أنت تقرأ الآن:

شباب في سن التسعين.. ما هو اضطراب القلق؟

شباب في سن التسعين.. ما هو اضطراب القلق؟

مارينا عماد

قمت في صباح يوم من الأيام لتؤدي عرضًا تقديميًّا مهمًّا لأستاذك الجامعي الذي حضرت له أكثر من مرة. خرجت تحارب أفكارًا سلبية في مخيلتك بنسيان كل ما أتممته بالأمس، وعند وصولك بدا عليك القلق مع القليل من التعرق، وزاد أكثر  بين كل تقديم وآخر حتى قررت التالي:

ها أنت أخيرًا أمام الجمهور والأستاذ ترتب ما ستقوله، وكل شيء يبدو طبيعيًّا حتى دقيقتين فقط من استماع الجمهور وتركيزه عليك، ليهزمك الخوف من التجمعات، ويتردد عقلك حول ما إذا كان هناك أحد ما يلاحظ قلقك اللاإرادي الذي تسبب في ارتجاف يديك وتلعثم لسانك، وكل ما تفكر فيه الآن: متى سأنتهي من هذا الكابوس؟

لماذا نقلق؟ 

القلق سمة أساسية في حياة الإنسان باعتباره الإحساس الوحيد الناتج عن توقع أي ضرر أو تهديد غير مؤكد، وذلك عكس الاعتقاد الشائع الذي يدمج تعريف القلق بالخوف، حيث ينتج الشعور بالخوف عن توقع تهديد مؤكد وصريح. والغريب أنه على الرغم من تضاد المحفزات الخاصة بهما تربطهما دوائر عصبية واحدة.

وحتى نفهم أكثر يجب أن نذكر أن الشعور بالقلق يرتبط بمنطقة تسمى “نواة السطر الطرفي” في المخ. أما الشعور بالخوف، فيرتبط باللوزة الدماغية داخل الفص الجبهي في الدماغ. ويؤكد العلماء تشابه طريقة تفاعل الأدمغة حينما تتعرض لها بما يترتب عليه عدم وجود مسارات معالجة عصبية منفصلة.

اضطرابات القلق من أكثر الاضطرابات شيوعًا في جميع أنحاء العالم، ويتراوح انتشارها بين 2.5% و7% حسب البلد، حيث تمكنت من إصابة 284 مليون شخص عام 2017، بما يعادل 105 ملايين ذكر و179 مليون أنثى، وغالبًا ما تؤثر في الشباب خلال فترة مراهقتهم، ليتفرع من هذه الاضطرابات أشكال متعددة أبرزها “القلق الاجتماعي”.

والحقيقة أنه لا وجود لأحد في هذا العالم لا يشعر بتلك الاضطرابات باعتبارها ردود فعل طبيعية ناتجة عن تفاعل الأدمغة وفقًا لظروف معينة. لكن هناك أشخاصًا في مرحلة معينة من حياتهم تكون أبسط عمليات التفاعل مع الناس أو تكوين علاقات أمرًا مثيرًا للرعب، وغالبًا ما يتجنبونها.

القلق الاجتماعي أحد أنواع اضطرابات القلق، ومن أكثر اضطرابات الصحة العقلية انتشارًا. والعملية ليست مجرد خجل ينتهي في مرحلة ما، بل يمتد ويكبر منذ الصغر كما أوضح أحد المقالات في مجلة “The Lancet”، حيث جاء فيه أن ظهور المرض يبدأ مبكرًا بعمر 11 عامًا في حوالي 50% من الأفراد، وبحلول 20 عامًا في حوالي 80% منهم، وهو عامل خطير للإصابة بمرض اكتئابي لاحق وتعاطي المخدرات.

ويرجع ذلك الاضطراب إلى أسباب غير مفهومة، ولكن يمكن حصرها تحت قوائم شبه محددة كالعوامل الاجتماعية والوراثية، أو قد تكون عوامل مؤشرة لمرض جسدي آخر كالسكري ومشكلات الغدة الدرقية والجهاز التنفسي والقولون العصبي المزمن.

ترتبط العوامل الاجتماعية غالبًا بالخبرات الحياتية التي قد تمر ببعض الصدمات. فالأشخاص الذين مروا بصدمات مختلفة أكثر عرضة للإصابة، وأيضًا لتراكم الضغط العصبي دور كبير في هذا. أما عن العوامل الوراثية، فترجع إلى وجود ماضٍ تشخيصي لفرد ما من العائلة، وتم نقله وتوريثه عن طريق الجينات أو الصفات الموروثة.

ومن أعراضه المشهورة التي لا يمكن إغفالها وجود مستويات عالية جدًّا من القلق والخوف، وتجنب المواقف الاجتماعية. ويرجع هذا الشعور إلى تفكيرهم الزائد في احتمالية تعرّضهم للإحراج وقلقهم من إصدار الآخرين حكمًا سلبيًّا عليهم.

وأيضًا إذا كنت تقلق بشأن مقابلة الغرباء وتجنب الاتصال بالعين أو بدء المحادثات أو التحدث على الهاتف، أو تناول الطعام مع أشخاص في العمل أو الدراسة، وتجد صعوبة في فعل الأشياء عندما يشاهدك الآخرون، وقد تشعر بأنك تخضع للمراقبة.

وقد يؤدي الخوف المرضي في غالبية الأحيان على المدى  البعيد إلى حدوث نوبات هلع، وهي نوبات متكررة من الشعور المفاجئ بالذعر والرهبة التي قد تصل إلى ذروتها بعد دقائق من تعرّض المريض لموقف اجتماعي ما، وتتجسد غالبًا في ضيق التنفس أو سرعة ضربات القلب أو آلام في الصدر أو الشعور بالغثيان أو التعرق أو الارتعاش.

الخطر المتوقع

يمكن أن يسيطر اضطراب القلق الاجتماعي على حياة الشخص غير المهتم بالعلاج، وربما ينتج عنه ما يلي:

  1. صعوبة التيقن من الأمور
  2. تراجع الثقة بالنفس
  3. الحديث السلبي مع النفس
  4. الحساسية الشديدة للنقد
  5. ضعف المهارات الاجتماعية
  6. ضعف الإنجازات الأكاديمية والوظيفية
  7. الانعزال وصعوبة تكوين العلاقات الاجتماعية
  8. الإدمان، كالإفراط في تناول الكحول
  9. الاكتئاب (غالبًا ما يأتي بالتزامن مع مرض الاكتئاب أو يتسبب فيه)
  10.  محاولة الانتحار

متى تطلب المساعدة؟

للاعتناء بالصحة النفسية والعقلية من الجيد أن تراجع طبيبًا مختصًّا، وبخاصة إذا كان له تأثير كبير في حياتك اليومية، أو تساورك أفكار أو سلوكيات انتحارية، وانتشاره على نطاق واسع جعل هناك كثيرًا من طرق العلاج التي تساعد في الشفاء، أبرزها فعالية “العلاج الجماعي السلوكي المعرفي”.

وقد يكون طلب المساعدة أمرًا صعبًا عليك، لكن الطبيب يدرك هذا، ويحاول مساعدتك، فلا تخف. وإذا شك هو الآخر في وجود علامات المرض يبدأ إجراء تقييم كامل والتحدث عن طرق العلاج، ولك حرية الاختيار في الطريقة، إلا في بعض الحالات الحرجة.

في النهاية يجب الاستعانة بنتائج دراسات التصوير العصبي الوظيفية التي أشارت إلى زيادة النشاط في اللوزة الدماغية لدى مرضى اضطراب القلق الاجتماعي، وهي تلعب دورا كبيرًا في التحكم في الاستجابة للخوف، ما يجعلهم عرضة للخوف أكثر من أي شخص آخر لاإراديًّا.

لذا يجب علينا تفهّم الأمر جيدًا قبل أن نحاورهم، وإذا لم تكن تعرف يمكنك الآن استنباطه لدى المحيطين بك. الأمر ليس معقدًا. فمرضى هذا الاضطراب لا يريدون سوى نطاق صحي غير مشروط بأحكام مسبقة، والقليل من الحب والطمأنينة، وتفهم حالات قلقهم الدائم والمفرط الذي ينخفض بالعلاج واحتواء نوبات الهلع التي تصيبهم بشكل لاإرادي.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter