أنت تقرأ الآن:

ما الذي يفعله ترامب خارج الرئاسة؟

ما الذي يفعله ترامب خارج الرئاسة؟

ربما يكون من الطبيعي للرؤساء الأمريكان السابقين أن يحظوا بالهدوء والراحة بعد انتهاء مدتهم الرئاسية، دون أن يشكل ذلك أي مفاجأة للجمهور، لكن الرئيس الخامس والأربعين دونالد ترامب الذي اعتاد مخالفة التقاليد، وعوّد جمهوره على الإثارة والمشاغبة، كانت المفاجأة أنه لم يكن استثناء من قاعدة هدوء الرؤساء السابقين. 

فما الذي فعله ترامب منذ 20 يناير من العام الحالي، حين تقلّد جو بايدن منصبه رئيسًا للولايات المتحدة؟

في صباح يوم تنصيب بايدن، غادر ترامب واشنطن إلى مقره في نادي “مارالاغو” في فلوريدا، حيث شوهد خلال الأسبوع الأول من إقامته هناك، وهو يقضي أوقاتًا طويلة في لعب الغولف، وكذلك افتتح مكتبًا له ليكون مسؤولًا عن بياناته وخطاباته وتواصله مع جمهوره.

مغادرة صاخبة

في الأيام الأولى بعد رئاسته لم يكن واضحًا ما ينتويه ترامب بخصوص المستقبل، فمستقبله نفسه كان محاصرًا من عدة اتجاهات. لقد خسر لتوه، إلى جانب الانتخابات، محاولته رفض نتائجها، وكان موقعه في الحزب الجمهوري بعد خسارته محل شك، وكان ملاحقًا من القضاء في تحقيقات عن أنشطته التجارية والعقارية قبل الرئاسة، خصوصًا في موطن إقامته السابق نيويورك التي قطعت كل صلاتها التجارية معه، وأصبحت أقرب إلى مكان مُعادٍ، وهو السبب الأساسي لرحيله إلى فلوريدا، وأخيرًا كان يواجه، للمرة الثانية، دعوى عزل من منصبه نتيجة اتهام الديمقراطيين له بمحاولة عرقلة نتائج الانتخابات وتحريض جمهوره على العصيان واقتحام مبنى الكابيتول يوم 6 يناير، والذي أدى إلى مقتل خمسة أشخاص. 

فبعد تشكيك طويل في نتائج الانتخابات الرئاسية، وعشرات الدعاوى أمام المحاكم لإلغائها، وضغطه على بعض مسؤولي الانتخابات لوقف إعلان النتائج أو تغييرها في بعض الولايات، توّج ترامب ذلك كله بخطابه أمام المتظاهرين يوم 6 يناير في تجمع بعنوان “انقذوا أمريكا”، حيث أعاد مقولاته عن “سرقة الانتخابات”، وأخبر أنصاره أنهم “يجب ألا ييأسوا أو يستسلموا أبدًا”، حيث رأى الديمقراطيون أن هذا الخطاب كان إشارة لأنصاره بالمسير إلى مبنى الكونغرس لوقف عملية التصديق على نتائج الانتخابات بشكل نهائي.

بجانب دعوى العزل التي واجهها ترامب، والتي كانت الثانية مجملًا بعد الأولى في أواخر عام 2019، تم وقف حسابات ترامب من تويتر وفيسبوك لاتهامه باستخدامها في التحريض على العنف. 

لم تكن حسابات ترامب على هذه المواقع مجرد منصات ثانوية، بل كانت منذ حملته الرئاسية في 2016 طريقته الأساسية لجذب الاهتمام، والدخول في المعارك، والاحتفاظ بقدرته على الوجود الإعلامي الدائم في مواجهة الإعلام التقليدي الذي كان يتهمه دومًا بالانحياز ضده.

بعد السادس من يناير أصبح ترامب أكثر هدوءًا، يرى بعضهم أن وقف حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي كانت السبب الرئيس لذلك، والتي كانت تغريداته فيها تربطه بشكل مباشر بعدد ضخم من المتابعين، بمجرد ضغطة زر، وأن محاولة ترامب تعويض ذلك الغياب بالبيانات الصحفية المتتالية، لم تكن ناجحةً لأن بياناته تلك كان ينقصها الإيجاز والعنفوان الذي تمتعت به تغريداته. 

بينما يرى آخرون أن ترامب فضّل الاحتماء بالهدوء النسبي بعد إقامة دعوى عزله الثانية، لكي يتمكن من تجاوزها بسلام، دون إثارة مزيد من المتاعب التي قد تؤلب عليه مزيدًا من الجمهوريين، وتجعل عزله واقعًا، وبالتالي تحرمه من حلمه الأهم، وهو الترشح مرة أخرى في انتخابات 2024 الرئاسية.

تمكّن ترامب للمرة الثانية من تجاوز دعوى عزله. ففي 13 فبراير من العام نفسه، وبعد نحو ثلاثة أسابيع من مغادرة منصبه، لم يتمكن مجلس الشيوخ الأمريكي من الوصول إلى نسبة الثلثين المطلوبة لعزله، وبعدها، وتدريجيًّا، سيبدأ ترامب في الظهور مرة أخرى، سواء في مقابلات تليفزيونية أو في مؤتمرات الحزب الجمهوري.

بفشل دعوى العزل انتهى مأزق ترامب الأكبر، أما عن التحقيق القضائي في أعماله التجارية، فرغم أنه تصاعد مع الوقت، حين صرحت المدعية العامة لنيويورك “ليتيسيا جيمس” أن تحقيقها لم يعد مدنيًّا بشكل كامل، وأصبح ذا شق جنائي، فإن التحقيق كله لم يكن بالسرعة الكافية ليطغى على التساؤل الأساسي بخصوص مستقبل ترامب السياسي، خصوصًا أن ترامب واجه من قبلُ دعاوى مدنية عن أعماله التجارية، وانتهت كلها بتسويات مادية.

لكن حتى بعد فشل دعوى العزل، لم تكن عودة ترامب الإعلامية سلسة. لقد توقفت حساباته في وسائل التواصل رغم أن تصريحاته وبياناته الصحفية الغاضبة تجاه أمور كثيرة، لم تثر الصخب الذي كانت تثيره من قبل، ومن ذلك هجومه على أنتوني فاوتشي، رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وكذلك الهجوم على خصومه داخل الحزب. 

لقد فقد ترامب شيئًا مهمًّا، وهو أنه لم يعد رئيسًا، أو حتى مرشحًا حاليًّا للانتخابات، وقام بالتصعيد الكامل حين اقتحم أنصاره الكونغرس، فلم يبق بعد هذه القمة الدرامية إلا الخفوت التدريجي، والتحضير الطويل للعودة إلى الساحة السياسية، وهذا ما بدأه ترامب بالفعل.

ملك الحزب الجمهوري

عندما غادر ترامب واشنطن كان ناقمًا على الحزب الجمهوري لاعتقاده أن الحزب لم يسانده بالشكل الكافي، بل كان يتحدث عن تشكيل حزب ثالث، غير أنه مع الوقت بدأ يستثمر أكثر في السيطرة على مقاليد الحزب الجمهوري. لكن مستشاروه أقنعوه بأنه إذا أراد الانتقام من نواب الحزب الجمهوري الذين صوّتوا لعزله أو لم يدعموا دعواه بتزوير الانتخابات، فالنهج المثالي لذلك أن يركز على انتخابات 2022 التشريعية، وأن يدعم مرشحين جمهوريين آخرين غير هؤلاء الذين هاجموه. 

وبالفعل، وبجانب لعب الغولف ولقائه مع مستشاريه، أصبح لقاء المرشحين الجمهوريين المحتملين لانتخابات 2022 جزءًا من برنامجه اليومي.

في طريقه للسيطرة الكاملة على الحزب حتى بعد خسارته، واجه ترامب بقوة كل العائلات القوية في الحزب، ولم يبد أحد منهم قادرًا حتى الآن على مواجهته، سواء كان جيب بوش أو ميت رومني أو ليزا ماركوفسكي، ولم ينتظر أنصار ترامب الانتخابات المقبلة لمعاقبة الجمهوريين المناهضين له. 

فليزا تشيني، النائبة الجمهورية وابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، تم عزلها من منصبها رئيسةً للمؤتمر الجمهوري في مجلس النواب (المنصب الذي يجعلها ثالث أهم قيادة جمهورية في البرلمان)، بعدما كانت أحد الجمهوريين القلائل الذين صوتوا لصالح عزل ترامب.

قوة ترامب داخل الحزب الجمهوري يبدو أنها لم تتزعزع حتى بعد الخسارة، فـ”ليندسي غراهام”، أحد قادة الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ الأمريكي، يقول إن ترامب هو “الجمهوري الأكثر شعبية في البلاد كلها، وأي محاولة لطرده خارج الحزب ستؤدي إلى خروج نصف الأعضاء معه”.

في مقابلة مع فوكس نيوز، صرح ترامب أنه منغمس جديًّا في محاولات الجمهوريين استعادة السيطرة على مجلس النواب الأمريكي، وإن كان يرى إعادة السيطرة على مجلس الشيوخ أكثر صعوبةً، وبدا ترامب في المقابلة كعادته واثقًا بثقله السياسي، حيث قال إن كل مرشح يحظى بدعمه ينجح في الانتخابات. 

في المقابلة نفسها أعلن ترامب أنه يفكر بشكل حقيقي في الترشح للانتخابات الرئاسية 2024، وأن إنجازاته غير المسبوقة كرئيس، بجوار أخطاء الديمقراطيين الفادحة، من وقف بناء السور مع المكسيك ورفع الضرائب وتقييد الحق في حمل السلاح، كلها عوامل تصب في صالح فرصه المستقبلية في الفوز بالانتخابات.

صحيح أنه لا يمكن رسم صورة واضحة لفرص ترامب منذ الآن في العودة إلى الرئاسة، لكن على الأقل يمكن القول إنه يمتلك فرصة ضخمة ليكون مرشح الحزب الجمهوري. 

فبحسب الاستطلاعات، فإن 85% من الجمهوريين يقولون إنهم يفضلون مرشحين يتفقون مع ترامب، بينما يقول ثلثاهم إنهم يريدون ترامب نفسه مرشحًا رئاسيًّا للحزب في الانتخابات المقبلة.

تاريخيًّا، رئيس أمريكي واحد تمكّن من العودة إلى الرئاسة بعد خسارة التمديد له، وهو الديمقراطي جروفر كليفلاند، الذي تولى المنصب مرتين غير متتاليتين: الأولى من مارس 1885 حتى مارس 1889، والثانية من مارس 1893 حتى مارس 1897.

إعلان ترامب المبكر تفكيره في الترشح للرئاسة، سيقطع الطريق على مرشحين جمهورين آخرين للإعلان عن نيتهم الترشح أيضًا، فبسبب شعبيته الطاغية داخل الحزب، فإن أول مرشح يعلن ذلك سيواجهه ترامب بكل ما يملك من قوة.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter