المدونة هل يمكن إنشاء بديل ديمقراطي لـ”فيسبوك”؟ Nuqta Doc منذ 3 سنوات معاذ يوسف صرّح “روجر ماكنامي“، المستشار السابق لـ”مارك زوكربيرغ” وأحد المستثمرين الأوائل في “فيسبوك”، نهاية العام الماضي، بأن الديمقراطية لن تتعافى أبدًا إذا استمر “فيسبوك” في منهجيته الحالية بخصوص إساءة استخدام بيانات المستخدمين، داعيًا إلى ضرورة تصنيف هذا الأمر عملًا غير أخلاقي مثله مثل عمالة الأطفال. إساءة استخدام البيانات في “فيسبوك” حدث متكرر. ليس ذلك فقط، بل أيضًا التحكم من جانب المنصة نفسها في نوعية المحتوى المنشور، وما حدث من وقف حسابات أولئك الذين يدافعون عن فلسطين خلال شهر مايو من العام الماضي، ووقتها خرجت حملات تدعو إلى تقييم “فيسبوك” سلبًا في متجر التطبيقات. نجحت هذه الحملة في تحقيق هدفها المرتبط بأمر التقييم، فانخفض تقييم “فيسبوك” بعد الحملة على متجر “غوغل” وأصبح 2.5 نجمة، ووصل متجر “أبل” إلى 2.1 نجمة. في النهاية واجهت الشركة وقتًا عصيبًا العام الماضي إجمالًا، ولعل هذا كان أحد الأسباب التي دفعتها إلى محاولة فتح صفحة جديدة مع المستخدمين، وإنشاء الشركة الأم “ميتا” مع وعود بشأن مستقبل مغاير للمستخدمين مع “الميتافيرس“. في الحقيقة، تكرار الأحداث المتعلقة بكيفية تعامل “فيسبوك” مع المستخدمين والبيانات يدفعنا إلى طرح تساؤل مهم: لماذا لا يكون هناك بديل ديمقراطي لـ”فيسبوك”؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في السطور القادمة. في البدء كان العمل التجاري: ما الذي يتطلبه إنشاء منصة تواصل اجتماعي؟ بالتأكيد لن يبدأ أحد في إنشاء منصة تواصل اجتماعي جديدة إلا إذا كان الأمر يتضمن تحقيقًا للأرباح لأن الديمقراطية ذاتها ليست هدفًا تقام الأعمال التجارية لتحقيقه. لذا، لا بد أولًا من فهم نموذج عمل منصات التواصل الاجتماعي قبل التفكير في إنشائها. 1. القيمة المضافة: تأثير الشبكة العامل الأساسي لنجاح مواقع التواصل الاجتماعي هو اعتمادها على تأثير الشبكة كقيمة مضافة. يعني تأثير الشبكة ببساطة أن الدافع وراء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أن زملاءك وأصدقاءك والأشخاص المفضلين بالنسبة إليك متفاعلون على هذه المنصة، ويمكنك التواصل معهم من خلالها. في نهايات القرن الماضي مثلًا كانت المنتديات هي الأكثر رواجًا في التواصل الاجتماعي، لكن عندما بدأت مواقع التواصل في الظهور اضطر قطاع كبير من الجمهور إلى ترك المنتديات والذهاب إلى هذه المواقع، لا لوجود مشكلة في المنتديات، لكن للبقاء على تواصل مع المجتمع الذي ذهب إلى هذه المنصات. 2. نموذج الربحية: الإعلانات تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي على الإعلانات كمصدر أساسي لتحقيق أرباحها. على سبيل المثال، حوالي 97% من دخل شركة “ميتا” في الربع الثالث من عام 2021 كان سببه الإعلانات. تتكرر هذه النسبة إذا بحثنا في أرقام الشركة في السنوات الماضية. لماذا الإعلانات هي مصدر الدخل الأساسي؟ جذب المستخدمين بالتسجيل المجاني: تحتاج مواقع التواصل الاجتماعي إلى جذب المستخدمين بالتسجيل المجاني، وفي الوقت ذاته تبحث عن تحقيق الأرباح، وتساعد الإعلانات على حدوث ذلك دون المساس بمجانية الاستخدام.الاستفادة من النمو في أعداد المستخدمين: في الوقت ذاته يمكن لهذه المواقع الاستفادة من النمو في أعداد المستخدمين. فعندما يرى المعلنون الأرقام يتحفزون لتنفيذ حملات إعلانية على هذه المواقع. 3. الميزة التنافسية زاد عدد المنصات المنافسة في عالم التواصل الاجتماعي، وبالتالي لم يعد من السهل جذب أعداد كبيرة من المستخدمين دون وجود ميزة تنافسية تجعلهم يقبلون على المواقع الجديدة. فببساطة، لماذا سيترك المستخدم المنصة الحالية ويذهب إلى منصة جديدة؟ على سبيل المثال نجح “تيك توك” في فرض وجوده بقوة بين مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لأنه اعتمد على الفيديوهات القصيرة، واهتم بجذب شريحة الجيل “Z” الذي يلي جيل الألفية. لم يقتصر الأمر على ذلك، لكنهم أصبحوا غير مهتمين بـ”فيسبوك” من الأساس، ويرونه من الماضي كمنصة تستخدمها الأجيال السابقة عليهم. الأمر ذاته مع تطبيق “كلوب هاوس” الذي اعتمد على ميزة الغرف الصوتية للدردشة، مع استخدام طريقة الدعوات لدخول المستخدمين على الموقع، ما جعل كثيرًا من المستخدمين مهتمين بالدخول خوفًا من أن تفوتهم الفرصة، وهو مبدأ تسويقي مهم استخدمته المنصة معروف باسم «FOMO» أو الخوف من أن يفوتك شيء. ومن أجل إنشاء منصة تواصل اجتماعي جديدة لا بد من التفكير جيدًا في كيفية إنشاء ميزة تنافسية، مع الأخذ في الحسبان أن المنصات الحالية تسارع إلى محاكاة تجارب المنصات الجديدة، فرأينا كيف أطلق “فيسبوك” و”تويتر” خيارات للغرف الصوتية مباشرةً بعد تجربة “كلوب هاوس”، وكذلك بدأ “اليوتيوب” خاصية الفيديوهات القصيرة بعد نجاح “تيك توك”. 4. مصادر التمويل والتوسع من المهم إدراك أن مصادر التمويل تلعب دورًا مهمًّا في بقاء منصات التواصل الاجتماعي، والأهم من ذلك الحفاظ على استدامتها حتى تقدر على التوسع والنمو. فالاعتماد على الإعلانات مثلًا يقتضي وجود كثير من المستخدمين قبل أن يبدأ المعلنون في الإقبال على استخدام هذه المنصة. لذا، تعد الجولات التمويلية دافعًا أساسيًّا لعمل منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي حدث مع “فيسبوك” في بدايته، وهو ذاته الذي يحدث مع “كلوب هاوس” حاليًّا. فالمنصة جمعت 110 ملايين دولار من سبع جولات تمويلية، لكنها لم تحقق إيرادات بعد. لذا، من أجل تأسيس منصة ناجحة للتواصل الاجتماعي، ليس فقط على مستوى عدد المستخدمين، ولكن أيضًا على مستوى الإيرادات والأرباح، فلا بد من امتلاك القدرة على تمويل المشروع بالصورة المناسبة، حتى بلوغ مرحلة الربحية التي تتحقق من خلال النمو الكبير في المنصة. الديمقراطية جيدة لا شك.. لكن: كيف؟ وأين؟ بالتأكيد جميعنا نبحث عن الديمقراطية، أن تكون لدينا منصة يمكننا من خلالها الحديث كما نريد. لكن يتعلق ذلك بالإجابة عن سؤالين مهمين: كيف؟ وأين؟ 1. كيف ستحدث الديمقراطية؟ “إذا لم تدفع لاستخدام المنتج، فأنت المنتج”.. جميعنا نعرف هذا الاقتباس الذي يصف كيفية استفادة الأعمال التجارية من الأشخاص، وما دمنا لا ندفع لاستخدام الفيسبوك وغيرها من المنصات، فوقتها سنكون نحن المنتج الذي تبيعه هذه المنصات. لذا، عندما نتحدث عن ديمقراطية مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف أنّها تتأثر سلبًا بالتحكم في البيانات حسب وصف “روجر ماكنامي”، فمن وجهة نظر هذه المواقع أنّ البيانات هي التي تتيح لها تنفيذ الحملات الإعلانية للمعلنين بالجودة العالية، ما يؤدي إلى توليد الإيرادات، فيترتب عليه بقاء المنصة ونجاحها. إذا استغنت مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا الأمر، فوقتها سيتأثر نموذج العمل الخاص بها، وستتغير العوامل في طريقة العمل، وفي النهاية لن تقدر على الاستمرار والربحية بالنموذج الحالي. 2. أين ستحدث الديمقراطية؟ في الحقيقة لا يمكن أبدًا تجاهل هذا السؤال في محاولة التفكير بالديمقراطية. فالموقع الذي تعمل به الشركات يلعب دورًا كبيرًا في المسار الذي تتبعه في عملها. لتتضح الإجابة، سنحتاج إلى إلقاء نظرة على مثالين من الواقع الحالي للشركات، وكيفية تعامل الحكومات معهما. تجربة “أبل” بين أمريكا والصين عام 2016 طلب مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) من شركة “أبل” مساعدة للدخول على جهاز آيفون الخاص بالمسؤول عن إطلاق النار الذي أدى إلى وفاة 14 شخصًا. رفضت شركة أبل هذا الأمر، وخرج رئيسها التنفيذي متحدثًا عن حماية البيانات، وأنّه لا يجب على الشركة مساعدة الحكومة. لكن نفس الشركة يتهمها بعضهم بأنها لا تفعل الأمر ذاته في الصين، بل إن موقفها هو الخضوع. على سبيل المثال، في عام 2019، أزالت الشركة أحد التطبيقات المعروف باسم “HKMap Live”، وهو الذي استخدمه المتظاهرون داخل هونغ كونع بهدف تتبع أنشطة الشرطة. لا يتعجب أحد بشأن هذا الأمر. فمعروف أنّ الصين تفرض رقابة صارمة على الإنترنت في الدولة، وتملك تطبيقات خاصة بها في مواقع التواصل لتتمكن من التحكم بها تمامًا. فهناك تجد أنّ كل التطبيقات المشهورة مثل فيسبوك وتويتر وغوغل محظورة، وتوجد بدائل محلية لكل ذلك. تجربة VK في روسيا أنشأ “بافل ديوروف” منصة تواصل اجتماعي في روسيا سميت “VK”، وكانت بمنزلة فيسبوك روسيا. فقد كانت شبكة نشطة وناجحة. وعندما اندلعت احتجاجات ضد بوتين في 2011، طلبت السلطات الروسية من “دوروف” إغلاق حسابات المعارضين وصفحاتهم، لكنه رفض ذلك. تكررت الأزمة مجددًا عندما رفض “ديوروف” تسليم بيانات بعض المستخدمين بعد أزمة أوكرانيا في عام 2014. بين هذه الفترة تعرّض “ديوروف” لتضييق شديد على عمله، ودخل في جدال مع ملّاك الشركة. في النهاية قرر الرحيل عن الشركة، وأنشأ تيليغرام للتواصل المشفر نتاجًا لخبرته في تواصله مع أخيه في أثناء مشكلته مع النظام الروسي. من أجل البديل الديمقراطي: الابتكار والمستخدم أولًا حسنًا، السؤال الذي يطرح نفسه الآن وفقًا للمعطيات السابقة: كيف يمكن إنشاء بديل ديمقراطي حقًّا لفيسبوك؟ 1. تنفيذ المشروع في بيئة تحترم القانون والديمقراطية كما رأينا لا يمكننا تجاهل السياق الذي تعمل به الشركة لأنّه حتى إذا رغبت الشركة في فعل ذلك كما رغب دوروف، فقد يجد أحدهم نفسه في النهاية مضطرًا لترك الشركة التي أنشأها في سبيل ذلك. وحتى إذا تمسكت الشركة بمبادئها في موقع معين مثلما فعلت أبل في أمريكا، فامتلاكها مصالح معينة في الصين تفرض عليها العمل بصورة مغايرة لأنّ الصين لن تتردد أبدًا في إبعاد أي تهديد بالنسبة إليها، مهما تكن القيمة والتكلفة في سبيل الحفاظ على السيطرة. بينما في أمريكا الجيد هو أنّ القانون له الكلمة العليا، بالتالي يمكن للشركات مواجهة الحكومات في حالة أي خلاف، فالقانون هو القوة التي تحكم. إذن الشرط الأول لإنشاء بديل ديمقراطي هو تنفيذه في بيئة ديمقراطية تعتمد على القانون مرجعيةً لها. والمقصد هنا ألّا تكون لهذه البيئة أي مرجعية فكرية تسعى إلى فرضها على الجميع، وأن تقف على مسافة واحدة من جميع الأفكار والمعتقدات، وتعتمد على القانون كوسيلة للفصل بين الخلافات، لا أفكار حكام الدولة أو ملّاك الشركة. 2. إيجاد نموذج عمل مغاير للشركة لا يقتصر الأمر على موقع تنفيذ المشروع، لكن أيضًا ضرورة التفكير في نموذج العمل، فلا تضطر الشركة إلى استغلال البيانات من أجل البقاء والربحية، ومن ثم لن يفكّر أصحابه في المصلحة العليا لهم قبل المستخدمين، وهذا ما يفعله تطبيق تيليغرام حتى هذه اللحظة، والذي يضع سرية المستخدمين نصب عينه طوال الوقت. بالطبع ليست المشكلة في استخدام البيانات في حد ذاتها، لكن طريقة فعل ذلك، ومحاولة التفكير في طرق قانونية يشعر المستخدمون بالرضا عنها، وأنّهم غير مجبرين على ذلك، أو أنّهم يجهلون أصلًا ما يحدث من استغلال لبياناتهم لصالح أصحاب هذه الشركات. ربما يكون الحل في ابتكار نموذج عمل مختلف بالكامل يعتمد مثلًا على الاشتراكات، ووقتها بالطبع سيحتاج الأمر إلى ابتكار آلية جديدة لنجاح الموقع، ولكن قد يكون هذا أحد الحلول المطروحة للمستقبل. ويبقى التساؤل الآن: متى سنرى هذا البديل الديمقراطي لفيسبوك؟ نأمل أن يحدث ذلك قريبًا. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.