المدونة الاحتيال الناعم .. كيف تعمل الإعلانات؟ Nuqta Doc منذ 3 سنوات يُمكن تعريف الإعلان على أنه فن خلق وتوجيه رغبات المُستهلكين. ما يُميز الإعلان عن أي شكل آخر من أشكال الترويج؛ هو أن الإعلان اتصال غير شخصي، بخلاف أشكال أخرى من الترويج، والتي تتميز بطابع شخصي، وبالتالي: بدرجة أعلى من الأمانة والموضوعية. على سبيل المثال، أنت تريد شراء هاتف جديد، فُيرشح لك صديقك إصدارًا مُعينًا، بناء على تجربته في استعمال هذا الإصدار. وتعكس هذه النصيحة أحد صور الاتصال الشخصي، والذي يمتاز بدرجة أعلى من الأمانة والثقة، حيث يشرح لك الصديق مزايا وعيوب الهاتف بصراحة، بخلاف الإعلان مدفوع الأجر، والذي يستعرض المميزات فحسب، ناهيك عن تضخيمها لدرجة قد تخالف الواقع. أحد أمثلة الاتصال الشخصي أيضًا، هي عروض مواقع التواصل الاجتماعي Reviews، حيث يستعرض صُنّاع المحتوى مميزات وعيوب منتجات قاموا بتجريبها بالفعل (يختلف الأمر في حال كان العرض إعلانًا مدفوع الأجر). عمومًا، تقل مصداقية العرض كلما ابتعدتَ عن خِطاب الناقدين الموضوعيين، واقتربت من خطاب مُنتِج السلعة، سواء بطريقة غير مُباشرة: عبر الإعلانات المروجة. أو بطريقة مُباشرة: بأن يستعرضها مالكها (أو أحد وكلائه) أمامك: مُبرزين ميزاتها وحاجبين عيوبها، لكن تظل فرص المصداقية كبيرة أيضًا في هذه الحالة، وذلك إذا أتاح المَتجر نماذج من منتجاته بين أيدي الزبائن حتى يُجربوها، تاركًا إياهم لاستكشاف المميزات والعيوب بأنفسهم. سيكولوجّية الإعلانات الحديثة بحسب عالم النفس الأمريكي والتر سكوت وهو مؤلف عدد من الأبحاث المُبكرة عن سيكولوجية الإعلان، فقد حدثت الطفرة الأولى في الإعلانات بشكلها الحديث خلال الفترة الممتدة بين عامي 1889و 1904 في أبحاثه، رأى سكوت بأنه من الأفضل أن يضم الإعلان مزيجًا من مُثيرات الأحاسيس المختلفة (البصرية والسمعية.. إلخ)، حتى تتأثر أكبر شريحة من المُشاهدين، كل مُشاهد حسب نوعية الإحساس الذي يستوعبه بشكل أوضح وأعمق، وذلك إذ تختلف (بحسب سكوت) أولوية الحواس من شخص لآخر. فهنالك من يتأثر بالصور البصرية أكثر من الموسيقى، أو بالرائحة أكثر من الصور البصرية، أو بسلاسة الحركة والتنقل السريع بين الأماكن أكثر من أي شيء آخر. إذا قمنا بتطبيق ذلك على إعلان لأحد العطور: قد ينجذب أحد المُستهلكين للعطر مُتأثرًا بأوصاف رائحته القوية والفاتنة، بينما قد ينجذب له مُشاهِد آخر بناء على التصميم الأنيق للزجاجة التي تحتوي العطر، وقد ينجذب مُشاهِد ثالث مُتأثرًا بحركة ممثلي الإعلان وتنقلهم الخاطف بين الشوارع وقمم الجبال ( ما يُوحي بحيوية ما يمنحها العطر لصاحبه). وذلك بالرغم من أن الرائحة هي الخاصية الجوهرية لهذه السلعة، وهي ما يخلق قيمته الاستعمالية (أي: الفائدة المرجوة منه)، إلا أننا نلاحظ انجذاب المُستهلكين لها على أسس مُغايرة تماما لحدود استعمالها. وأيضًا، قد ينجذب المستهلكون لمنتج مُعين إذا ما وجدوا أن نجمًا رياضيًا أو فنانًا مشهورًا يستعمله، ليس بالضرورة أن ذلك النجم يستعمله في الواقع بالفعل، لكن المهم بالنسبة للمُعلِن أن يظهر النجم وكأنه يستعمله (ويهيم به عشقًا في بعض الأحيان) خلال الإعلان. كذلك يتأثر المستلهكين بالوعود من قبيل أنهم سيتمتعون بشخصية أقوى عندما يستهلكون مشروبًا مُعينًا، وغيرها من الوعود الوهمية عديمة الصلة بالتأثير الحقيقي للمُنتج وقيمته الاستعمالية. وفي المحصلة، تظل الإعلانات أقل أشكال الترويج مصداقية، وأكثرها تحايلًا وخداعًا. وهذه قائمة مُختصرة بأبرز تلك الحيل وأكثرها استعمالًا: 1. التكرار تُلاحق صورة سلعة معينة الناس وهم يتنقلون بين قنوات التلفاز، في صورة كرنفالات طويلة من الغناء والرقص، أو على الطرق السريعة في صورة لافتات ضخمة ساطعة. ويُساهم هذا الإلحاح في ترسيخ صورة السلعة بأذهانهم، وخلق رابطة معها، فتصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمُستهلِك، ونتيجة اعتياده البصري على رؤيتها، تتحول إلى أول شيء تلتقطه عيناه من بين أنواع السلع المشابهة، المصفوفة على رفوف المتجر. 2. دغدغة العواطف وتشمل استغلال الحاجات العاطفية الأساسية لدى المُستهلكين، وإقناعهم بأن المُنتَج الذي يَعرضه الإعلان سوف يُشبعها: سيمنحهم الأمان، أو الجاذبية الجنسية، أو النجاح في العمل. على سبيل المثال: تقع النساء في غرام أحدهم بمُجرد استعماله لمزيل عرق مُعين. وينجح أحدهم في حياته المهنية بمُجرد قيادته لسيارة مُعينة. يُضاف إلى ذلك: التلاعب بمخاوف المُشاهدين تجاه: الشيخوخة، والوحدة، والإصابة بالمرض، والموت. على سبيل المثال: تَستخدم الشركات المصنعة للمُنظفات المنزلية الصيغة الضمنية التالية: “أنت مُهدَد بالمرض والموت إذا لم تستعمل منتجاتنا”. 3. العَربة bandwagon وتعني إقناع المستهلكين أنهم بشراء منتجك سينضمون للجانب “الرابح”. على سبيل المثال: “بشرائك هذا العطر؛ ستنضم إلى قائمة الرجال الجذابين.” أو “باشتراكك في هذا النادي، ستنضم لقائمة الأبطال.” 4. العلامة sign لماذا تُستغَل النساء المُثيرات في الترويج لشطائر” البرجر” وليس الشيف الذي قام بإعدادها؟ أو لماذا قد يظهر رياضي مشهور في إعلان يُروّج لمدينة سكنية؟ وليس المعماري الذي صَممها؟ – يُمثّل اللاعب / المرأة في هذه الحالة: الدال signifier حسبما يدعوه علماء السيميوطيقا (علم العلامات)، بينما تمثل المدينة / شطيرة البرجر المدلول (أي المحتوى المُشار إليه) Signified، أما الإعلان ككل فيمثل ما يُدعى بالعلامة sign وبواسطة ربطهما سويًا في سيناريو واحد، ينقل الدال صفاته إلى المدلول داخل ذهن المُتلقي بشكل تلقائي، وبالتالي: تنتقل صفات المرأة المُثيرة إلى شطيرة البرجر: “الامتلاء” و”الغواية” و”إثارة اللُعاب”. وكذلك تنتقل صفات الرياضي إلى الحي السكني: فهو “مُنظم”، و”نظيف”، و “مُفعم بالحياة”. 5. النشوة حيث َيظهر جميع المؤدين في الإعلان سعداء: يضحكون، ويتسامرون، وأحيانًا يرقصون. والهدف من ذلك هو أن ترتبط حالة السعادة تلك في ذهن المُتلقّي باستخدام السلعة المُعلَن عنها، وهكذا، فإنه سيسعى لشرائها بغرض تحقيق سعادة مشابهة. 6. شخصنة السلعة Personification of commodity بمعنى خلقْ تميمة (شخصية كرتونية) للسلعة قريبة من الهيئة البشرية، وجعلها تتكلم وتُعبّر عن نفسها وتعيش حياة طبيعية. والهدف من ذلك أن يشعر المُستهلك بأن رابطة شخصية تجمعه بالسلعة، أي أنها أكثر من مُجرد شيء يستعمله، وإنما هوية تعبر عن نمط حياته الذي تُجسده التميمة (الشخصية الكارتونية) للإعلان. 7. الإحصائيات وأخيرًا، لا مانع لدى المُعلِنين من استعمال الأرقام والإحصائيات في صالحهم، فهل تأكد أحد من أن 90% من الأطباء يُجمعون فعلًا على استعمال مُنتَج مُعين؟ بالطبع لا، لكن الإعلانات ستواصل إقناعك بأنهم يفعلون ذلك. لمجرد البيع بهذه الوسائل وأكثر منها، يلجأ المُعلِنون للاحتيال على الزبائن عبر عدد من التقنيات النفسية، التي لا شأن لها بالفائدة المرجوة من السلعة، وهو ما يتناقض مع حالتي “الصَديق” و”صانع المحتوى” (المذكورتين أعلاه)، ففي حين يُركّز كلاهما على القيمة الاستعمالية للسلعة، وعلى بيان الاحتياجات الفعلية والماسّة التي تلبيها لك كمستهلك، يحرص الإعلان على خلقْ حاجات من العدم، وإبراز المميزات دون العيوب. وأخيرًا، تتجسد آثاره التخريبية على الجمهور كما يصفها الاقتصادي الأمريكي روبرت هايلبرونر في “الجهود الحثيثة لإقناع الناس بتغيير أساليب حياتهم؛ ليس من منطلق أي معرفة أو قناعات عميقة حول ماهية الحياة الجيدة، ولكن لمجرد البيع.” شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.