أنت تقرأ الآن:

حتى آخر نفس:لماذا تحول اعتماد روسيا إلى القوات الشيشانية بدلًا من مجموعة فاغنر؟

حتى آخر نفس:لماذا تحول اعتماد روسيا إلى القوات الشيشانية بدلًا من مجموعة فاغنر؟

بالرغم من وجود بعض المنغصات من حين إلى آخر بين مجموعة فاغنر التي كانت تقاتل بالوكالة عن الجيش الروسي في أوكرانيا من ناحية، ووزارة الدفاع الروسية من ناحية أخرى، بشأن عدم تقديم الدعم الكافي للمجموعة على الجبهة، بدت العلاقة بين الطرفين على ما يرام، وكأن الخلافات يُمكن تجاوزها، لكن في يوم 11 يونيو من العام الحالي، رفض رئيس مجموعة فاجنر، يفغيني بريغوجين، التوقيع على صفقة مع الجيش الروسي. في اليوم التالي، وقَّعت وزارة الدفاع الروسية عقدًا مع قوات أحمد، وهي قوات شيشانية خاصة مكونة من أربع كتائب عسكرية، إذ رحبت بالقتال نيابةً عن روسيا في أوكرانيا، بمباركة من الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، الحليف المقرب من الرئيس الروسي، والذي يقود بلاده منذ عام 2007. 

سنَّت روسيا قانونًا جديدًا يهدف إلى السيطرة على الجيوش الخاصة التي تقاتل بالوكالة عن موسكو في أوكرانيا، وينص هذا القانون على توقيع عقود مع جميع “الوحدات التطوعية”، وتقع تحت سيطرة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، وذلك بحلول الأول يوليو من العام الحالي. وبالموافقة على هذا العقد،  سيحصل المقاتلون المتطوعون على نفس المزايا التي يحصل عليها الجنود النظاميون. لم تكن قوات أحمد جديدة على جبهة القتال الأوكرانية، إذ دربت وأرسلت عشرات الآلاف من “المتطوعين” إلى هناك خلال خمسة عشر شهرًا، وكان لها دور قيادي بارز في بعض المعارك. 

وبينما كان رئيس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، يسخر من القيادات العسكرية في الجيش الروسي، لم يوجه الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، أي انتقادات لموسكو. وبالتالي، كانت القوات الشيشانية هي النموذج المثالي الذي “يجب أن تحذو وحدات المتطوعين الأخرى حذوها”، حسب نائب رئيس الأركان العامة الروسية العقيد الجنرال ألكسي كيم.  

الرئيس الشيشاني يرى أن الحرب الروسية-الأوكرانية وقت مناسب لكسب ود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذي النفوذ الواسع في الشيشان. وفي الوقت نفسه يتخذها فرصة للتخلص من المغضوب عليهم من المعارضين السياسيين للحكومة أو الجيش والمثليين ومتعاطي المخدرات ومدمني الكحول عن طريق التهديد بإرسالهم، أو إرسال أقاربهم إلى الخطوط الأمامية، أو حتى إرسالهم بالفعل للقتال في أوكرانيا.

يُشاع أن قوات الأمن الشيشانية تحتفظ بقاعدة بيانات لهؤلاء الأشخاص، وذكرت عدة تقارير أن بعض الأفراد المحتجزين بشكل غير قانوني داخل سجون سرية سيئة السمعة قد جُندوا بالفعل، إذ إن حوالي 45 من أصل 70 شخصًا كانوا محتجزين بشكل غير قانوني في أحد هذه السجون أرسلوا للقتال في أوكرانيا خلال حملة التعبئة “الجزئية” التي أطلقتها روسيا في خريف عام 2022، وداهمت الشرطة الشيشانية الأماكن التي يمكن العثور فيها على مجندين محتملين، بما في ذلك المقاهي وصالات الألعاب الرياضية. في المقابل كان قديروف سخيًّا مع هؤلاء المجندين، فراتبهم الشهرى أعلى بكثير من رواتب الجنود الروس المتعاقدين، وأعلن أنه كان رحيمًا مع أهل منطقته، إذ أعفاهم من الاستدعاء العسكري عكس المناطق الأخرى على مستوى البلاد، بعد نشر ما يقرب من 20 ألف جندي، متخطيًا خطة التجنيد بنسبة %254.

من الواضح كذلك أن إرسال مجندين إلى الجبهة الأوكرانية لم تكن المهمة الوحيدة للقوات الشيشانية، إذ صرح حاكم مدينة بيلغورود الروسي، فياتشيسلاف جلادكوف، أنه من المقرر إجلاء أكثر من 1000 طفل روسي من المناطق الحدودية، بمساعدة مقاتلين من الشيشان، وسط هجمات مستمرة عبر الحدود من قِبل أوكرانيا، بعدما خذلته قوات مجموعة فاغنر بانسحابها منها. وتلقّى قديروف أوامر جديدة بالقتال لتحرير منطقة دونيتسك جنوب شرق أوكرانيا، والتي تشمل مدينة باخموت المتنازع عليها، وأصبح مسؤولًا عن الدفاع عنها، بعد أن كانت مهمته الأساسية حماية المناطق الواقعة خلف خط المواجهة، وكذلك المشاركة في المعارك التي دارت مدن ماريوبول وسيفيرودونيتسك وليسيشاناك في أوكرانيا.   

وبعد إعلان مجموعة فاغنر الروسية التمرد الكامل على وزارة الدفاع الروسية في أواخر شهر يونيو، بات من المؤكد أن بوتين سيعتمد على القوات الشيشانية التي ينشرها قديروف لتحل محل المجموعة. تقود كل المؤشرات إلى حتمية وثوق بوتين بهذه القوات. فإضافةً إلى ولاء الرئيس الشيشاني لروسيا، وترحيبه بكل سياسات بوتين، فقد أظهر العداء العلني رئيس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، بسبب انتقاداته المتزايدة لبوتين. لكن المفاجأة تكمن في عدم تنفيذ قوات أحمد لأية عملية قتالية مهمة في أي مكان داخل أوكرانيا، على الرغم من حاجة روسيا الماسة لاستعادة السيطرة على المعاقل التي كانت تسيطر عليها قوات مجموعة فاغنر. 

توكيل القوات الشيشانية بمهمات جديدة أوحى بأنها قادرة مواصلة التقدم على جبهات متعددة، ولكن من الناحية العملية، فإن أعداد هذه القوات لن تستطيع شن العديد من العمليات الهجومية المهمة بنجاح. ومن المؤكد أن القتال المكثف للقوات الشيشانية خلال العمليات الهجومية على الجبهة الأوكرانية منذ حوالي عام ساهمت في تحطيم قدراتها، ما يصعب استمرارية مساندتها للجيش الروسي في المستقبل، خصوصًا أن قديروف كان أرسل قواته أيضًا لدعم العمليات العسكرية الروسية في سوريا وجورجيا. وبالتالي، يُعتقد أن القوات الشيشانية ليست في وضع يسمح لها بتقديم أي مساهمة جوهرية في ساحات القتال في أوكرانيا. 
وعلى الرغم من أن الرئيس الشيشاني قديروف يصف نفسه بأنه “جندي مشاة” للرئيس الروسي بوتين، يتوقع بعض المحللين الغربيين أن يكون قديروف قد اتفق مع بريغوجين لمحاولة الاستفادة من نفوذ قواتهما لابتزاز وزارة الدفاع الروسية لتزويدهما بالموارد التي يعتقدان أنهما يستحقانها، مستغلين الفساد المستشري في هذه المؤسسة. مثل هذا التحليل ربما يحمل الكثير من المبالغة، لكن المؤكد هنا هو أن اعتماد بوتين على القوات الشيشانية لحل محل قوات مجموعة فاغنر فيه كثير من التفاؤل غير الواقعي.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter