أنت تقرأ الآن:

أزمات متلاحقة:كيف تتعامل نيجيريا مع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية؟

أزمات متلاحقة:كيف تتعامل نيجيريا مع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية؟

في مارس الماضي، رفع البنك المركزي النيجيري سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 200 نقطة، حيث يتطلع واحد من أكبر اقتصادات في أفريقيا إلى التعافي من أزمة العملة التاريخية وارتفاع التضخم. وقد أعلن البنك المركزي النيجيري أن سعر الفائدة الرئيسي سيرتفع إلى 24.75% من 22.75%، في ثاني ارتفاع له على التوالي بعد زيادة 400 نقطة في فبراير.

وقد انخفضت العملة بنحو 70% منذ مايو 2023 عندما تولى الرئيس، بولا تينوبو، منصبه، الذي ورث اقتصادًا متعثرًا، لتصل إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند حوالي 1600 نيرة مقابل الدولار في أواخر فبراير. وقد وعد تينوبو بمجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى الاستقرار.

من القرارات التي اتخذتها حكومة تينوبو كانت خفض دعم الوقود والتخلي عن ربط العملة القائم منذ فترة طويلة للسماح للنيرة النيجيرية بالتداول بحرية مما أدى إلى وصول الأزمة إلى ذروتها. وأثرت الإصلاحات بشدة على الأسعار في دولة تعتمد بشكل كبير على النقل البري لتوزيع السلع وتستورد معظم ما تستهلكه، مما يجعلها عرضة لتحركات أسعار الصرف.

وتخطط نيجيريا أيضا لزيادة أسعار الطاقة إلى ثلاثة أضعافها تقريبًا في غضون أسابيع، في محاولة لجذب استثمارات جديدة وخفض حوالي 2.3 مليار دولار تم إنفاقها للحد من التعريفات الجمركية. وسيُسمح لشركات الطاقة برفع الأسعار إلى 200 نيرة (0.15 دولار) لكل كيلووات/ساعة من 68 نيرة للمستهلكين في المناطق الحضرية هذا الشهر. ويمثل هؤلاء العملاء 15% من السكان الذين تقول الحكومة إنهم يستهلكون 40% من الكهرباء في البلاد.

وقد تعرضت نيجيريا لموجة من الاضطرابات العنيفة بسبب نقص الغذاء وقد تم الإبلاغ عن هجمات على مستودعات الحبوب في جميع أنحاء البلاد في الأسابيع الأخيرة، بعد أن وصلت تكلفة المعيشة إلى مستويات لم تشهدها منذ منتصف التسعينيات، وقفز معدل تضخم الغذاء إلى أكثر من 35 في المائة في بداية العام.

كما أعلنت السلطات النيجيرية عن حملة في الشهر الماضي ضد عمليات اكتناز مزعومة يقوم بها وسطاء في صناعة المواد الغذائية. وأمر تينوبو الأجهزة الأمنية بالتحقيق في مثل هذه الاتهامات، بينما قال مسؤولون في ولاية كانو الشمالية إنه تم الاستيلاء على 10 مستودعات، وأن أصحابها يواجهون المحاكمة بسبب مزاعم اكتناز المواد الغذائية. لكن المحللين حذروا من أن الاستراتيجية تخاطر بتشجيع الجمهور على رؤية المستودعات كأهداف مشروعة.

كما تزايدت عمليات الاختطاف، حيث تم اختطاف أكثر من 500 شخص خلال الأسابيع القليلة الماضية، من بينهم ما يقرب من 300 تلميذ، في ثلاث حوادث مختلفة في شمال نيجيريا. وقد طردت العصابات بعض المزارعين من حقولهم، بينما اضطر آخرون إلى دفع أموال للمجرمين مقابل الوصول إلى أراضيهم، وفقًا لتقرير صادر عن شركة الاستخبارات الاستشارية في لاغوس.

رفض الرئيس النيجيري رفضا قاطعا فكرة دفع أي فدية مقابل إطلاق سراح أكثر من 280 تلميذا اختطفوا في أوائل مارس من العام الحالي. وأوضح تينوبو أنه لن يتم إنفاق “سنتًا واحدًا” لتلبية مطالب الخاطفين، حيث أن دفع الفدية غير قانوني في نيجيريا منذ عام 2022. وكان الخاطفون قد طلبوا ما يعادل أكثر من 620 ألف دولار للإفراج عن الطلاب وموظفي المدرسة – بالإضافة إلى 11 سيارة بيك آب تويوتا هيلوكس و150 دراجة نارية.

بعد استيلاء ضباط الجيش على السلطة في سلسلة من الانقلابات بدأت في عام 2021، أعلنت بوركينا فاسو ومالي والنيجر انسحابهم من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، في حدث غير مسبوق يمكن أن تكون له عواقب دبلوماسية وأمنية واقتصادية بعيدة المدى، وقد أرسل موجات من الصدمة عبر غرب أفريقيا، وخاصة نيجيريا.

وتستثمر نيجيريا بكثافة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الإيكواس، التي كانت نيجيريا القوة الدافعة وراء تأسيس الكتلة عام  1975، إلى جانب توغو. وبما أنها تمثل نصف سكان غرب أفريقيا و67% من ناتجه المحلي الإجمالي، فقد ظلت نيجيريا منذ فترة طويلة القوة المهيمنة في الكتلة. وتوفر أكثر من 50 % من التمويل لمفوضية الإيكواس، أعلى هيئة إدارية وتنفيذية في الكتلة. وكانت أيضًا المساهم الرئيسي في عمليات حفظ السلام التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وتستضيف في أبوجا، عاصمتها الفيدرالية، ثلاث من المؤسسات الرئيسية للمنظمة، وهي مقر المفوضية، وبرلمان الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومحكمة العدل المجتمعية التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

ومن الممكن أن يؤدي خروج دول الساحل الثلاث من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى الإضرار بالتعاون الإقليمي في الحد من أنشطة الجهاديين وقطاع الطرق وعصابات الجريمة العابرة للحدود الوطنية، مما يؤدي إلى تفاقم حالة انعدام الأمن، وخاصة في شمال نيجيريا. وبشكل خاص، من خلال تعميق الصدع بين النيجر ونيجيريا، قد يؤدي الانسحاب إلى تقليص التعاون الأمني الثنائي والحد من عمليات قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات، التي كانت تساعد في مكافحة التمرد الجهادي في حوض بحيرة تشاد. وفيه حين لم تعلن النيجر نيتها في الانسحاب من القوة المتعددة الجنسيات حتى الآن، إلا أن هذا الاحتمال وارد، ما سيضع نيجيريا وقواتها المسلحة في ضغط متزايد.

كما أن تدهور العلاقات بين نيجيريا والنيجر يعرض للخطر مشروعين مهمين؛ خط السكة الحديد الذي يبلغ طوله 284 كيلومتراً والذي يربط بين ثاني أكبر مدن البلدين، كانو في نيجيريا ومارادي في النيجر؛ وخط أنابيب الغاز الطموح العابر للصحراء والذي يبلغ طوله 4100 كيلومتر والذي يمكنه توصيل ما يقرب إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي النيجيري إلى أوروبا كل عام، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى إحباطهما. 

تعكس الاضطرابات في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تراجع نفوذ نيجيريا في غرب أفريقيا. لقد ظل نفوذ نيجيريا يتراجع لأكثر من عقد من الزمان، حيث واجهت البلاد التحديات الأمنية والضائقة الاقتصادية التي ظهرت منذ عام 2007 ولكنها تفاقمت بشكل كبير منذ العام 2015. 

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter