سياسة مزرعة الملك.. عن الفظائع التي ارتكبتها بلجيكا في الكونغو Nuqta Doc منذ سنة واحدة في العام الماضي، وقف فيليب، ملك البلجيك، أمام أعضاء البرلمان في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتوجّه بخطاب اعتذاري، والذي قال فيه الملك إنه يشعر بالأسف والندم على “جراح الماضي”، وإنه يشجب “التمييز والعنصرية والأبوية” التي واجهتها الكونغو سابقًا على يد بلجيكا إبان الاستعمار. كان حديث الملك فيليب قاصرًا من وجهة نظر كثير من مواطني الكونغو، خصوصًا من المعارضين السياسيين، الذين عبّروا عن استيائهم من خطاب الملك، ورأوه قاصرًا حتى عن أن يكون اعتذارًا رسميًّا. بعضهم تساءل عن معنى الاعتذار ودلالته، في الوقت الذي أدى الاستعمار إلى تدمير بلادهم والقضاء على نصف سكانها تقريبًا، أي 10 ملايين شخص، ما بين 1885 و1908، وبعضهم نادى بأكثر من الاعتذار، فطالبوا بأن تدفع بلجيكا تعويضات مادية عن هذا الدمار. كان تاريخ وجود بلجيكا في الكونغو فعلًا شديد الدموية والكارثية، حيث بدأ هذا التاريخ بمجموعة من المفاوضات الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، من أجل تقسيم إفريقيا على القوى العظمى، وكان هذا طبعًا من دون أن تشارك إفريقيا برأيها في المفاوضات. من بين نتائج هذه النقاشات أن الملك ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا في ذلك الوقت، استطاع الحصول على اعتراف أوروبي بملكيته الشخصية للمساحة التي تشكل اليوم الكونغو الديمقراطية. أصبحت الكونغو مزرعة شخصية للملك، وأصبح جميع سكانها عبيدًا له، مع أنها تصل في الحجم إلى 80 ضعفًا لبلجيكا، ومن الطريف أن “ليوبولد” لم يرَ الكونغو رأي العين قطّ طوال حياته، فلم يحدث أن زارها في أي وقت، لكن مع ذلك انتفع انتفاعًا كبيرًا من موارد هذا البلد الغني، وسخر جهود أبنائه في استخراج المطاط والعاج والذهب والمجوهرات والقطن والكاكاو والقهوة والأخشاب والنحاس. من بين الجرائم الأكثر شهرة التي ارتكبتها بلجيكا في هذه الأيام، كان القطع المعتاد لأيادي المزارعين وعمال المناجم إذا فشلوا في تسليم النِّصَاب المطلوب منهم. طُلب من الجنود البلجيكيين أن يقدموا أيادي الضحايا إلى السلطات، بنفس عدد الرصاصات التي أطلقوها من مسدساتهم، من أجل تبرير إطلاقهم النار، وعندما بلغت هذه الأخبار أوروبا والولايات المتحدة، سببت صدمة كبيرة للشعوب الأوروبية. الجرائم الأكثر شهرة التي ارتكبتها بلجيكا في هذه الأيام، كان القطع المعتاد لأيادي المزارعين وعمال المناجم إذا فشلوا في تسليم النِّصَاب المطلوب منهم. كان هذا الوضع صادمًا حتى بمعايير هذه الفترة، فقوبل “ليوبولد الثاني” بقدر كبير من النقد والاستهجان، ما اضطره في النهاية إلى أن يبيع الكونغو إلى الحكومة البلجيكية في 1908، لكن الأمر لم يختلف بالنسبة إلى مواطني البلد، الذين استمروا في استخراج المواد الخام في ظروف شديدة القسوة، باعتبارهم عبيدًا للقصر من أجل تصديرها إلى أوروبا. في 1910، انضمت بلجيكا إلى الدول التي تجرّم العبودية، فأطلقت سراح العبيد الذين تحولوا عندئذ إلى عمال بأجور ضئيلة، في ظروف لم تختلف كثيرًا عن العبودية، واستمروا في العمل بالمزارع والمناجم بالصورة ذاتها كما كان الأمر من قبل. بطول هذه الفترة، استمر الكونغوليون في المقاومة، فانفجرت انتفاضة كبيرة استمرت من 1919 حتى 1923، وزادت الاضطرابات خصوصًا في أثناء الكساد الكبير، وفي زمن الحرب العالمية الثانية. في 1910، انضمت بلجيكا إلى الدول التي تجرّم العبودية، فأطلقت سراح العبيد الذين تحولوا عندئذ إلى عمال بأجور ضئيلة. وبحلول منتصف القرن العشرين، كانت جبهة شعبية قوية مضادة للاستعمار قد تكونت، في الوقت الذي كانت حركات التحرر الوطني فيه تتزايد في دول العالم الثالث، وتمكنت بلجيكا أخيرًا من الحصول على استقلالها في 1960، بقيادة رموز الحركة الوطنية الكونغولية مثل “باتريس لومومبا”. دخل “لومومبا” بعد ذلك مباشرةً في خلافات حادة مع القوى الغربية، وانتهى الأمر باغتياله على يد خصومه السياسيين في أواخر العام نفسه. وبعد سنين طويلة في 1999، اكتشفت لجنة لتقصي الحقائق أطلقها البرلمان البلجيكي أن الحكومة البلجيكية لعبت دورًا في اغتيال “لومومبا”. هكذا كان الدور الذي لعبته بلجيكا في تاريخ الكونغو كارثيًّا بكل المعايير والمعاني، فلنحو 80 عامًا من تاريخ هذا البلد تعرض للنهب الممنهج، وعاش أبناؤه الاضطهاد والاستعباد وأصبحوا فريسة سهلة للأمراض والأوبئة، ثم تقدمت بلجيكا باعتذار فقط في 2022. يطالب المعارضون الكونغوليون مع ذلك بتعويضات فعلية عن هذا التاريخ الدموي، لكن هذه التعويضات وحجمها وطريقة تقديمها، كلها تظل أسئلة بلا إجابة واضحة. هكذا كان الدور الذي لعبته بلجيكا في تاريخ الكونغو كارثيًّا بكل المعايير والمعاني، فلنحو 80 عامًا . شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.