سياسة سماء أوروبا.. لماذا قام حلف الناتو بأكبر تدريباته الجوية العسكرية على الإطلاق في ألمانيا؟ Nuqta Doc منذ سنة واحدة بين يومي 12 و23 من شهر يونيو الماضي، قام التحالف العسكري، حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بأكبر تدريبات الدفاع الجوي له على الإطلاق منذ تشكيله عام 1949 تحت اسم “المُدافع الجوي 23″، والتي استضافت أغلبيتها ألمانيا، كذلك أقيمت تدريبات كذلك في سماء جمهورية التشيك وإستونيا ولاتفيا. شاركت في هذه التدريبات 25 دولة وامتدت 11 يومًا، وضمت نحو 10 آلاف فرد من كل دول الناتو و250 طائرة منها 100 طائرة أرسلتها الولايات المتحدة وحدها، كذلك شاركت في التدريبات دول غير أعضاء مثل السويد التي ما زالت تسعى إلى عضوية الحلف، وحلفاء تاريخيين مثل اليابان. أغلقت ثلاث مناطق طيران أمام حركة الطيران المدني بشكل مؤقت، وأثرت المناورات العسكرية في تأخر بعض الرحلات الجوية المدنية. تركزت التدريبات على ثلاث مناطق فوق شمال ألمانيا وشرقها وجنوبها يوميًّا عدة ساعات، وسلكت المناورات العسكرية مسارات متطابقة إلى حد كبير مع ممرات طيران القوات الجوية المستخدمة بالفعل بشكل دائم، استعدادًا لحالات أزمات وسيناريوهات محتملة، مثل دعم القوات البرية من الجو، والتدريب على القتال الجوي ضد طائرات العدو، واعتراض الصواريخ متوسطة المدى بواسطة مقاتلات الناتو، والإجلاء السريع من المطار. هكذا تبدو الرسالة واضحة: نحن على استعداد الدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو، وأن الولايات المتحدة ما زالت حاضرةً داخل أوروبا، وأنها على استعداد كامل لتوفير التدريب على نطاق أوسع مما كان يتم إنجازه في السابق، مواكِبةَ التغير الاستراتيجي الذي يحدث على المشهد العالمي، وخصوصًا في أوروبا. حينما يتعلق الأمر بالحديث عن عدو في اللحظة الحالية، يتبادر سريعًا إلى ذهن الأوروبيين روسيا بشكل محدد، خصوصًا بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا الدائرة منذ فبراير عام 2022. وعلى الرغم من أنه ليس سرًّا أن كل هذه التحضيرات هي لحماية الدول الأعضاء من هجمات محتملة قد تبدأها روسيا، فإنه لم يذكر قائد سلاح الجو الألماني، الجنرال “إينجو جيرهارتز”، روسيا سوى مرة واحدة فقط في حديثه، حيث إنه من الواضح أن حلف الناتو لا يريد استفزاز “بوتين”، ولا يرغب في بدء هجوم، لذلك يُعلن كل مرة أنها تدريبات دفاعية بحتة، وأنها “لا تستهدف أي شخص”، مع العلم أن فكرة تدريبات “المُدافع الجوي” صُممت عام 2018 كردّ فعل على ضمّ “بوتين” شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى بلاده عام 2014. ومن ناحية أخرى، يبدو أن حلف الناتو قد قرر أن هذه التدريبات لن تكون الأخيرة مع الحفاظ على طبيعة مهامه الدفاعية، ويتحرك فقط عند “مفترق طرق”، لأن الحلف يعتبر الهجوم على عضو واحد هو هجوم على جميع الدول الأعضاء. ولكن قد تتحول ورقة الردع التي يلعبها الحلف هذه إلى ورقة ضغط يستخدمها الجيش الروسي ضد الجيش الأوكراني عن طريق القيام بمزيد من الهجمات، أو يمكن أن تتحول إلى ورقة تحدٍّ يطوّر بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قواته من خلال دراسة هذه المناورات، وخلق استراتيجية جديدة. يعتبر حلف الناتو هذه التدريبات تاريخية ونقطة تحول بالنسبة إلى ألمانيا، حيث تعد هذه التدريبات الأكبر في نشر قوات جوية داخل أوروبا في تاريخ الحلف، وتعكس روح الوحدة والتعاون بين كل الدول الأعضاء ضد أي تهديد محتمل، كذلك تهدف إلى تطوير قدرات كل الدول الأعضاء لتكون في ذات المستوى الاستراتيجي والتكتيكي، وخلق فرصة للتعارف بين الطيارين، وخاصة الجيل الأصغر منهم. لكن يبدو أن روح التعاون التي يرغب حلف الناتو في إظهارها لم تدم طويلًا، حيث ظهرت الخلافات بين الدول الأعضاء بعدها بأقل من شهر، فقد عقد زعماء الحلف يومي 11 و12 يوليو في مدينة فيلنيوس في ليتوانيا، قمة لمناقشة عدد من الموضوعات عكست هذه الانقسامات، منها طلب عضوية أوكرانيا وانضمام السويد وتعزيز مخزونات الذخيرة ومراجعة الخطط الدفاعية الأولى التي وضعت منذ عقود. تعد هذه القمة الرابعة لحلف الناتو منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث عُقدت أول قمة في 25 فبراير 2022، بعد يوم واحد فقط من الهجوم، تلاها اجتماعين في بروكسل ومدريد. ويعكس الإيقاع السريع لهذه الاجتماعات الذي يبدو على النقيض قبل الغزو الروسي لأوكرانيا حالة من إعادة التركيز على الحلف. ومن ناحية أخرى، إذا كان الغزو الروسي يبدو كأنه ساهم في مزيد من التقارب بين الدول الأعضاء، إلا أنهم منقسمون حول خطوات انضمام أوكرانيا إلى الحلف بعد انتهاء الحرب، حيث اقترحت دول أوروبا الشرقية تقديم خارطة طريق لكييف في أثناء القمة، لكن الولايات المتحدة وألمانيا لم توافقا على أي خطة قد يُفهم منها رغبة الحلف في الاشتباك في الحرب الدائرة. ولذلك أعلن الأمين العام لحلف الناتو، “ينس ستولتنبرغ” أن كييف لن تصبح عضوًا في أثناء الحرب، ولن تصدر لها دعوة رسمية لحضور المؤتمر. المشهد الحالي ينفي مقترحًا بريطانيًّا اتفقت عليه كثير من الدول سابقًا، وهي تحديد أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية على أوكرانيا تحقيقها بهدف السماح لها بتخطي ما يُعرف ببرنامج خطة عمل العضوية، ومن ثَم حصولها على العضوية في نهاية المطاف، لكن دون تحديد جدول زمني أو تقديم دعوة رسمية. لكن الدول الأعضاء عدلت عن هذا المُقترح، ومن المرجح أن تبحث عن “صيغة أقوى” للتأكيد على دعم انضمام كييف للحلف مثل: “المكان الصحيح لأوكرانيا هو حلف الناتو” أو “الأمن الأطلسي لن يكتمل بدون أوكرانيا”. يبدو أن حلف الناتو متخبط في كثير قراراته، حتى وإن استعرض قوته العسكرية ليلفت نظر الرئيس الروسي بوتين، أملًا في أن يُلقي بعض الخوف في قلبه من أجل إنهاء حرب ينتظر بعدها الحلف البتّ في خطواته المستقبلية. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.