اجتماع شعب الروما.. من هم “الغجر”؟ وأين يوجدون في العالم العربي؟ Nuqta Doc منذ سنة واحدة في منتصف ديسمبر الماضي، خرج آلاف المواطنين اليونانيين إلى الشوارع احتجاجًا على مقتل شاب حديث السن على يد الشرطة. كان الشابّ قد دخل محطة للبنزين وملأ سيارته، قبل أن ينطلق مسرعًا دون أن يدفع الفاتورة، والتي كانت قيمتها 20 يورو، تحركت دراجات الشرطة القريبة سريعًا وبدأت مطاردة الشاب الذي حاول تفاديها، أو حاول صدمها بحسب رواية الشرطة. أخرج أحد الضباط عندئذ سلاحه، وصوّب على السيارة وأطلق النار. قال الضابط إنه قصد إصابة العجلات، لكن الرصاصة استقرت في جمجمة الصبي. انتقل الصبي إلى المستشفى على الفور، لكنه مات بعد ثمانية أيام من الواقعة، فقامت الدنيا ولم تقعد في عدد من مدن اليونان. اتهم الناس الشرطة بقتل الصبي، خصوصًا لأنه ينتمي إلى أقلية عرقية هي شعب “الروما”. شعب الروما هو واحد من الشعوب التي عانت طويلًا من التمييز، ويُعرفون عادة باسم “الغجر” لكن كثيرين يجدون هذه التسمية مهينة أو غير لائقة. حاول هتلر والنازيون إبادتهم، وتعرضوا لاضطهاد ممنهج في دول كثيرة مثل المجر وكرواتيا ورومانيا، وغيرها من الدول الأوروبية. لا يعرف كثير من الناس أن شعب الروما يوجد كذلك في الدول العربية بأعداد ليست قليلة، فما تاريخ هذا الشعب إذن؟ وما قصة اضطهاده في أوروبا؟ وأين يوجد عربيًّا؟ تاريخ مختصر.. يعتقد المؤرخون أن شعب الروما خرج من موطنه الأصلي في شبه القارة الهندية بين القرنين السابع والعاشر الميلاديَّيْن، نتيجةَ حروب أو مجاعات دفعته إلى الهجرة، ومن هناك بدأ انتشاره في مختلف أنحاء العالم. استخدم الناس أسماء مختلفة للإشارة إلى هذا العرق، مثل “النوار” و”الزط” و”الدوميّين” و”الغجريين”، وغير ذلك من الأسماء، بحسب المكان الذي يستقرون فيه. يتحدث معظم هذا الشعب اللغة الرومنية، وهي مختلفة عن اللغة الرومانية، حيث تنتمي إلى عائلة اللغات الهندوأوروبية، وهي على صلة قرابة باللغات السنسكريتية والأرمنية والفارسية واليونانية والجورجية والسلافية. عدد الروما في العالم غير معروف بشكل دقيق بسبب طبيعة حياتهم البدوية وكثرة الترحال، والتي تجعلهم يغيبون عادةً عن الإحصاءات الرسمية، لكنها تحمل كذلك تأثيرًا أخطر. لا يغيب الروما عن الإحصاءات الرسمية فقط، لكنهم يغيبون كذلك عن مفهوم المواطنة نفسه، حيث إنه لفترات تاريخية طويلة اعتبرهم الأوروبيون زوائد بشرية ينبغي التخلص منها. في القرن الثالث عشر اعتبرهم البزنطيّون سحرة واستخدموهم عبيدًا، وجعلتهم الدولة العثمانية في أدنى مراتب المجتمع. طردهم الإمبراطور “فرديناند الأول” إمبراطور بوهيميا من مملكته، وأعلن حكام النمسا في القرن السادس عشر أن قتلهم مباح، قبل أن يتدخلوا مجددًا لمنع إغراق نساء الغجر وأطفالهم بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة. ومنعتهم إنجلترا بمرسوم ملكي من دخول البلاد، كذلك منعهم الملك “لويس الرابع عشر” من دخول فرنسا. في العصر الحديث، بلغ التمييز ضد الروما أشده في الحرب العالمية الثانية. كان المجتمع الغجري أقل تنظيمًا بكثير من مجتمعات الأقليات الأخرى، مثل المجتمع اليهودي مثلًا، ولهذا تعرّض للقتل بأعداد كبيرة دون أن يترك آثارًا واضحة في أي سجلات من أي نوع. كانت فِرق البوليس السريّ الألمانية تسافر من قرية إلى قرية لتنفيذ أحكام الإعدام بحق الأقليات غير المرغوب فيها، وفي هذه الأثناء يُقدَّر أن نحو نصف مليون منهم قد مات. وحتى اليوم يعيش الروما في عزلة اجتماعية نسبية في الاتحاد الأوروبي، فيُفرض عليهم دخول مدارس خاصة بهم، ولا يختلطون بغيرهم من الناس، حيث يرى كثير من الأوروبيين أن الروما مجموعة من اللصوص والنشالين، وترى المنظمات الحقوقية أن هذا يسهم في زيادة التمييز ضدهم والعنف الواقع عليهم. الروما في العالم العربي.. لكن شعب الروما لا يقتصر وجوده فقط على الدول الأوروبية، بل يوجد في كثير من الدول العربية كذلك، حيث يعيش حياة نصف مستقرة، يتخللها كثير من الترحال. يوجد الروما بأعداد كبيرة تُقدَّر بنحو خمسة ملايين إنسان، في مصر وإيران والعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وتركيا والسعودية والكويت والإمارات، ومعظم هؤلاء مستقرّون في بلدانهم رغم الترحال، ولا يتعرضون للتمييز الممنهج نفسه كما يحدث في أوروبا. في سوريا مثلًا يعيش الروما جنبًا إلى جنب مع غيرهم من الناس، ويعملون بمجموعة من المهن التقليدية مثل الحدادة وصناعة الأخشاب، أو الموسيقى والحرف اليدوية. مع التحولات الاقتصادية للنصف قرن الأخير، اتجه كثير من هؤلاء نحو الزراعة الموسمية أو غيرها من الأعمال غير المستقرة، لكن كثيرًا منهم مع ذلك يحمل أوراق هوية سورية ويُعد مواطنًا كغيره من المواطنين. في الأردن يعيش معظم الروما في الخيام متنقّلين في الصحراء، وهم يعانون من عدم الاندماج الاجتماعي بالنسبة إلى نظرائهم في سوريا، والأمر نفسه في مصر، حيث يوجدون بأعداد كبيرة لكن دون اعتراف رسمي. وفي دول الخليج يعيش الروما بأعداد أقل واستقلال أكبر. عانى الروما في أوروبا من التمييز والاضطهاد الذي وصل إلى القتل والتنكيل على أساس العرق قرونًا طويلة. ولا شك أنهم يعانون كذلك من التمييز والإهمال في بعض الدول العربية، لكن هذه الدول مع ذلك كانت أفضل استقبالًا لهم من دول أوروبا التي حاولت التخلص منهم نهائيًّا، منذ بوليس هتلر السريّ في الحرب العالمية الثانية، حتى رصاصة الشرطة اليونانية في ديسمبر الماضي، التي هيّجت الغضب مجددًا إزاء معاملة هذا الشعب. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.