أنت تقرأ الآن:

خمسون عاما على التقسيم: هل تتوحد جزيرة قبرص قريبا؟

خمسون عاما على التقسيم: هل تتوحد جزيرة قبرص قريبا؟

في ديسمبر الماضي، زار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أثينا، والتقى برئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، وحضر اجتماع مجلس التعاون الأعلى بين اليونان وتركيا. ومن المقرر أن يزور رئيس الوزراء اليوناني أنقرة في مايو القادم. مما يشير إلى الابتعاد عن العلاقات الفاترة التي كانت سائدة في السنوات السابقة، إذ لا يمكن تجاهل لحظة التقارب بين البلدين، الغريمين التاريخيين في حلف شمال الأطلسي الناتو.

رغم التقارب الحاصل، لا تزال قبرص من أهم القضايا الخلافية بين البلدين. وقال ميتسوتاكيس خلال البيانات المشتركة الودية للزعيمين إنهما اختلفا حول قضية قبرص، فبالنسبة لليونانيين لا يوجد حل آخر غير قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فيما بدا أردوغان أكثر ميلا لتثبيت الوضع الراهن. وقال إن التوصل إلى حل عادل ودائم وقابل للتطبيق للمشكلة القبرصية “على أساس الحقائق في الجزيرة سيفيد المنطقة بأكملها”. 

في عام 1960، حصلت قبرص على استقلالها من الحكم البريطاني، وظهرت كجمهورية وحاولت إيجاد توازن دقيق لتقاسم السلطة بين الطائفتين التركية واليونانية. ومع ذلك، فإن التوازن لم يدم طويلا. وتتواجد الأمم المتحدة في الجزيرة منذ عام 1963، وهو العام الذي وقعت فيه أولى الصراعات العرقية.  ففي 15 يوليو 1963، أطاح الحرس الوطني برئيس الجمهورية، المطران مكاريوس، بانقلاب مدعوم من أثينا، وعين مكانه نيكوس سامبسون. وفي 20 يوليو من العام نفسه، هبطت القوات التركية في كيرينيا في شمال البلاد – رسميًا لحماية الأقلية القبرصية التركية. وبعد عشرة أيام أنشأت تركيا واليونان والمملكة المتحدة منطقة أمنية تسيطر عليها الأمم المتحدة، واعترفت بوجود إدارتين مستقلتين. وفي يوليو 1974، تم فصل قبرص إلى قسمين بواسطة “الخط الأخضر” الذي تسيطر عليه الأمم المتحدة. 

في 13 فبراير 1975، أعلن رؤوف دنكطاش، الزعيم القبرصي التركي، قيام دولة قبرص المتمتعة بالحكم الذاتي والعلمانية والفدرالية، وانتُخب رئيسًا لها في العام التالي. في يناير 1977، اتفق دنكطاش والمطران مكاريوس على مبدأ الدولة الفيدرالية ذات المجتمعين، لكن وفاة المطران مكاريوس في 3 أغسطس من العام نفسه وضعت حدًا للمفاوضات. وتم إعلان جمهورية شمال قبرص التركية في عام 1983، وهي كيان لا تعترف به دولياً سوى تركيا. وفي المقابل لا تعترف أنقرة بجمهورية قبرص، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ومعترف بها دولياً باعتبارها السلطة السيادية الوحيدة على الجزيرة بأكملها.

وفي غياب تسوية سياسية، تعمل قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في قبرص (UNFICYP) منذ عام 1964 وهي مؤلفة من 1017 جندياً وتضم قوات وضباط شرطة، في الجزيرة للإشراف على خطوط وقف إطلاق النار والقيام بدوريات في المنطقة العازلة التي تقسم نيقوسيا، آخر عاصمة مقسمة في أوروبا. وقد خدم أكثر من 150 ألف جندي حفظ سلام من 43 دولة مع قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص، مما يجعلها واحدة من أطول عمليات الانتشار التابعة للأمم المتحدة. 

قبل سبعة أيام من انضمام الجزيرة إلى الاتحاد الأوروبي، في 24 أبريل 2004، تمت دعوة القبارصة اليونانيين والأتراك للتصويت على خطة السلام التي اقترحتها الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى إعادة توحيد البلاد بعد ثلاثين عامًا من الانقسام والمفاوضات غير المثمرة بين الطائفتين اليونانية والتركية في الجزيرة.

وعلى النقيض من القبارصة الأتراك، رفض القبارصة اليونانيون، خطة السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة إذ اعتبروه حالا يضفي الطابع الرسمي على التقسيم من خلال إعادة توحيد الجزيرة في اتحاد فيدرالي ثنائي الطائفة ضمن منطقتين. 

أكد الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، إن أي تحسن في العلاقات اليونانية التركية يمكن أن يساعد أيضًا في حل القضية القبرصية، وأعلن بعد اجتماعه مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، في برلين أن “جمهورية قبرص دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ومشكلة قبرص هي مشكلة أوروبية، وحلها يؤثر بشكل مباشر على الاتحاد الأوروبي”. مؤكدا إن الاتحاد الأوروبي لديه “الأدوات والحوافز التي يمكن أن تؤدي إلى حل متفق عليه بين الشعبين القبرصيين، وتركيا والاتحاد الأوروبي”.

من جهته، قال إرسين تتار، زعيم القبارصة الأتراك، ردا على سؤال عما إذا كان التقارب التركي اليوناني يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الجزيرة، إنه يأمل أن تقول اليونان للقبارصة اليونانيين “كفى، انتبهوا إلى حقيقة أن قبرص هي شعبان ودولتان”. وأضاف إن أفضل طريقة للمضي قدمًا بعد كل هذه السنوات هو تعاون الدولتين حتى تتمكنا من تحقيق الرخاء والتمتع بموارد شرق البحر الأبيض المتوسط. مؤكدا أنه إذا تم التوصل إلى حل، فمن المحتمل أن تكون قبرص “أكبر اقتصاديًا من دبي”. مشيرا إلى أن القبارصة الأتراك  يشعرون “بأنهم أوروبيون في قلوبهم، لكن لا يمكن فصلهم عن تركيا، فهي وطنهم الأم”، وأضاف أن الوجود العسكري التركي هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يشعر بها القبارصة الأتراك بالأمان. وأصر على أنه لا يثق إلا بتركيا، معتبرا إن الاتحاد الأوروبي يخطئ الهدف من إصرار الدبلوماسية الأوروبية على التركيز على توحيد قبرص. وأضاف أنه قد تمت مناقشة خطط التسوية الفيدرالية لمدة 50 عامًا، ولم يتم تحقيق أي شيء. الأمم المتحدة تعرف ذلك، والأوروبيون يعرفون ذلك، ويطرحون نفس الشيء كل ستة أشهر أنه يجب على القبارصة من الجانبين الجلوس إلى الطاولة لمناقشة التسوية القبرصية على أساس فيدرالي.

قبرص اليوم في لحظة محورية، في ظل الاكتشافات الهيدروكربونية الجديدة والتحالفات الجيوسياسية المتغيرة، وطريقها إلى الأمام يتأرجح بين إعادة التوحيد والانقسام الدائم، قد تمثل احتياطيات الطاقة غير المستغلة في الجزيرة فرصة للوحدة، مع احتمال أن يكون النمو الاقتصادي بمثابة حافز للتغلب على الانقسامات. ومع ذلك، فإن المناورات الجيوسياسية من قبل اللاعبين المختلفين، تضيف طبقات من التعقيد إلى الوضع.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter