أنت تقرأ الآن:

مقياس الإسلاموفوبيا: أي دول أوروبا أكثر عداءً للمسلمين؟

مقياس الإسلاموفوبيا: أي دول أوروبا أكثر عداءً للمسلمين؟

في ظهر يوم الجمعة، الخامس عشر من مارس 2019، فوجئ أصدقاء «برنتون تارانت» بنشره مقطع فيديو «لايف» على فيسبوك، لا شك أنهم لم يتوقعوا محتواه.

كان تارانت، وهو شاب من أستراليا، معروفًا بعنصريته ضد المسلمين وبانتمائه إلى حركات اليمين المتطرف، فربما كان يتحدث في الفيديو إذن عن موقفه من المهاجرين أو عن أي قضية أخرى. لكن لا. كان الفيديو بثًّا مباشرًا لاقتحام تارانت لأحد المساجد وإطلاقه النار على المصلين فيه، مصورًا بطريقة ألعاب الفيديو حيث تتحرك الكاميرا مع الذراعين والسلاح، ومخلفًّا وراءه 51 قتيلًا في مسجدين مختلفين.

هذه الحادثة التي تحول قتل المسلمين فيها إلى ما يشبه لعبة هي حلقة واحدة في سلسلة طويلة من ظاهرة الإسلاموفوبيا المتصاعدة في العالم، وبصورة خاصة في أوروبا. الجميع اليوم يتحدث عن عودة النازيين، والتقارير الإخبارية تخرج علينا بأخبار عن حوادث العنف المتزايدة ضد الأقليات العرقية والدينية، ومنظمات المجتمع المدني ترفع صوتها عاليًا بالاحتجاج على التمييز ضد المسلمين. وعلى المستوى الشخصي، يفكر الكثير من المسلمين في الدول العربية قبل قرار السفر إلى أوروبا أو أي دولة غربية أخرى، إذ يقلقون من احتمال تعرضهم للمضايقات هناك.

لكن لنقل إنك تفكر في السفر إلى إحدى الدول الأوروبية، من أجل قضاء إجازة الصيف، أو ربما للدراسة في إحدى الجامعات المرموقة. هل يجب عليك أن تتجنب بعض الدول أكثر من غيرها؟ سينصحك بعض الناس بالابتعاد عن دول شرق أوروبا، إذ يترك تصفح مواقع التواصل الاجتماعي انطباعًا بأن هذه الدول أكثر عنصرية ضد المسلمين من غيرها، على أن هذا الفارق في واقع الأمر ليس مدعومًا بأرقام أو إحصاءات، وإنما يعتمد حصرًا على الحدس العام.

ليست هناك دراسة رسمية واسعة النطاق للمقارنة بين الدول الأوروبية من حيث عدائها للمسلمين، ترتب هذه الدول من الأكثر تمييزًا ضدهم إلى الأكثر ودًّا تجاههم، لكن توجد مع ذلك بعض الإحصاءات المفيدة. مثلًا، تصدر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقارير سنوية بإحصاء حوادث التمييز ضد المسلمين المنشورة في وسائل الإعلام. ويمكن الاستفادة من هذه الإحصاءات لترتيب الدول الأوروبية على مقياس الإسلاموفوبيا.

بعض الدول يحدث فيها عدد ضخم جدًّا من حوادث العنف أو التمييز ضد المسلمين، وبعضها يقع فيها أحداث أقل، لكن هذا العدد في ذاته ليس مؤشرًا على مدى العداء للمسلمين. فإذا كان عدد سكان الدولة كبيرًا جدًّا، فمن الطبيعي أن تقع بها أحداث عنف أكبر، لهذا رتبنا الدول بعد قسمة عدد الحوادث على معامل الكثافة السكانية للحصول على ترتيب يعبر عن مقدار العنف الذي تتعرض له الأقلية المسلمة في كل دولة، واستثنينا من الترتيب دولة واحدة هي البوسنة والهرسك لأن المسلمين لا يشكلون فيها أقلية.

مع ذلك طبعًا ربما تكون هذه النتائج غير دقيقة تمامًا، لأن الصحافة قد تكون أكثر اهتمامًا بحوادث العنف ضد المسلمين في دول معينة دون أخرى، وقد لا يتناسب هذا الاهتمام مع حجم التمييز الفعلي ضد المسلمين. إضافةً إلى ذلك، ربما لا تتناسب حوادث العنف التي تسجلها الصحافة مع حجم التمييز اليومي الأصغر الذي يتعرض له المسلمون يوميًّا في الشارع، ولا يكون لافتًا إلى حد أن يصل إلى الإعلام. مع ذلك، الدول الأوروبية الخمس الأعلى على مقياس الإسلاموفوبيا هم كالتالي.

المملكة المتحدة

https://i.guim.co.uk/img/media/8cd4e6cc1d5878c1f9fd58a3aa2c841054d6329b/0_0_3359_4085/master/3359.jpg?width=700&quality=85&auto=format&fit=max&s=ab7011b86b6e23d711244a59df86a5bc

مقال في مجلة ذا صن الإنجليزية المحافظة: «الباكستانيون في بريطانيا يغتصبون الفتيات البيض، وعلينا أن نواجههم».

سجلت منظمة الأمن والتعاون الأوروبية 491 حادث تمييز ضد المسلمين في الفترة من 2015 إلى 2018 في المملكة المتحدة، وفي دولة تصل كثافتها السكانية إلى 274 نسمة للكيلومتر المربع، فإن هذا معدل حوادث مرتفع جدًّا.

شهدت الفترة المذكورة حادث شارلي إيبدو الشهير في فرنسا، عندما اقتحم مسلحون مسلمون مقر الجريدة الساخرة وأطلقوا النار على موظفيها، وكانت كذلك فترة صعود لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، خصوصًا في سوريا، وهي الأمور التي استدعت ردود أفعال عنيفة، خصوصًا تجاه المهاجرين، ما أدى إلى تأزم العلاقة بالاتحاد الأوروبي والتصويت أخيرًا على خروج بريطانيا منه.

في استطلاع رأي أجرته بي بي سي في 2015 على ألف مسلم، اعتقد 46% منهم أن حياة المسلم في بريطانيا أمر صعب بسبب التمييز ضد الإسلام. وفي 2016، وصلت ورقة بحثية إلى نتيجة مفادها أن معدلات البطالة للنساء المسلمات أعلى كثيرًا من غيرهم من النساء، إذ تصل إلى 27% في بعض الأعراق، مقابل 3.5% للنساء البيض من غير المسلمات، وكذا الأمر في شغل المناصب الإدارية، والذي يصل بين المسلمات إلى 8.5% كذلك لأعراق بعينها، مقابل 32% للنساء البيض غير المسلمات.

النمسا

سجلت المنظمة في نفس الفترة، من 2015 حتى 2018، 191 حادث تمييز ضد المسلمين في النمسا، التي تبلغ كثافتها السكانية 109 نسمة للكيلومتر المربع.

انشغلت النمسا في هذه الفترة بالأحداث نفسها التي شغلت بريطانيا، لكن أحداث التحرش الجنسي الجماعي الذي وقع في مدينة كولونيا الألمانية في يوم رأس السنة لعام 2016 كان كذلك دافعًا عنيفًا للحوار بشأن إدماج المهاجرين والصدام الثقافي مع المسلمين. ازدادت حدة وسائل الإعلام في تصويرها لصعوبة التعايش مع المسلمين، وأعلن حزب الشعب النمساوي منع النقاب، وهو ما رحبت به كيانات سياسية أخرى.

في 2016 مثلًا، اشتكت فتاة من تعسف مدرس الألعاب بسبب حجابها، إذ أصر على أن تخلعه قبل أن تشارك في الحصة، وعندما ارتدت أخرى الحجاب وذهبت به إلى المدرسة، علق المعلم بأنها انضمت في ما يبدو إلى دوائر متطرفة، «ولعلها ادخرت مالًا من أجل شراء تذكرة للسفر إلى سوريا». استمر المدرس في استدعاء الفتاة بعد ذلك من وقت إلى آخر كي يسألها عن رأيها في داعش وبوكو حرام.

إسبانيا

في إسبانيا، سجلت منظمة الأمن والتعاون الأوروبية 97 حادث تمييز ضد المسلمين في الفترة من 2015 إلى 2018. تصل الكثافة السكانية في إسبانيا إلى 92 نسمة للكيلومتر المربع، ما يضعها في المركز الثالث في ترتيب الدول الأوروبية على مقياس الإسلاموفوبيا.

أعلنت داعش عام 2017 مسؤوليتها عن حادث برشلونة الذي وقع في 17 أغسطس من نفس العام، عندما سارت شاحنة لتصدم تجمعًا بشريًّا كبيرًا في شارع «لا رامبلا»، أكثر شوارع برشلونة ازدحامًا، في موسم ازدهار السياحة. قتل هذا الفعل 13 شخصًا وأدى إلى إصابة 130 آخرين، وبعد هذه الواقعة بأقل من يوم واحد، سارت شاحنة أخرى لتدوس المشاة في مدينة «كمبريلز»، فقتلت امرأة واحدة قبل أن تتدخل الشرطة لتضرب النار على الشاحنة وخمسة رجال كانوا فيها، فتقتلهم جميعًا.

في هذا العام المتوتر، شهد المسلمون تمييزًا ملحوظًا ضدهم في إسبانيا. بدأ العام بتغريدة من «إسبيرانزا أجويري»، حاكم مدريد ووزير الثقافة السابق، للتهنئة بذكرى سقوط غرناطة، قائلًا إنه «يوم مجيد للنساء الإسبان، اللاتي كن سيعشن تحت استبداد الحكم الإسلامي لولا هذا الانتصار». كذلك نشطت الجمعيات الأهلية التي تدافع عن حقوق المسلمين في هذا العام للمطالبة بإنشاء مقابر للمسلمين، إذ كانت نسبة 95% من السكان المسلمين لا يملكون مساحات لدفن موتاهم.

فرنسا

رابع الدول الأوروبية في ترتيب الإسلاموفوبيا هي فرنسا، التي وقعت فيها 90 حادثة تمييز ضد المسلمين من 2015 إلى 2018، وكثافتها السكانية تصل إلى 122 نسمة للكيلومتر المربع.

لفرنسا خصوصًا تاريخ طويل من التوتر مع أقليتها المسلمة. وبغض النظر عن حادث شارلي إيبدو المشار إليه أعلاه، والذي أدى بالطبع إلى اشتعال هذا التوتر أكثر من أي وقت سابق، فإن الحوادث الأصغر حجمًا تستمر بالحدوث بصورة مستقرة تقريبًا. شهد عام 2018 مثلًا اعتداءات كثيرة على نساء مسلمات، فهاجم بعض أعضاء اليمين المتطرف شابة مسلمة كانت تسير في أحد شوارع مدينة «ليل»، فأطلقوا عليها غازًا مسيلًا للدموع ولكموها 4 مرات، لكن كاميرا مراقبة التقطت المشهد لتذيعه الصحافة بعد ذلك.

وفي يونيو 2018، قبض البوليس الفرنسي على مجموعة من أعضاء إحدى جماعات اليمين المتطرف الأخرى، بينما كانت تخطط لعملية واسعة ضد المسلمين في فرنسا، تشمل تسميم الأغذية الحلال وقتل أئمة المساجد والاعتداء الجسدي على النساء المسلمات والهجوم على المساجد. وكثير من أعضاء هذه الجماعات يملك أسلحة من نوع أو آخر.

هذه الدول الأربعة، المملكة المتحدة والنمسا وإسبانيا وفرنسا، حققت أعلى معدلات على مقياس العداء للمسلمين، إذ وقعت فيهم أعدادًا ضخمة من حوادث العنف بالقياس إلى الكثافة السكانية في هذه البلدان، وهذا على العكس مما يعتقد كثير من الناس أن شرق أوروبا هو الأكثر عنفًا ضد المسلمين. مع ذلك، وكما ذكرنا من قبل، ربما تتضاءل أرقام دول أخرى بسبب عدم التغطية الصحافية، أو ربما تقل الحوادث الأعنف، التي تصل إلى أقسام الشرطة أو الصحافة، فيما تزيد الحوادث الأصغر، التي تتسبب يومًا بيوم في مضايقة الأقلية المسلمة، وإثارة استيائها وإحساسها بالظلم.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter