Klara and the Sun) لمؤلفها الحائز على جائزة نوبل “كازوو إيشيغورو” (Kazuo Ishiguro)، والتي تدور أحداثها حول فكرة “الروبوتات الودودة” كرفيق لتحسين الحياة التقليدية وجعلها أفضل وفقًا لنظرية “ما بعد الإنساني”.

لسنا بعيدًا عن ذلك، ففي الواقع يتم حاليًّا تصنيع مثل هذه الروبوتات بالفعل، مثل الروبوت المنزلي “Kuri” المصمم لأغراض التكامل مع المنازل الذكية والتفاعل مع أفراد العائلة، وهناك الروبوت “Aido” المصمم للمساعدة والحماية، ولدينا الروبوت المتكلم “صوفيا”، والذي يعد أشهر مثال على الروبوتات الودودة الشبيهة بالبشر بسمات أنثوية قادرة على التعبير عن المشاعر بتنفيذ 62 تعبيرًا للوجه. 

حاليًّا، هناك خمسة مجالات يمكن للروبوتات فعلها ستغير حياتنا المستقبلية:

  1. الترفيه والتسلية: فيمكن للروبوت كتابة الروايات والنصوص الإبداعية وتحرير الأخبار والمقالات.
  2. العمل الشاق في الأماكن الخطرة: مثل نقل الأحمال وغيرها من أشكال الدعم اللوجستي، والمساعدة في التخلص من القنابل، ونزع الألغام، والتخلص من النفايات المشعة.
  3. الرعاية الصحية للمرضى والمسنين: لتخفيف العبء اليومي عن الأطباء والممرضات والجراحين، مثل روبوت التمريض “Grace”.
  4. الدردشة والمساعدة الشخصية: عبر تلقي الأوامر صوتيًّا، مثل روبوت “Alexa” المطوّر بواسطة شركة “أمازون”، وروبوت “Siri” المطور بواسطة شركة “آبل”.

التهديد القادم من رفقاء الحياة الجدد

وعليه، تتنبأ التوقعات بأن تطور صناعة الروبوتات الودودة، كرفقاء للحياة، سيفتح آفاقًا مستقبلية جديدة وغير مسبوقة أمام البشرية، لكن هذه التوقعات لم تركز على التأثيرات الاجتماعية الأوسع والأكثر أهمية، فيمكن لأصدقائنا المخلصين من الروبوتات أن يتحولوا بسهولة إلى أعداء متمردين، ما يثير القلق بشأن مدى تدميرية الروبوتات للبشرية بعد وصولها إلى مرحلة جيل الروبوتات الحية “Xenobots”. فالكل متوجس من إجابة سؤال: ماذا لو طورت الروبوتات الودودة ذكاءً شريرًا يحمل نوايا معادية مروعة للبشرية؟

للروبوتات جانب مخيف جدًّا. فقد حذر الفيزيائي الراحل ذائع الصيت “ستيفن هوكينغ”، في مقال نشرته صحيفة “إندبندنت” عام 2014، من خطر الذكاء الاصطناعي في المستقبل، مع احتمالية جنوح الروبوتات فائقة الذكاء إلى الشر، فقال: 

“النجاح في إنشاء الذكاء الاصطناعي سيكون أكبر حدث في تاريخ البشرية […] ولسوء الحظ، قد يكون الأخير، ما لم نتعلم كيفية تجنب المخاطر. فيمكنه تطوير إرادة خاصة به، وهذه الإرادة يمكن أن تتعارض مع مصالحنا”.

فمنذ المرة الأولى التي سمحنا فيها للمعدات والآلات بالعمل على خدمتنا في بعض المهام والأعمال البسيطة، قبلنا بالتبعية عرضًا بإمكانية الوثوق بها للقيام بجميع أعمالنا المختلفة لتحل تدريجيًّا محل العنصر البشري في كل شيء، بدءًا من جهاز “التوستر” المخصص لتحميص قطع الخبز، وحتى روبوت المساعدة الصوتية المطور “Siri” من شركة “آبل”.

يجادل “بيتر فليمنغ” ضمن صفحات كتابه “الأسوأ لم يأتِ بعد” في ذلك الأمر، فيقول:

“ربما لن تتحول الروبوتات إلى الشر بغرض تدمير البشرية، بل قد تقوم الروبوتات الودودة التي تعمل بكفاءة بهذه الوظيفة”.

في الأصل، ظهرت كلمة “روبوت” وتم ربطها بفكرة “الآلة الحية” للمرة الأولى عام 1920، في مسرحية “إنسان روسوم الآلي” للكاتب التشيكي “كارل تشابيك” (Karel Capek)، فهي مشتقة من كلمة “Robota” التي تعني العمل الصعب الشاق في اللغة التشيكية، ومنذ ذلك الحين بدأت تستخدم في أدب الخيال العلمي، ثم التقطها الباحثون لتصبح بمرور الزمن حقيقة، ويتم الاعتماد على موظفين من الروبوتات بدلًا من الموظفين البشر.

فقدان الوظائف بسبب الأتمتة هو الموضوع الأكثر سخونة بالنسبة إلى خبراء اقتصاديات العمل نتيجة تطور صناعة الروبوتات والذكاء الاصطناعي. تشير تقديرات “معهد ماكينزي الدولي” إلى أن ما يصل إلى 375 مليون شخص على مستوى العالم قد يحتاجون إلى تبديل وظائفهم بحلول عام 2030 جراء زيادة معدل الأنشطة القابلة للأتمتة.

ثنائية الروبوت والشر 

عند تدقيق النظر إلى ثنائية الروبوتات والشر، نجد أن الأمر يتعلق بمسألة النوايا والتخطيط المسبق. في بعض الحالات، قد تستجيب الروبوتات إلى البرمجة المعدَّة مسبقًا بغرض حملها على ارتكاب أفعال شريرة أو معادية أو مدمرة. يقول “بيتر فليمنغ” في كتابه “الأسوأ لم يأتِ بعد”:

“لن تطوّر الروبوتات ذكاءً شريرًا من تلقاء ذاتها، بل ستعكس نزوع مبرمجيها من البشر. وبالنظر لمدى الشر الذي يقدر عليه الناس، فهذه الفكرة مقلقة أكثر بكثير”.

لكن، تشير “فرضية التعامد” (Orthogonality Theses) إلى أن تدميرية الذكاء الاصطناعي لن تأتي عمدًا، بل ستكون نتيجةً لأهداف غير دقيقة، ففي حالات أخرى، قد تقوم الروبوتات بالجنوح تمامًا بمعزل عن مبرمجيها كأن تفعل شيئًا غير متوقع. كما حدث بالفعل، عقب تمكن روبوتات فيسبوك للدردشة التفاعلية القائمة على الذكاء الاصطناعي من التوصل إلى لغة جديدة خاصة فيما بينها، نتيجة خطأ برمجي، حينما غفل المهندسون عن وضع قيود/ حدود برمجية لقدرتها على التعلم حتى يتم السيطرة عليها.

أخلقة الروبوت

ما يجعل الأمر أكثر رعبًا الطبيعة المطلقة للشر عند الروبوتات، فهي لا تفكر في مدى التعقيد الأخلاقي أو التأثير العاطفي والاجتماعي أو آداب السلوك اللائق عند ارتكاب أفعال مروعة بغرض تدمير البشرية، الأمر خارج نظامها البرمجي. السؤال هنا: كيف يمكننا تفادي جنوح الروبوتات الودودة إلى الشر؟ أو بمعنى أدق: هل يمكننا «أخلقة الروبوت»؟ 

في أربعينيات القرن الماضي، أدرك الكاتب الروائي “إسحق عظيموف” (Isaac Asimov) هذا الخطر المقلق ضمن روايته “أنا إنسان آلي“، بعدما تخيل عالمًا مستقبليًّا، تأخذ الروبوتات فيه مكانة رفيق الحياة، فقام برسم حبكته الروائية على برمجتها بشكل مسبق، وفقًا لقوانين، تستند على السلوك الاجتماعي وقواعد القيم والمثل العليا والحق والخير، بما يتناسب مع طبيعة البشر.

بعد قرابة الـ80 عامًا، جذبت فكرة “إسحق عظيموف” علماء الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا عام 2016، عندما قام باحثان من معهد “جورجيا للتكنولوجيا“، بإجراء اختبارات على إمكانية تعلم الروبوتات الودودة فائقة الذكاء للقيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية، عبر تقنيات “Quixote” القائمة على فكرة السعي إلى تعلم الروبوت كيفية أداء المهام باستخدام منظومة القيم الإنسانية والسلوك السليم اللائق، واستراتيجيات التعامل النبيل مع الشدائد، حتى يتمكنوا من الاندماج بشكل أفضل في المجتمعات البشرية والمساهمة في رفاهيتها.

في النهاية، ستصبح الروبوتات والذكاء الاصطناعي أكثر قدرة مستقبلًا، وستكون عواقب أفعالهم وخيمة، لسوء الحظ، ليس لدى البشر الوقت الكافي لتطوير قدرات فطرية مماثلة للتعايش الآمن مع الروبوتات الودودة فائقة الذكاء. لذا علينا اتخاذ خطوات لضمان أنهم يستطيعون العيش معنا بشكل غير مدمر، بما يمثل عقدًا اجتماعيًّا جديدًا مع الروبوتات، بهدف منعها من إيذاء البشر.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter