أنت تقرأ الآن:

الإنفلونزا الدائمة.. كيف تعيد الشركات الكبرى إنتاج الأوبئة؟

الإنفلونزا الدائمة.. كيف تعيد الشركات الكبرى إنتاج الأوبئة؟

قبل 8 سنوات ، داخل قرية صغيرة تدعى ميلياندو شمال غينيا، تم تسجيل أول إصابة بفيروس “إيبولا” لطفل اسمه “إميل”. وفي بعثة إلى المنطقة خلال فبراير 2014، أكد العلماء أن الفيروس انتقل إلى محيط “إميل” عبر الخفافيش آكلة الفاكهة، والتي جذبتها مزارع “نخيل الزيت” المحيطة بالقرية.

فمع مستهل التسعينيات، وبرعاية بنك الاستثمار الأوروبي، شرعت حكومة غينيا في تحويل مساحات كبيرة من الغابات إلى مزارع لإنتاج زيت النخيل بهدف تصديره إلى الخارج.  

وقد أسهم ذلك في إزالة الحدود أكثر فأكثر بين سكان البلد والحيوانات البرية، ما نتج عنه انتقال فيروس “إيبولا” إلى البشر، وتفشِّيه الوبائي في غرب إفريقيا عام 2014.

سبق ذلك تفشي وباء إنفلونزا الطيور H5N1 في 2005، والذي ارتبط مباشرةً بمزارع الدواجن الكبيرة في غوانغدونغ الصينية وجنوبي شرق آسيا.  

شخص واحد لم يكن يدهشه تفشّي الأوبئة بهذه الوتيرة المتسارعة، هو المؤرخ وخبير العمران الأمريكي “مايك ديفيس” الذي نَشر في 2005 كتابًا بعنوان “الوحش على الأبواب: التهديد العالمي لإنفلونزا الطيور“، حذّر فيه من التفشي المتزايد للأوبئة خلال السنين القادمة، كأثر للتوسع في مزارع الدواجن الصناعية الضخمة، والاستئصال المستمر للغابات.  

لاحظ “ديفيس” تسارع وتيرة انتقال الأمراض من الحيوانات البرية إلى البشر بشكل غير مسبوق، وأرجع ذلك إلى 3 عوامل :

1.      إزالة الغابات بواسطة الشركات متعددة الجنسيات، بهدف الزراعة أو الرعي أو إنتاج الخشب. وقد تسبب ذلك في إزالة الحدود الفاصلة بين البشر والحيوانات البرية الناقلة للفيروسات.

2.  صعود مزارع الدواجن الكبيرة، حيث تتكدس أعداد ضخمة من الطيور والحيوانات في مساحات ضيقة، ما يعزز انتقال الفيروسات بين الحيوانات (كما سنشرح بالأسفل)، ومنها إلى العاملين في تلك المزارع، ثم إلى البيئة الحضرية.

3.      انخفاض الدخل وزيادة أسعار الغذاء، ما تسبب في لجوء عدد كبير من السكان (في إفريقيا وآسيا) إلى استهلاك لحوم الحيوانات البرية، أو ما يدعى  “Bushmeat”، (على سبيل المثال: انخفاض إمدادات الأسماك في غانا بسبب احتكار الشركات الغربية لعمليات الصيد، أدى إلى لجوء عدد من السكان إلى استهلاك تلك اللحوم).

 أشار ديفيس إلى أن المزارع الخاضعة لاحتكار الشركات الكبرى، تمثّل تربة خصبة لانتشار الفيروسات. فبسبب التكدس يتاح للفيروس فرصة مهاجمة عدد أكبر من الأجسام، والاستمرار في تطوير خريطته الجينية لتتكيف مع النظام المناعي لحامله، هذا التعديل هو الذي يُنتج ما يسمى “المتحورات”. 

“عندما تنتقل فيروسات الجهاز التنفسي إلى مثل هذه التجمعات (المَزارع) تتاح لها فرصة تكرار نفسها والتكيف وإعادة التنظيم في سلالات جديدة”.. يشرح غريغوري غراي، مدير مركز الأمراض المعدية بجامعة آيوا الأمريكية.   

وبحسب “روب والاس”، عالم الأوبئة التطوري ومؤلف كتاب “المزارع الكبيرة تنتج الأوبئة الكبيرة“، فإن اعتماد الشركات على حقن الدواجن بالمضادات الحيوية، بغرض تسريع نموها، يتسبب في إضعاف استجابات الجهاز المناعي ضد مسبّبات الأمراض أيًّا ما تكون لتصبح الحيوانات أضعف مناعةً، فلا تستطيع أن تهزم الفيروسات.

على سبيل المثال، بحسب “والاس”، تستهلك مزارع الولايات المتحدة وحدها 28 مليون رطل (ثمانيةً وعشرينَ مليونَ رطلٍ) من المضادات الحيوية سنويًّا.

ويوضّح “والاس” أن المشكلة مع الأوبئة أكبر من مواجهتها عبر اللقاحات لأننا في “صراع غير متكافئ مع الفيروسات” على حد تعبيره ، فهي القادرة على تطوير نفسها بسرعة تتجاوز حدود استجاباتنا وعبقريتنا الطبية والبيولوجية، إنها قادرة على تطوير مقاومتها لجميع الأمصال التي ابتكرناها والتي يمكن أن نبتكرها في المستقبل.

تصبح الأولوية هي إعادة تنظيم الإنتاج الزراعي والحيواني بصورة أخرى. ويقدم “والاس” بعض البدائل مثل التعاونيات الزراعية المحلية، وأنظمة المحاصيل والثروة الحيوانية المختلطة، والتي تتجنب العيوب الجوهرية للمزارع الاحتكارية، وسوق الوجبات السريعة المشروطة بها، والمرتبطة بنمط إنتاج رأسمالي يقدّم الأرباح على أي اعتبارات أخرى، وفي مقدمتها الصحة العامة.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter