أنت تقرأ الآن:

انقلاب النيجر.. لماذا تهدد دول الإيكواس بتدخل عسكري؟

انقلاب النيجر.. لماذا تهدد دول الإيكواس بتدخل عسكري؟

في عام 2021، وبالتحديد في شهر إبريل، وقع حدث سياسي استثنائي في دولة النيجر، فقد أدى “محمد بازوم” اليمين الدستوري رئيسًا للبلاد، ليخلف الرئيس السابق “محمد إيسوفو”، الاستثناء أن تلك كانت المرة الأولى في تاريخ البلاد، التي يتسلم فيها رئيس مدني منتخب السلطة من رئيس مدني منتخب آخر، وبدا لوهلة أن البلاد تمكنت من تجاوز تاريخ حافل بالانقلابات العسكرية.

هذا التفاؤل وجد نهايته في 26 يوليو الماضي، عندما قاد الجنرال “عبدالرحمن تشياني”، قائد الحرس الرئاسي، قواته العسكرية للإطاحة بالرئيس “محمد بازوم”، ثم أعلن تشكيل نظام انتقالي وتعليق العمل بالدستور، لتنفجر موجة من التصريحات الإفريقية والدولية المنددة بالانقلاب، والمطالبة باستعادة الحكم الدستوري، المطالبات التي وصلت إلى حد تهديد مجموعة دول غرب إفريقيا بالتدخل العسكري، للإفراج عن الرئيس “محمد بازوم” واستعادة الحكم الدستوري.

محمد بازوم

حظى “بازوم” بعلاقات دولية قوية خاصة تجاه أوروبا والولايات المتحدة. وقد كان وقت انتخابه أول رئيس عربي للبلاد، والتي لا يمثّل العرب فيها إلا أقلية ضئيلة. ولد “بازوم” عام 1960، وتلقى تعليمه الأساسي في النيجر، وأكمل تعليمه الجامعي متخصصًا في الفلسفة والسياسة في السنغال قبل أن يعود إلى النيجر وينخرط في الحياة السياسية، ويتقلب فيها بين تولّي الوزارة عدة مرات والوجود في المعارضة، قبل أن يصل رفيق رحلته السياسية “محمدو إيسوفو” إلى رئاسة النيجر عام 2011، ويحتفظ بالرئاسة فترتين، قبل أن يترك الحكم عام 2021 ليخلفه “بازوم”. جدير بالذكر أنه في عام 2021، وقبل أن يتولى “بازوم” السلطة فعليًّا، حدثت محاولة انقلاب فاشلة لعرقلة تسليمه السلطة.

ومنذ حدوث الانقلاب في يوليو الماضي، أعربت عدة منظمات دولية خشيتها على الوضع الصحي والحياتي لـ”بازوم” في مكان احتجازه، وحاولت الضغط على سلطات الانقلاب للإفراج عنه دون جدوى، قبل أن تسمح السلطات أخيرًا لطبيبه بزيارته في مقر احتجازه، وقد صرح الطبيب أن معنوياته مرتفعة رغم الظروف الصعبة التي يوجد بها هو وزوجته وابنه.

فرنسا والولايات المتحدة 

قادت فرنسا والولايات المتحدة المطالبات الدولية الداعية إلى استعادة الحكم الدستوري. وقد سبق لفرنسا أن احتلت النيجر لما يقارب ستين عامًا منذ عام 1900 حتى عام 1960، حين استعادت النيجر استقلالها. وقد استمر الحضور الفرنسي في النيجر، حتى بعد الاستقلال في أشكال شتى، ربما من أهمها استفادتها من ثروات النيجر، وخصوصًا اليورانيوم، فهذا العنصر ضروري لفرنسا التي تعتمد بنسبة %70 في إنتاج الكهرباء على الطاقة النووية، وتأتي نحو %20 من اليورانيوم المطلوب لتشغيل محطاتها النووية لإنتاج الكهرباء من النيجر، حيث تحظى شركة “أورانو” الفرنسية بحقوق استخراج اليورانيوم.

إضافةً إلى كل ذلك، تمتلك فرنسا مثل الولايات المتحدة قواهد عسكرية هناك، وتقول الدولتان إن هذه القواعد تتمثّل مهمتها الأساسية في مساعدة دول المنطقة في محاربة صعود جماعات الإرهاب.

إثر الانقلاب أعلنت فرنسا والاتحاد الأوربي تعليق مئات ملايين الدولارات من المساعدات، كذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية.

بالنسبة إلى فرنسا، يمثّل الانقلاب علامة جديدة على خسارتها لنفوذها التاريخي في المنطقة، بعدما اضطرت في العام الماضي إلى سحب قواتها العسكرية من مالي.

مجموعة الإيكواس

بعيدًا عن فرنسا والولايات المتحدة، كان المعارض الأساسي لانقلاب النيجر، هي دول منظمة الإيكواس، وهي منظمة اقتصادية لمجموعة دول غرب إفريقيا، المكونة من 15 دولة. تخشى دول الإيكواس أنها لو صمتت تجاه الانقلاب، سيكون ذلك بمنزلة ترسيخ للانقلابات العسكرية كوسائل أساسية لنقل السلطة في المنطقة. فبعد تراجع حدة الانقلابات العسكرية في المنطقة وفي إفريقيا ككل، زادت في السنوات الأخيرة وتيرة الانقلابات العسكرية. ففي السنوات الأخيرة، وفيما يخص المجموعة فقط، حدثت انقلابات عسكرية أطاحت بالأنظمة الحاكمة في كل من مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والسودان. وتريد دول المجموعة القضاء على عدوى الانقلابات العسكرية في مهدها.

وقد هددت مجموعة الإيكواس بالتدخل العسكري في النيجر لتحرير الرئيس السابق وإعادته إلى الحكم. التهديد الذي أقلق كلًّا من مالي وبوركينا فاسو، وصرحتا أنهما سيعتبران أي محاولة للتدخل العسكري في النيجر بمنزلة إعلان للحرب عليهما. 

لم تكن مالي وبوركينا فاسو، والتي أتت أنظمة الحكم فيها عن طريق انقلابات عسكرية، وحيدتين في رفضهما التدخل العسكري، فقد ساندتهما روسيا التي حذرت من أن أي تدخل عسكري من دول الإيكواس في النيجر، سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. الموقف الروسي يأتي في الوقت الذي صرح فيه وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” أن روسيا ومجموعة فاجنر تحاولان الاستفادة من الانقلاب، لزيادة نفوذهما في القارة.

بجوار التهديد بالتدخل العسكري، تجري مجموعة الإيكواس جهودًا دبلوماسية لمحاولة الوصول إلى حلول وسط مع السلطات العسكرية في النيجر، كان آخرها إعلانها نيتها إرسال وفود برلمانية للقاء القادة العسكرية في النيجر.

حتى الآن، لم تستبعد مجموعة الإيكواس الخيار العسكري بشكل تام، وإن بدت أنها أميل إلى الحلول الدبلوماسية، خاصة بعد اعتراض مالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي سيجعل التدخل العسكري إن حدث، سببًا في مزيد من الانقسام والتوتر داخل المنطقة التي تعاني غالبية دولها بالفعل من زيادة نفوذ الجماعات المتطرفة، وتراجع مستويات التنمية في بلدانها.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter