أنت تقرأ الآن:

المعادلة الهندية.. كيف تحتفظ بصداقة الغرب وروسيا في وقت واحد؟

المعادلة الهندية.. كيف تحتفظ بصداقة الغرب وروسيا في وقت واحد؟

في الحادي عشر من شهر إبريل من العام الحالي، جمع الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لقاء افتراضيًّا استهدف استمرار التعاون في كثير من المجالات، مثل الطاقة النظيفة والتكنولوجيا والتعاون العسكري والبحث العلمي، وغيرها من الاهتمامات المشتركة التي تهدف إلى توطيد العلاقات الأمريكية-الهندية. 

تم وصف اللقاء بـ”المهم”، إذ إنه يهدف إلى تقوية العلاقات الاستراتيجية والقيم المشتركة التي تجمع البلدين.    

بعد ذلك بأقل من أسبوعين، توجهت عدسات الكاميرات لالتقاط صور فوتوغرافية لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي بدا منبهرًا بمعبد “سوامينارايان أكشاردام” في العاصمة الهندية “نيودلهي”، محاطًا برجال الدين الهندوس، في الزيارة الأولى له إلى الهند، حيث التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من أجل تكثيف التعاون بين البلدين، خصوصًا في المجال الأمني والدفاعي والتجاري والصحي والطاقة النظيفة.

احتفل الزعيمان بمتانة العلاقات بين الشعبين، واتفقا على أهمية التواصل المنتظم بين السلطات لإنشاء آليات لتعزيز التعاون في المجالات المحلية والإقليمية والدولية المتفق عليها خلال اللقاء.       

لم يكن كل هذا الاحتفاء باللقاءات مع قادة الغرب منسجمًا مع الانتقادات التي رددوها مؤخرًا بسبب علاقة الهند المقربة مع روسيا، والتي وصفها الغرب بمصطلحات مثل “خيبة الأمل” و”عدم الاتزان إلى حد ما”، لكنه لم يتخذ موقفًا معاديًا، ولم يحاول تطبيق عقوبات اقتصادية.

لم تكتفِ الهند برفض إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، والامتناع عن التصويت على جميع القرارات التي تخص المسألة، وعدم مشاركة المجتمع الدولي في تطبيق العقوبات الاقتصادية، بل لوحظ أيضًا إقبال الهند الشديد على شراء النفط الروسي بسعر منخفض، في تحدٍّ صارخ للعقوبات التي تهدف إلى شل الاقتصاد الروسي، في محاولة لمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الاستمرار في سعيه إلى السيطرة على دولة مستقلة مجاورة، ما يمكن تفسيره على أنه التفاف حول العقوبات.

السؤال هنا: لماذا لم يتخذ الغرب موقفًا دبلوماسيًّا معاديًا تجاه ما تفعله الهند ضد مصلحته المباشرة في كسر شوكة “بوتين” الاقتصادية؟

يمكن الإجابة عن هذا السؤال في إطار احتياج الغرب إلى الهند على جبهة أخرى من معاركه على الساحة الدولية، إذ اتخذ الغرب من الهند شريكًا استراتيجيًّا في مواجهة الصين التي تمثل تهديدًا محتملًا للنظام العالمي الحالي أكبر من روسيا، وبالتالي أدرك الغرب أنه لا بد من التعامل مع الهند باعتبارها “شريكًا يحتاج إلى الاستمالة”.   

استمالة الهند

بالتوازي مع نمو نفوذها الاقتصادي، وزيادة خطورتها الإقليمية على الدول المجاورة من خلال اعتداءاتها المستمرة برًّا وبحرًا وجوًّا، واستمرارها في تطوير ترسانة أسلحتها النووية والطائرات المقاتلة الشبحية، تحولت الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ إلى أكبر قوة عسكرية في العالم.

في ظل نموها الجيوسياسي العالمي تحاول الصين إعادة تشكيل المنطقة والنظام العالمي، ما يزيد من تخوفات الولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت من الهند حليفًا لها مع اليابان وأستراليا، في تحالف أمني نشط أُطلق عليه “الحوار الأمني الرباعي” لمواجهة أي خطر محتمل في المستقبل.  

وللهند كذلك مخاوفها الخاصة التي تجعلها مستمرة في هذا التحالف، إذ تجري مناوشات بين القوات الصينية والقوات الهندية في مواقع متعددة على طول الحدود بين البلدين أودت بحياة العشرات من الجانبين منذ شهر مايو عام 2020، ولم تتوقف حتى اللحظة. 

هكذا التقت المصالح المشتركة للولايات المتحدة والهند في مواجهة الصين، فاتفق البلدان على تجديد فترة العمليات العسكرية المشتركة، على الرغم من اعتماد الهند بشكل كبير على الأسلحة الروسية في تسليح جيشها، إذ تحصل الهند على 50% من معداتها العسكرية من روسيا. 

اكتفى الغرب بمجرد التلميح بعدم “اتزان” موقف الهند، ولم تتطور حدة الانتقادات، ما يفسر رغبته في الحفاظ على قدر من التفاهم بشأن الملف الصيني، وفي الوقت نفسه يوضح تناقض الغرب الذي ينتقد الصين بشكل لاذع تجاه صمتها عن الحرب التي أعلنها “بوتين” ضد أوكرانيا. 

حتى إذا تشابه موقف الهند والصين في الصمت تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الهند لم تنتقد حلف شمال الأطلسي (الناتو) كما تفعل الصين، إذ تكرر على الملأ تورط الحلف في إشعال الأزمة، بسبب طمع الغرب في التوسع جيوسياسيًّا ناحية الشرق، ولم تكرس إعلامها للترويج للأخبار الكاذبة التي ينشرها الإعلام الروسي مثلما تفعل السلطات الصينية التي تجيّش وسائل إعلامها في الدفاع عن مشروعية غزو أوكرانيا، وتشجب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا.

وبعد لقاءات قادة الغرب خلال شهر إبريل مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، تزحزح موقف الهند إلى حد كبير، إذ أدان سفير الهند لدى الأمم المتحدة “قتل المدنيين” في مدينة “بوتشا” الأوكرانية، داعيًا إلى تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأوكراني، وطلب فتح تحقيق للمرة الأولى منذ بداية الحرب، لكنه لم يتهم طرفًا بعينه. وبنفس الغموض، لم توجه الصين اللوم إلى طرف محدد، لكنها أكدت أن أعداد الوفيات في أوكرانيا “مقلق للغاية”، وحثت “جميع الأطراف” على “تجنب الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة”.  

تبدو العلاقات الصينية-الروسية مفهومة في الوقت الحالي في إطار رحلتهما في مغامرة تغيير النظام العالمي الذي يسيطر عليه الغرب، لكن السؤال هنا: لماذا يتسم موقف الهند باللين تجاه ما تفعله روسيا، على الرغم من تحالفها مع الغرب لمواجهة الصين؟

علاقات معقدة

في أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لم تنحز الهند رسميًّا إلى أي من الطرفين، ولكن مع تقديم الولايات المتحدة المساعدات العسكرية والمالية إلى جارتها باكستان لمساعدتها في مواجهة العدو السوفييتي، بدأت الهند في السبعينيات من القرن الماضي في بناء علاقة صداقة مع “موسكو”.

فمنذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، خاضت الهند وباكستان ثلاثة حروب حول إقليم “كشمير” المتنازع عليه، وكانت الهند تعتمد على الاتحاد السوفييتي في استخدام حق النقض لحمايتها ضد أي قرار معادٍ يخص الإقليم، إذ تم استخدام حق النقض 6 مرات لمصلحة الهند. وبالتالي، أصبحت الهند تدور في فلك “موسكو” لمواجهة خصمها باكستان التي تتلقى دعمًا من الولايات المتحدة.

بعد انتهاء الحرب الباردة لم تضطر الهند إلى الاعتماد على روسيا، لكن التوتر لا يزال مستمرًّا في إقليم “كشمير”، وبالتالي يمكنها الاستعانة بروسيا في أي مناقشة مستقبلية لأي مسألة تخص الإقليم أمام الأمم المتحدة. وتأمل الهند في دعم روسيا في نزاعها الحدودي مع الصين التي تشترك معها في حدود تزيد على 3500 كيلومتر، ولا تزال محل صراع تتجدد فيه التوترات والمواجهات بين الطرفين، خصوصًا منذ عام 2020.

تعتمد الهند بشكل حاد على استيراد الأسلحة من روسيا، إذ إن ما يقرب من 70% من ترسانتها التقليدية من أصل سوفييتي، وبالتالي لا يمكنها الاستغناء عن روسيا في ما يتعلق باستيراد الأسلحة. وتتعاون روسيا والهند في تصنيع الأسلحة منذ ما يقارب عقدين من الزمن، وبخاصة في إنتاج الصواريخ متعددة الاستخدامات مثل سلسلة صواريخ “براهموس” الأسرع في العالم، والتي يمكن إطلاقها من السفن أو من الطائرات أو من سطح الأرض.

تتلقى الهند حاليًّا طلبات لاستيراد هذه السلسلة من الصواريخ، ما يعد فرصة اقتصادية لا يمكن تفويتها. وكانت روسيا سخية مع الهند، فلقد رحبت بمشاركة تكنولوجيا أسلحتها معها مثل غواصة “أكولا” حاملة الرؤوس النووية، بالعكس من الغرب الذي يمتنع غالبًا من مشاركة تكنولوجيا أسلحته حتى مع بعض الحلفاء. 

إضافةً إلى أن روسيا تزود الهند بأسلحة عالية التقنية وبأسعار أقل بكثير من مثيلاتها التي تنتجها الدول الغربية. لذا، فقد أضحى من الصعب فك الشراكة بين روسيا والهند في مجال تصنيع الأسلحة. 

ولا تنحصر الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والهند في مجال تصنيع الأسلحة، بل تمتد إلى إنتاج الطاقة. فمنذ أن سمحت الإدارة الأمريكية، بقيادة جورج بوش الابن، للهند باختبار الأسلحة النووية خارج إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بدأت الهند بتطوير برنامجًا نوويًّا مدنيًّا، وسارعت روسيا إلى الاستثمار في قطاع الطاقة النووية والاتفاق مع السلطات الهندية لبناء 6 مفاعلات نووية، عكس الدول الغربية التي تراجعت بسبب قانون الطاقة النووية المدنية في الهند، والذي ينص على تحمُّل الشركة المُصنِّعة للمحطات النووية المسؤولية كاملة في حالة وقوع حادث.

ربما تثبت روسيا للهند أنها أَولى بالولاء من الغرب، وذلك من خلال مبادراتها الدائمة بدعمها على جبهات عدة على الساحة العالمية، لكن الهند تحتفظ بصداقة الغرب، ربما لأنها شبه متأكدة من أن التحالف مع الصين هو خطوة روسيا القادمة، وبالتالي ستقع فريسة في أيدي الصينيين بكل سهولة، إن لم تحتمِ بالغرب.            
يدرك الغرب جيدًا الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها روسيا للهند، وتستوعب الهند أن الغرب يحتاج إلى دعمها في مواجهة محتملة قريبة ضد الصين، وتستمع روسيا بهذا التوازن المؤقت بين الهند والغرب، مستفيدةً من هذه الفرصة في محاولة لتوطيد مكانتها على الساحة العالمية، في انتظار اللحظة الحاسمة التي تتردد الصين في اتخاذها لتغيير النظام العالمي، أو ربما يُراد لنا أن نفهم ذلك.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter