أنت تقرأ الآن:

لماذا اختفى علم فلسطين من دورة كأس الأمم الإفريقية الأخيرة؟

لماذا اختفى علم فلسطين من دورة كأس الأمم الإفريقية الأخيرة؟

عبد الرحمن خالد

في 18 ديسمبر 2021، وفي البطولة التي أقيمت في دولة قطر، حصد منتخب الجزائر لقب بطولة كأس العرب لكرة القدم على حساب المنتخب التونسي بهدفين للا شيء. لم يكتفِ عدد كبير من الجمهور الجزائري في المدرجات القطرية برفع علم دولة فلسطين دعمًا للقضية العربية الأهم، بل إن أحد لاعبي منتخب الجزائر ارتدى العلم الفلسطيني على منصة التتويج، ووصلت احتفالات مماثلة بالعلَم إلى خارج ستاد مباراة النهائي، وإلى قلب الشوارع والمقاهي في المدن الجزائرية.

وعلى الرغم من تلك الحفاوة الجزائرية بالعلم الفلسطيني خلال البطولة العربية، فإن العلم لم يظهر حتى على استحياء في بطولة أمم إفريقيا 2022 المؤجلة منذ العام الماضي في الكاميرون، والتي شهدت خروج المنتخب الأخضر من دور المجموعات بنقطة وحيدة بعد تعادل واحد وهزيمتين، ما دفع إلى التساؤل: لماذا اختفى علم فلسطين من تلك البطولة؟

تاريخ “موضة” بدأت في الاندثار

بالرجوع إلى مباريات الجزائر على مدار السنوات العشرين الماضية، نجد أن تصفيات إفريقيا لكأس العالم 2010 كانت لحظة التحول بالنسبة إلى منتخب كرة القدم، وهي التصفيات التي شهدت المجموعة الأصعب بين الجزائر ومصر اللذين تنافسا حتى اللحظات الأخيرة في الصعود إلى النهائيات.

تساوى الفريقان في عدد النقاط وفارق الأهداف، وأحرز كل فريق نفس عدد الأهداف في مرمى الآخر، ما دفع الكاف للالتجاء إلى مباراة فاصلة اختارت مصر أن تكون على الأراضي السودانية، وهي المباراة التي نجم عنها شقاق بين جمهور البلدين وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي في العاصمة السودانية “الخرطوم”، وهي اللحظة التي وصلت ذروتها بعد أسابيع من الهجاء المتبادل والتراشق والاستقطاب واسع النطاق بين إعلاميي وجمهوري البلدين.

في القلب من تلك المعركة لجأ بعض الجماهير من البلدين إلى حرق علم البلد الآخر، فتم حرق العلم المصري في الجزائر العاصمة، والرد على ذلك بحرق علم الجزائر في القاهرة إلى جانب حرق إسرائيل، لتتحول الأنظار إلى التشاجر حول تلك الواقعة: “من تنبض في قلبه العروبة أكثر؟”. سيعيّر الجمهور المصري الجزائريين بلغتهم الفرنسية المسيطرة على حديثهم حتى هذا الوقت، مع الحفاوة بتاريخ حافل بالعداء لإسرائيل. بدأت الحفاوة بانتصار أكتوبر 1973، وانتهت برفع نجم منتخب مصر “محمد أبوتريكة” لافتة دعم “غزة” في أمم إفريقيا 2008، بينما لجأ الجزائريون حينها إلى معايرة المصريين بـ”كامب ديفيد” وحصار النظام المصري لقطاع “غزة”، وأمور أخرى.

الجزائريون رفعوا العلم الفلسطيني منذ وقتها وتبنّوه، خصوصًا أن مثل هذا الإجراء لم يحدث في أي مباراة كرة قدم سابقة، ولم يكن له مثل هذا الزخم، ووصل إلى حد مطالبات بأن يرتدي لاعبو المنتخب شارات تحمل علم فلسطين لدعم القضية، وفي مِران المنتخب الجزائري استعدادًا لبدء بطولة كأس العالم في جنوب إفريقيا، رفع اللاعبون علم دولة فلسطين دعمًا للقضية.

على صعيد الاهتمام الجزائري بالعلم الفلسطيني خلال كأس العالم 2010، ردت فلسطين بفعل مشابه عندما احتشدوا بالآلاف في ساحات الضفة الغربية المحتلة لمشاهدة ومؤازرة المنتخب العربي الوحيد في المونديال، ورفع علم الجزائر ورسمه على الوجوه، حيث شهدت الفعاليات رفع العلم المصري أيضًا، وشهدت الفعالية حضورًا رسميًّا على أعلى مستوى، فقد كان الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” ضمن الحضور مع عدد من المسؤولين في مدينة “رام الله”.

فخر العرب الحقيقي

لاحقًا، ومع صعود نجم لاعب نادي “ليفربول” الإنجليزي الحالي ومنتخب مصر محمد صلاح، والاهتمام العربي البالغ بإنجازاته الفردية وتطور أدائه يومًا بعد يوم، ظهر التنافس الجزائري-المصري من جديد، حيث انتزع “صلاح” لقب “فخر العرب” من نجم المنتخب الجزائري “رياض محرز”.

“محرز” و”صلاح”، الثنائية التي أظهرت من جديد المشاحنات المصرية والجزائرية الجديدة، كانا في القلب من معارك من المعايرة والتفاخر، حيث كان النجم المصري يعتاد الصعود على المنصات للتويج بالألقاب الفردية الواحد تلو الآخر، بينما اعتاد محرز أن يكون احتياطيًّا في ناديه “مانشستر سيتي”، لكن اللاعب الجزائري سيعود بريمونتادا لاحقة ليكون ضمن التشكيل الرئيس لفريقه، ويتألق ليكون ضمن قائمة اللاعبين الأفضل في العالم مزاحمًا صلاح على لقب “فخر العرب الحقيقي”.

النجم الجزائري الذي كان محل المقارنة الدائمة بقائد منتخب مصر الحالي “محمد صلاح” يعود لانتزاع هذا اللقب من جديد بعد أن يقوم بلفتة معتادة للفوز، وهي رفع العلم الفلسطيني خلال احتفاله مع فريقه بالتتويج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، ما يلاقي حفاوة بالغة من الفلسطينيين والعرب، ومن بينهم مصريون. 

على الصعيد المتصل سيواجه نجم منتخب مصر قبلها انتقادات واسعة بعدما اعتبره الجمهور متجاهلًا للقضية الفلسطينية في آخر أحداثها عندما نشبت الحرب بين حركات المقاومة والجيش الإسرائيلي على خلفية التصعيد الإسرائيلي ضد فلسطينيي حي “الشيخ جراح”، وصلت إلى حد مطالبة النجم المصري بالخروج بشكل واضح لإعلان موقفه من قضية فلسطين، ما دفع اللاعب إلى الاستجابة بتدوينة عبر حسابه بموقع “تويتر” طالب فيها بوقف العنف، وقام بتغيير صورة حسابه إلى صورته أمام قبة الصخرة بـ”القدس” المحتلة، لكن ذلك لم يكن كافيًا في نظر بعض الجماهير العربية.

من كرة القدم إلى السياسة

مؤخرًا اكتفى الجزائريون برفع العلم الفلسطيني خلال التتويج ببطولة كأس العرب، ومع خيبة آمالهم في بطولة أمم إفريقيا الأخيرة والخروج من دور المجموعات، اختفت تلك الحفاوة، لكن حفاوة من نوع آخر ظهرت من خلال دعم الجزائريين للمنتخب المصري وتشجعيه باعتباره الفريق العربي الوحيد الذي واصل في البطولة حتى خسارة النهائي أمام المنتخب السنغالي بركلات الترجيح.

إثر ذلك انتشرت مقاطع فيديو مصورة وتدوينات تُظهر دعم الجزائريين أمام شاشات التلفزيون سواء في المنازل والمقاهي وهم يحتفلون بفوز مصري تلو الآخر حتى بلغ النهائي، ما قوبل باهتمام مصري إيجابي واحترام وتقدير وحديث عن انتهاء الأزمة التي استمرت لسنوات، وعودة إلى التلاحم العربي من جديد، وتحميل اللوم في تلك الأزمة للإعلام وعوامل أخرى أنست الشقيقين علاقتهما الوطيدة.

هذا الدعم للمنتخب المصري لم يكن وليد المصادفة، وقد ظهر واضحًا، ولم يكن مستغربًا في مباراة المنتخب المصري أمام نظيره المغربي التي فاز فيها الأول بهدفين للا شيء صاعدًا إلى نصف النهائي. هذا الدعم الذي كان مشروطًا إلى حد كبير بالمباراة أمام المغرب التي تشهد علاقاتها مع الجزائر توترات واسعة النطاق على الصعيد السياسي، وصلت إلى حد التلويح بالقوة العسكرية.

مع توطيد الدولة المغربية الصلات مع إسرائيل، وذلك بعد تطبيع العلاقات بين الجانبين، والإعلان عن توقيع مذكرات تعاون عسكري، واجه ذلك على المستوى الشعبي الجزائري اتخاذ القضية الفلسطينية عمقًا للخلافات، كان آخرها استقبال الرئاسة الجزائرية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومؤتمرات للنقاش والتفاوض حول إنهاء الانقسام الفلسطيني، وزخم واسع النطاق على المستوى السياسي والشعبي، مع معايرة المغربيين بخطواتهم التطبيعية غير المسبوقة مع الاحتلال.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter