أنت تقرأ الآن:

كيف يتحول الاتحاد الأوروبي من القوة الناعمة إلى القوة العسكرية؟

كيف يتحول الاتحاد الأوروبي من القوة الناعمة إلى القوة العسكرية؟

على خريطة العلاقات الدولية، تقاس قوة دولة كبرى ما أو كتلة ما حسب قدرتها على إقناع الدول الأخرى على فعل ما تريده. انقسمت تلك الدول بشكل أساسي على طريقة الإقناع، إما بالقوة العسكرية التي تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة واستراتيجيات التهديد، وإما بالقوة الناعمة التي تستعين بالدبلوماسية والحوار والتعاون التجاري والتبادل الثقافي. بزغ الاتحاد الأوروبي منذ نشأته كقوة دولية رائدة في استخدام القوة الناعمة في علاقاته الدولية لنشر الديمقراطية والحقوق الإنسانية الأساسية في الدول الأخرى.

ورغم امتلاك بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قوة عسكرية هائلة مثل الأسلحة النووية، فإن الاتحاد الأوروبي نفسه ككتلة خصص قواته العسكرية لمهمات حفظ السلام أو لأغراض تدريبية أو لإدارة الأزمات، مفضلًا تركيز ميزانيته على إرسال مساعدات لتنمية الدول الأخرى، وزيادة الاعتماد على الدبلوماسية والمفاوضات. 

ولم يكتف الاتحاد الأوروبي بالتأكيد على مبادئه كقوة ناعمة مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون والتعاون الاقتصادي، بل تعدّى ذلك إلى نشر تلك المبادئ في الدول المجاورة عن طريق مشروعات التعاون الاقتصادي إمعانًا في إقناعها بهذا النموذج. 

في عام 2012، فاز الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل احتفاء به لنشره السلام والحرية والعدالة خلال ستة عقود كاملة.

لكن في العقد الأخير، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوتين كبيرتين في اتجاه تعزيز قدراته الدفاعية، والتدخل في صراعات عسكرية عن طريق تدريب وإمداد حكومات لدول خارج الاتحاد الأوروبي بالسلاح. 

الخطوة الأولى كانت إنشاء صندوق الدفاع الأوروبي بقيمة 8 مليارات يورو بهدف تطوير وامتلاك أسلحة جديدة وتكنولوجيا عسكرية، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه. أما الخطوة الثانية، فكانت إنشاء مرفق السلام الأوروبي، وهو آلية تمكّن الاتحاد الأوروبي من توفير التدريب وتزويد القوات العسكرية غير الأوروبية بالأسلحة في جميع أنحاء العالم، وخصوصًا في صراعات الشرق الأوسط، ومنطقة الساحل الإفريقي التي تضم مالي، وموريتانيا، والنيجر، وبوركينا فاسو، وأوكرانيا، لدعم السلام والاستقرار. 

تدخل الخطوتان في إطار رغبة الاتحاد الأوروبي في امتلاك أنظمة أسلحة جديدة وتمويل مشروعات البحث والتطوير وخلق أسواق جديدة لبيع الأسلحة بهدف زيادة نفوذه الاقتصادي والدبلوماسي. 

وككتلة اقتصادية لا يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى استدعاء فكرة العمليات العسكرية إلا عندما تتعرض الدول الأعضاء إلى تهديدات، ومن ثم لم يكن التحول إلى القوة العسكرية سوى رد فعل على تهديدات وتحديات قد لا يتمكن من البتّ فيها بالقوة الناعمة مثل: تخلّي الإدارة الأمريكية السابقة عن حماية الاتحاد الأوروبي عسكريًّا، وضم روسيا إلى جزيرة القرم عام 2014، وقرار المملكة المتحدة بالانسحاب منه عام 2016.

نفّذ الاتحاد الأوروبي مشروعًا تجريبيًّا مخصصًا للأبحاث الدفاعية بقيمة 500 مليون يورو بين عامي 2017 و2020، تمهيدًا لتمويل مشروعات البحوث العسكرية بهدف تصنيع أسلحة عالية التقنية تشمل الذكاء الاصطناعي داخل الاتحاد نفسه لتوطيد استقلاله الإستراتيجي وقدرته على الدفاع عن نفسه دون الاحتياج إلى دول أخرى. 

اتّهم أعضاء في البرلمان الأوروبي وعدد من النشطاء الاتحاد الأوروبي بأنه تخلى عن مبادئه وانتهك معاهداته التأسيسية التي تحظر استخدام ميزانيته في عمليات عسكرية أو دفاعية، وأنه استسلم لجماعات ضغط صناعة الأسلحة لحصولها على مزيد من التمويل العام.

الاتهامات طالت استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمة دعم القرار، كأن يقترح التطبيق الخاص بالعمليات العسكرية المكان والزمان والكيفية التي يجب أن تستهدفها القوات أو الأسلحة العسكرية التي تعتمد على اللوغاريتمات التي تزيد من اعتماد العنصر البشري عليه. وعلى الرغم من أن المفوضية الأوروبية أعلنت عن خطتها في تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الاتحاد الأوروبي، فإن مسودة تلك الخطة لا تشمل الاستخدام العسكري.

وانتقد باحثون افتقار المشروعات البحثية الأمنية التي تمولها المبادرة “هورايزن أوروبا” بإشراف صندوق الدفاع الأوروبي إلى الرقابة، ما يخلق مشكلات أخلاقية  توازيًا مع تطور الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية.

وحذر عدد من منظمات حقوق الإنسان من أن تجهيز الاتحاد الحكومات غير الأوروبية بالأسلحة من خلال مرفق السلام الأوروبي قد يزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، ويسهم في مزيد من العنف وانتشار الأسلحة بدلًًا من حماية المدنيين والبحث عن حلول سياسية. فعلى سبيل المثال عندما درّبت بعثات الاتحاد الأوروبي الجيش والشرطة وقوات الحدود في مالي في إطار عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، كان زعيم الانقلاب العسكري عام 2020 الكولونيل “أسيمي غويتا” ضمن المتدربين، ومن ثم اعتبرت عمليات التدريب عائقًا في عملية التحول الديمقراطي. 

وعلى الرغم من تلك النتيجة لا ينوي الاتحاد الأوروبي تقليص عملياته العسكرية، فقد كثّف إرسال قوات حفظ السلام بشكل لافت في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. 

وجاءت طمأنة الاتحاد الأوروبي هشة. فقد وعد بوضع ضمانات كافية، لكن التفاصيل ستظل سرية. ولم يعر الاتحاد الأوروبي اهتمامًا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان للاجئين الليبيين، مستخدمًًا آلية مرفق السلام الأوروبي لتقديم الدعم إلى قوات خفر السواحل الليبية منذ عام 2017.

إذا كانت الشعوب الأوروبية تتساءل إلى أين تذهب أموالها، فإن الإجابة تتلخص في رغبة الاتحاد الأوروبي في تثبيت مكانته الجيوسياسية التي لا يريد أن تقلصها قوى إقليمية أخرى مثل روسيا والصين، فبإمكانه حاليًّا التدخل عسكريًّا في الصراعات الإقليمية، والدفاع عن مصالحه، وإيمانه بالقوة الناعمة أصبح بحاجة إلى قوة عسكرية لإرساء السلام.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter