أنت تقرأ الآن:

توترات قديمة.. هل تنتهي خلافات “بكين” و”هونغ كونغ”؟

توترات قديمة.. هل تنتهي خلافات “بكين” و”هونغ كونغ”؟

عندما عادت “هونغ كونغ” إلى الصين قبل نحو 25 عامًا، كان من المفترض أن تصبح العودة بمنزلة “إعادة توحيد كبيرة مع الوطن الأم”، لكن العلاقات بين آخر مستعمرات بريطانيا والبرّ الرئيس توترت منذ ذلك الحين.

في 25 يناير 1841 احتلت بريطانيا “هونغ كونغ” الصينية، واستخدمتها نقطة انطلاق عسكرية في نهاية “حرب الأفيون”. هُزمت الصين في أغسطس 1842 وتم إجبارها على التنازل عن “هونغ كونغ” في معاهدة “نانكينغ”، لتصبح شبه الجزيرة مستعمرة تابعة لتاج الإمبراطورية البريطانية.

ظلت “هونغ كونغ” منطقة إدارية خاصة ضمن جمهورية الصين الشعبية، لكنها تمتعت باستقلال ذاتي محدود، ومع مرور السنوات تمت عملية تسليم بريطانيا “هونغ كونغ” عام 1997، والتي وافقت الصين بمقتضاها على ضمان حريات معينة لـ”هونغ كونغ”، إضافةً إلى الاستقلال القضائي والتشريعي مدة خمسين عامًا في صفقة معروفة باسم “دولة واحدة ونظامان”.

فما أصل الخلاف الحالي بين “بكين” و”هونغ كونغ”؟

في الفترة التي سبقت عام 1997، أصبحت “هونغ كونغ” قوة مالية وثقافية عالمية في تناقض صارخ مع الصين الشيوعية، وحصلت كذلك على حقوق مثل حرية التجمّع والتعبير وبعض الانتخابات المحلية الديمقراطية.

بعد تسليم “هونغ كونغ” إلى السيطرة الصينية عام 1997، كان من المفترض أن تسنّ المستعمرة البريطانية السابقة قوانين تمنع الخيانة والانفصال والفتنة والتخريب وغيرها من الأعمال ضد الحكومة المركزية الصينية. هذا الشرط منصوص عليه في المادة 23 من دستور “هونغ كونغ” الفعلي، المعروف باسم القانون الأساسي.

وهكذا سادت حالة من الضبابية بشأن مستقبل “هونغ كونغ” بعد التسليم، وغادرت موجات من الناس المدينة بحثًا عن الاستقرار، لكن بقي كثيرون في ظل ترتيب “دولة واحدة ونظامان” وهو حجر الأساس لعلاقات الصين مع “هونغ كونغ”.

إلا أن الخطوة المثيرة للجدل التي اتخذتها “بكين” عام 2001 بشأن حقوق الهجرة، وتفشي مرض “سارس” في المدينة عام 2003 بفعل زائر من البر الرئيس، ومحاولة وضع قانون مناهض للانفصال، أثارت انعدام ثقة سكان “هونغ كونغ” في “بكين”.

وفي أوائل 2003، اقترحت الحكومة قانونًا للأمن القومي، ما أثار مخاوف من وضع تعريفات فضفاضة للأمن القومي في البر الرئيس بالنسبة إلى “هونغ كونغ” بما يهدد حرية التعبير والصحافة والتجمّع، حيث قال محامون إن القانون تجاوز ما هو مطلوب بموجب المادة 23، في حين أعرب آخرون عن قلقهم من السلطات الموسّعة الممنوحة للشرطة، والإجراءات الصارمة التي من شأنها أن تضع الأمن فوق الحريات المدنية.

في عام 2007 تعهدت “بكين” بأن يكون سكان “هونغ كونغ” البالغ عددهم 7 ملايين نسمة قادرين على الإدلاء بأصواتهم لانتخابات رئيسهم التنفيذي عام 2017، لكن في عام 2014 قالت “اللجنة الدائمة للهيئة التشريعية الصينية” (المؤتمر الشعبي الوطني)، والذي يتمتع بالسلطة النهائية على تفسير القانون الأساسي، إن أي مرشح سيحتاج أولاً إلى دعم الأغلبية من لجنة انتخابية مؤلفة من مندوبين مؤيدين لـ”بكين”، وأن المرشحين الذين تم فحصهم والذين “يحبون البلاد” فحسب، هم من لهم حق الترشح.

دفع ذلك إلى ظهور دعوات من أجل “حق الاقتراع العام الحقيقي”، ما أصبح معروفًا باسم “حركة المظلة”، وهي حركة تدعو إلى احتلال وسط “هونغ كونغ”، إضافةً إلى مناطق أخرى من المدينة، حيث استمر ذلك مدة 79 يومًا عام 2014.

وفي يونيو 2019، بينما كانت الحكومة الصينية تسعى إلى تمرير تشريع الأمن القومي، نزل نحو نصف مليون شخص إلى الشوارع في أكبر احتجاجات منذ تسليم السلطة، ودعوا إلى وقف القانون واستقالة الرئيس التنفيذي “تونغ تشي هوا”. في النهاية استقال وزير الأمن الذي سنّ التشريع، وبعد ذلك بعامين استقال “تونغ” في منتصف فترة ولايته الثانية بسبب مشكلات صحية.

عيّنت “بكين” مؤخرًا رئيس جهاز الأمن القومي بـ”هونغ كونغ” في منصب أرفع ممثل للصين بالمدينة، وذلك في إطار مساعيها إلى إحكام قبضتها منذ احتجاجات 2019 المطالبة بتعزيز الديمقراطية، والتي تولى على إثرها “تشينغ يان تشيونغ شينغ” رئاسة جهاز الأمن القومي في المدينة منذ إنشائه في 2020، وذلك حين فرضت “بكين” قانون الأمن القومي في المدينة ردًا على الاحتجاجات الضخمة.

ودعت الصين المملكة المتحدة إلى احترام السيادة الصينية، والتوقف عن التدخل في شؤون “هونغ كونغ”، حسبما ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “وانغ وان بين”، وذلك بعد إصدار حكومة المملكة المتحدة تقريرًا نصف سنوي يحتوي على انتقادات بشأن “هونغ كونغ”.

قال “وانغ” في مؤتمر صحفي: “إننا نشدد مرة أخرى على أن المملكة المتحدة تتجاهل حقيقة أن هونغ كونغ عادت إلى وطنها الأم. في حين تواصل المملكة المتحدة نشر تقارير نصف سنوية بشأنها، ما يمثّل تدخلًا صارخًا في شؤونها التي تعد شؤونًا صينية داخلية، وانتهاكًا شديدًا للقانون الدولي والأعراف الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية”.

وأضاف: “إن قانون الأمن العام الأخير في هونغ كونغ وفّر الحماية الفاعلة للأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي بالمنطقة، وأن المستثمرين الأجانب وجدوا بيئة آمنة ومستقرة للأعمال التجارية في هونغ كونغ”.

جدير بالذكر أن “هونغ كونغ” فازت مدة أربع سنوات متتالية بلقب “أفضل مدينة تجارية في العالم”، كذلك حصلت على “جائزة أفضل مدينة أعمال في آسيا” إلى جانب “سنغافورة” و”بانكوك”. ونظرًا إلى وجود عدد كبير من السيّاح، أصبحت “هونغ كونغ” مركزًا اقتصاديًّا ثريًّا للشركات في جميع أنحاء العالم، حيث يقيم في هذه المدينة 79 مليارديرًا شاركوا في زيادة صافي ثروة “هونغ كونغ” إلى 335.5 مليار دولار.

وعلى الرغم من ذلك، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة %1.3 على أساس سنوي، في الربع الثاني من عام 2022، حيث سقطت المدينة في حالة ركود بعد تقلّص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة %3.9 وسط استمرار تأثير الموجة الخامسة لفيروس كورونا.

وعزا المحللون الأداء الاقتصادي الضعيف إلى البيئة الخارجية المتدهورة والاضطرابات المستمرة لتدفقات الشحنات البرية عبر الحدود، والتي وجّهت ضربة خطيرة إلى صادرات المدينة.

فهل تُلزم المصالح الاقتصادية كلًّا من “بكين” و”هونغ كونغ” على تجاوز خلافاتهما السياسية؟

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter