المدونة قانون الجذب الفكري..هل حقًا يمكننا تغيير حياتنا بمجرد التفكير؟ Nuqta Doc منذ 4 سنوات تحكي قصة عن رجل نام تحت شجرة، وعندما استيقظ فكر في أنه جوعان، فرأى أمامه كل الطعام الذي يحلم به، ثم فكر بعد الأكل في أنه بحاجة إلى الشراب، فوجد ما فكر فيه، وعندما شبع وارتوى انتبه لغرابة ما حدث، وقال لنفسه إن هذا المكان لا بد من أنه مسكون بالأشباح، حينها حاصرته الأشباح. فكر في أنها ستعذبه، فعذبته بالفعل، وأخيرًا، فكر في أنه سيموت جراء هذا الهجوم، فمات… هذا مثال رمزي لما يسمى “قانون الجذب الفكري”. قانون الجذب الفكري بالنسبة إلى من يعتقدون بوجود “قانون الجذب الفكري”، فهم يؤمنون بأن الأفكار السعيدة تجلب الأشياء السعيدة، بينما الأفكار السيئة تجلب الأشياء السيئة، وتفسيرهم “العلمي” أن للأفكار قوة مغناطيسية وترددًا، ولذا عندما نفكر، فإننا نرسل أفكارنا إلى العالم، والعالم يستجيب لهذه الأفكار، فتنجذب إلينا الأشياء التي على نفس التردد. فلسفيًّا تنتمى فكرة “قانون الجذب الفكري” إلى حركة “الفكرة الجديدة” الروحية، وهي حركة نشأت في الولايات المتحدة القرن التاسع عشر، ويعد “فيناس باركهورست كويمبي” مؤسسها الأبرز. كويمبي كان يؤمن بأن الأمراض عبارة عن أفكار وانطباعات خاطئة يمكن علاجها بتصحيح هذه الأفكار والانطباعات. وبشكل عام تتلخص فلسفة هذه الحركة في أننا جزء من روح كونية كبرى، وبما أن هذه الروح تمتلك القدرة على الخلق، فبصفتنا جزءًا منها، إذن نمتلك قدرة تحويل أفكارنا إلى أشياء واقعية. هذه الفلسفة تكمن خلف العديد من كتب التنمية البشرية الشهيرة، منها مثلًا كتاب “فكِّر تصبح غنيًّا”، وكتاب “قوة عقلك الباطن” الذي يقول إن المرء يستطيع أن يحقق في حياته مزيدًا من السلطة والثروة والصحة من خلال الوصول إلى قوة عقله الباطن، وأن كل فكر هو في حد ذاته سبب، وكل ظرف أثر ونتيجة لهذا الفكر. اكتسب مصطلح “قانون الجذب الفكري” انتشاره الأوسع بعد كتاب “روندا بايرن” الشهير “السر”، والذي تم نشره عام 2006، وذلك بعد نشرها فيلمًا بنفس الاسم والمضمون. الكتاب تم ترجمته لأكثر من 50 لغة، منها العربية، وباع أكثر من 30 مليون نسخة، والسر طبعًا هو “قانون الجذب الفكري”، والذي يقول عنه الكتاب إنه “القانون الذي يحدد النظام الكامل في الكون، ويحدد كل لحظة في حياتك، كل شيء تشعر به في حياتك.. أنت من تمتلك دفع قانون الجذب للعمل، وذلك يتم من خلال أفكارك”، و”إذا استطعت أن تفكر بشأن ما تريده في عقلك، وتجعل منه فكرتك المهيمنة، فسوف تحققه كواقع في حياتك”. ولأن قانون الجذب -حسب الكتاب- لا يفرق بين أفكار الخير وأفكار الشر، فأيًّا كانت الفكرة التي تشغل المرء، فسوف يجذب إليه الأشياء الشبيهة. فلو كان خائفًا من المرض مثًلا سيجذب إليه المرض، وإذا انشغل بسيارة جديدة أو منزل واسع أو تحقق ثراء سريع، فستأتي تلك الأشياء إليه، لأن “السبب الوحيد الذي يحول بين أي شخص وامتلاكه ما يكفي من المال أن أفكاره تمنعه من الوصول إليه. كل أفكاره ومشاعره السلبية تمنع الخير من الوصول إليه، بما في ذلك المال، لأن كل المال الذي تطلبه يوجد الآن في الغيب. إذا لم يكن لديك ما يكفي، فذلك لأنك تمنع تدفق المال إليك، وتقوم بذلك بأفكارك. لا بد من أن تضبط توازن أفكارك من نقص المال إلى امتلاك ما هو أكثر مما يكفي من المال. اجعل كل أفكارك تدور حول الوفرة وليس الفقر، وهكذا تعدل كفة الميزان”. كيف يطبق قانون الجذب الفكري؟ بالنسبة إلى مروِّجي “قانون الجذب الفكري”، فهو “قانون” بالفعل، مثله في ذلك مثل قانون الجاذبية، يعمل دائمًا، سواء كنت مؤمنًا به أو لا. وأولئك الذين “جذبوا الثروة إلى حياتهم استخدموه، سواء بقصد منهم أو دون قصد. فهم يفكرون في الثراء أو الرخاء، ولا يسمحون لأي أفكار مناقضة أن توجد في عقولهم”. وبما أن الأفكار هي التي تستدعي الأشياء، فمهمة الإنسان أن يكون ذا تفكير إيجابي دومًا، وأن يعلم تحديدًا ما يريده، ويتخيل هذا الذي يريده واضحًا في حال تحققه. مثلًا عن طريق استخدام لوحة الأحلام، وهي لوحة شبيهة بمجلات الحائط يلصق فيها المرء كل ما يريده أن يتحقق. مثلًا أن يلصق صورة البيت الذي يحلم به، والسيارة التي يود أن يمتلكها. في فيلم “السر” يحكي أحد الأشخاص أنه في لوحة الأحلام كان يضع صورة لبيت يود أن يعيش في بيت شبيه، وبمرور السنوات، ودون أن ينتبه، اكتشف فجأة عندما عاد إلى لوحة أحلامه القديمة، أنه ليس فقط أصبح يعيش في بيت مشابه، بل في هذا البيت نفسه الذي كان يضع صورته. وهذا التخيل يجب أن يكون مصحوبًا بتصديق تام لأن هذه التخيلات ستحدث بالفعل، كما يكون على المرء، ليحافظ على تفكيره الإيجابي، أن يشعر بالامتنان تجاه ما يحدث له، ويشجع نفسه دومًا بعبارات إيجابية، وأن يفكر في ما يرغبه لا في ما لا يريده، وأن يركز تفكيره ليس في المخاوف، بل في كيف يمكن للأشياء أن تسير في الطريق السليم، وأن يتجنب حتى مجرد التعبير عما يريد بعبارات للنفي. فمثلًا عليه أن يقول: “أود الحفاظ على وظيفتي”، وليس “لا أريد أن أفصل من العمل”، لأن العبارة الأخيرة تحمل شعورًا سلبيًّا قد يُفقده وظيفته بالفعل. علم زائف؟ الانتشار الواسع لفكرة “قانون الجذب الفكري” جوبهت بانتشار واسع أيضًا لانتقاداته. حيث يرى منتقدوه أنه يستخدم آليات العلوم الزائفة. والعلوم الزائفة هي المعتقدات التي تتخذ المظهر العلمي دون أن تلتزم بأي منهجية علمية متعارف عليها، ومنها مثلًا القابلية للدحض. فأي نظرية علمية يجب أن تكون قابلة للدحض لتصبح علمية، أي تكون قابلة للتجربة وإثبات صحتها أو خطئها، وإذا لم تكن النظرية قابلة للدحض، فهي غير علمية ببساطة. و”قانون الجذب الفكري” يتخذ المظهر العلمي بداية من اسمه نفسه، وباستعمالاته المكثفة للمصطلحات العلمية، مثل الموجات الكهرومغناطيسية وفيزياء الكم والطاقة، دون أن يلتزم بأي منهجية علمية تجعله قابلًا للدحض أو الإثبات، بل مجرد تجميع لتجارب منتقاة بعناية لإثبات ما يود إثباته، والرد على أي تجارب مختلفة بأنه بالتأكيد لم يطبق القانون جيدًا. مثلًا لو صنع شخص لوحة أحلام، ولم تحقق أيًّا من أحلامه التي وضعها فيها، يكون الرد عليه أنه لم يود بالفعل من قلبه، وبالقدر الكافي، أن تتحقق أحلامه. بعض مقولات قانون الجذب العلمية ليست فقط لا يمكن إثباتها، بل أيضًا غير صحيحة علميًّا. ففكرة أن المخ يُولِّد مجالًا مغناطيسيًّا، وبالتركيز على الأفكار الإيجابية يمكن جذب الأشياء الإيجابية، خاطئة من جهتين: من جهة ليس صحيحًا أن “الشبيه يجذب الشبيه”، بل العكس هو الصحيح، حيث الأقطاب المختلفة تتجاذب. القطب الموجب ينجذب للسالب والعكس بالعكس، وأيضًا صحيح أن الموجب يُولد مجالًا مغناطيسيًّا، ولكن هذا المجال شديد الضآلة لدرجة أنه لا يمكن قياسه إلا في غرف معزولة عن أي تأثيرات مغناطيسية أخرى، وفي الظروف العادية يتم مسحه وإنهاؤه بواسطة المجالات المغناطيسية الأخرى. استخدام “قانون الجذب الفكري” لآليات العلوم الزائفة لا يتوقف هنا، فحتى وهو يثبت نفسه يستعمل مغالطات منطقية معروفة، مثل مغالطة الانحياز التأكيدي. ومغالطة الانحياز التأكيد هي حين نرتب المعلومات بشكل يثبت ما نؤمن به، متجاهلين كل المعلومات المناقضة لهذا الإيمان. فالمرء قد يقول إن “قانون الجذب الفكري” حقيقي لأنه جرَّبَه على المستوى الشخصي، حين كان يفكر بشدة في لقاء شخص معين، وفجأة يجد هذا الشخص أمامه عن طريق المصادفة، ودون أي خطة، لكن هذا الشخص يتجاهل كل تلك المرات التي فكر فيها بأشخاص دون أن يلتقيهم بعد ذلك. لوم الضحية من المنظور النفسي أيضًا تم انتقاد “قانون الجذب الفكري” لأنه قد يكون ضارًّا، وليس فقط غير مفيد. فمجرد تعليق لوحة أحلام غير كافٍ لتحقيقها، ونصائح مثل عدم التفكير في العوائق أو الأشياء السيئة التي قد تحدث في أثناء تنفيذ الخطة، يجعل المرء غير مستعد لها، وبالتالي أقل قدرة على التعامل معها، وإذن احتمالية فشله أعلى. وأن إيمان المرء بأن أحلامه قد تحققت بالفعل، قبل أن تتحقق، وهي الممارسة التي يشجع عليها مروِّجو قانون الجذب الفكري لزيادة التفكير الإيجابي، ستجعل المرء أقل قابلية نفسية للتحرك بالفعل وممارسة ما تتطلبه أحلامه لأنه يشعر بأنها قد تحققت بالفعل، وبالتالي لن يخطط لتحققيها، كما أن الأحلام المثالية في العلاقات العاطفية مثلًا تجعل الناس أقل قدرة على الانخراط في علاقات ممتدة وذات معنى بسبب طبيعة تصوراتهم المثالية نفسها. والأمر نفسه في الخطط المتعلقة بالحياة العملية، حيث يشجع مروجو القانون الناس على وضع أحلام غير واقعية، وبمجرد إيمانهم بتحققها سيحققها بالفعل. في رأي المنتقدين أيضًا، يشجع “قانون الجذب الفكرى” على ثقافة لوم الضحية. فإذا كانت الأشياء السيئة تقع بسبب التفكير فيها، فمن يتعرض لحادثة سيارة هو الملوم، وكذا من يصاب بمرض صعب يلام لأنه لم يركز تفكيره على الصحة. في فيلم السر مثلًا تتحدث إحدى النساء عن إصابتها بمرض السرطان، وكيف قاومته بالإيمان بأنها شفيت بالفعل، وكان ذلك كافيًا لتشفى. هذه الطريقة في التفكير، والتي تفترض في الإنسان السيطرة الكاملة، ليس على نفسه فقط، بل على كل الظروف المحيطة به، قد تمنع الناس من التفكير العلمي والمنهجي في مشكلاتهم وكيفية حلها، وبالتالي تستمر المشكلات، وتصبح غير قابلة للحل، ويزيد على المشكلات نفسها الشعور الدائم بالذنب تجاه أشياء قد تكون بالفعل خارج سيطرة أي إنسان. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.