Uncategorized ألبرت أينشتاين: هل يستحق بالفعل مكانته التاريخية؟ Nuqta Doc منذ 3 سنوات محمد يوسف إن سألتك، فجأة دون أي مناسبة، أن تذكر لي اسمًا واحدًا من أشهر العلماء في التاريخ، من سيخطر في بالك أولًا؟ غالبًا، ودون تفكير كثير، سيقفز إلى ذهنك اسم الفيزيائي العظيم ألبرت أينشتاين الذي كان له الفضل في أعظم الاكتشافات خلال القرن العشرين. وربما نرى أنه أطاح بمفرده بفيزياء إسحاق نيوتن الكلاسيكية من عرش المجتمع العلمي بعد أن تربعت عليه لأكثر من مئتي عام، وكانت أبحاثه نقطة بداية الفيزياء الحديثة كما نعرفها. المعادلة الأشهر E = MC²، التي ستجد أن كثيرين سمعوا عنها، حتى إن لم يعرفوا تحديدًا ما الذي تمثله، بجانب فوزه بجائزة نوبل في الفيزياء، دون أن ننسى بالطبع فكرته الأكثر نجاحًا: النظرية النسبية العامة التي تحولت إلى نظريتنا للجاذبية، وما تزال تثبت جدارتها ونجاحها في مختلف الاختبارات بعد أكثر من مئة عام من اقتراحها. بالطبع، لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يختلف على أهمية ألبرت أينشتاين العالم في تاريخ الفيزياء وتاريخ العلم الحديث بأكمله. ولكن، ولا بد من أن يكون هناك “لكن”، لأن هذا هو الهدف من المقال أصلًا. ولن أكتب كل هذا لأذكر نجاحات أينشتاين فحسب، المهم ماذا كنّا نقول؟ آه.. ولكن! هناك سؤال مهم مطروح: ماذا لو لم يوجد أينشتاين أصلًا؟ ما الذي كان سيحدث للعلم؟ هل كان سيصل علماء آخرون إلى ما توصل إليه أينشتاين؟ أو هل كانوا سيصلون بنفس السرعة، أم أن الأمر كان سيستغرق منهم دهرًا للدرجة التي لن يتمكنوا فيها من الوصول إلى نفس الاكتشافات؟ لنضع السؤال ببساطة أكثر: هل نحن في حاجة إلى حجم عبقرية ألبرت أينشتاين تحديدًا؟ أم نحن نبالغ في تقديرنا لندرة عبقرية أينشتاين الفريدة من نوعها، ونرفعه لمكانة غير مستحقة، بناءً على أنه كان ببساطة الشخص المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، وامتلك مجموعة المهارات الصحيحة لكي يتمكن من الوصول إلى مثل تلك الاكتشافات العظيمة؟ السؤال بسيط كما ترى، لكن إجابته ليست بسيطة. سنحتاج إلى العودة بالزمن إلى بدايات القرن العشرين، تحديدًا عام 1905. ما الذي حدث حينها؟ هيا بنا لنرى! عام 1905.. العام المعجزة لألبرت أينشتاين عام 1905 نشر ألبرت أينشتاين أربع ورقات بحثية في واحدة من أقدم الدوريات العلمية “Annals of Physics”. تلك الدراسات الأربع أحدثت ثورةً هائلةً في معرفتنا للمفاهيم الأساسية للمكان والزمان والكتلة والطاقة، وكانت حجر الأساس للفيزياء الحديثة لأن أينشتاين نشرها في عام 1905، أُطلق عليه “العام المعجزة“، باللاتينية “Annus mirabilis”. السؤال الآن: لماذا أحدثت تلك الاكتشافات ثورةً في الفيزياء وفي تاريخ العلم بأكمله؟ حسنًا، سنحتاج إلى العودة بالزمن لأبعد من ذلك للإجابة عن السؤال! على مدار أكثر من مئتي عام قبل أينشتاين، وقفت فيزياء إسحاق نيوتن دون منافس في ساحة عالم الميكانيكا، سواء كانت الأجسام في الفضاء أو على الأرض. قانون الجاذبية الكونية كان ينطبق على الأجرام السماوية في النظام الشمسي وعلى أي جسم هنا على كوكب الأرض. في نظر فيزياء نيوتن الكلاسيكية، كان الكون محددًا وحتميًّا. ببساطة، إذا كان بإمكانك معرفة موقع أي جسم في الكون وكتلته، يمكنك حساب أين سيذهب ذلك الجسم لاحقًا بدقة بالغة، وفي أي لحظة في الزمن. بجانب ذلك، فإن المكان والزمان كيانات مطلقة. ليس هذا فحسب، بل إن قوة الجاذبية تتحرك بسرعات لانهائية، وتأثيرها لحظي، وتنتج بواسطة قوى الجذب من الأجسام الضخمة في الكون. بمعنى أنه إذا اختفت الشمس فجأة، فإن الأرض ستطير في الفضاء في نفس اللحظة. على مدار القرن التاسع عشر تطوَّر علم الكهرومغناطيسية أيضًا كاشفًا العلاقات المعقدة بين الشحنات والتيارات الكهربائية والحقول والمغناطيسية، حتى الضوء نفسه. من عدّة أوجه، كان يبدو أن الفيزياء وصلت إلى حل كل شيء تقريبًا، بالنظر إلى نجاحات علماء مثل إسحاق نيوتن وجيمس ماكسويل، وغيرهما في ذلك الوقت! ولكن، استعد للمفاجأة: لم يكن ذلك صحيحًا! تحديات فيزياء نيوتن الكلاسيكية كانت هناك بعض الألغاز التي أشارت إلى وجود شيء جديد في مجموعة من الاتجاهات المختلفة في أرجاء الكون. بعد الاكتشافات الأولى للنشاط الإشعاعي أدرك العلماء أن الكتلة تُفقد بالفعل عندما تتحلل بعض الذرات. هنا، لم يتناسب زخم الجزيئات المتحللة مع زخم الجزيئات الأصلية للذرة، ما يشير إلى أن هناك شيئًا لم يُحفظ أو أن شيئًا لا نراه يؤثر في العملية. ولكن كان هناك تحديان لفيزياء نيوتن أكثر أهمية من بقية التحديات. كانت أول ملاحظة محيرة هي مدار كوكب عطارد. في حين اتبعت جميع الكواكب الأخرى قوانين نيوتن للجاذبية بدقة بالغة، إلا أن عطارد كان له رأي آخر. فشلت كل الحسابات لمدار عطارد في مطابقة التنبؤ بموقعه، وكان ذلك بفارق كبير. حتى إن عالم الرياضيات الفرنسي “أوربان لوفيريي” افترض، في القرن التاسع عشر، وجود كوكب بين عطارد والشمس أطلق عليه كوكب “فولكان”. لكن لم يكن هناك أي شيء. لماذا يتصرف عطارد بهذا الشكل الغريب؟ بينما كانت الملاحظة الثانية محيرة أكثر. فعندما تتحرك الأجسام بالقرب من سرعة الضوء لا تعود تتبع معادلات نيوتن للحركة. مثلًا، إذا كنت في قطار يتحرك بسرعة 100 كم في الساعة، وأطلقت رصاصة بمسدسك بسرعة 100 كيلومتر في الساعة في نفس اتجاه تحرك القطار، فإنك تتوقع بدهيًّا أن الرصاصة ستتحرك بسرعة 200 كيلومتر في الساعة. لكن إذا كنت في نفس القطار، وأطلقت شعاعًا من الليزر في نفس الاتجاه، أو الاتجاه المعاكس أو أي اتجاه آخر، فإن شعاع الليزر يتحرك دائمًا بسرعة الضوء بغض النظر عن سرعة تحرك القطار. ليس هذا فحسب، فإذا كنت في القطار المتحرك، وأطلقت الرصاصة، وكان كل من القطار والرصاصة يتحركان بالقرب من سرعة الضوء، فإن عملية الجمع لا تعمل بذات الطريقة التي اعتدنا عليها. مثلًا، إن كانت سرعة القطار 70% من سرعة الضوء، وأطلقت الرصاصة بنفس السرعة في نفس الاتجاه، فإنك تتوقع أن تتحرك بسرعة 140% من سرعة الضوء. لكن هذا لا يحدث لأن الرصاصة ستتحرك بسرعة أقل من سرعة الضوء في كل مرة. بالرغم من أن العلماء تمكنوا من وصف ما يحدث هنا، فلم يتمكنوا من شرح لماذا يحدث، وكيف. وهنا يدخل أينشتاين إلى المشهد. أينشتاين والفيزياء الجديدة كان يجب أن نشرح المشكلات التي واجهتها الفيزياء الكلاسيكية لكي نقدّر مدى أهمية ما قدَّمه ألبرت أينشتاين للفيزياء. من الصعب جدًّا أن نلخِّص كل إنجازات أينشتاين في مقالٍ واحد، لكن باختصار شديد ربما كانت أهم الاكتشافات والإنجازات كالتالي: أولًا: التأثير الكهروضوئي عند سقوط الضوء على سطح بعض الأجسام المعدنية تنبعث منه الإلكترونات. كان الأمر في البداية محيرًا لأن الضوء كان يعامل كجسيمات كما قال إسحاق نيوتن حتى جاء أينشتاين وعرَّف الضوء باعتباره فوتونات، بمعنى أنه موجات تملك كتلة سكون. هذا الاكتشاف أدى إلى ثورة عظيمة في علم فيزياء الكم، ومنحه جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 على تفسيره للتأثير الكهروضوئي. ثانيًا: معادلة E = MC² طاقة أي نظام E تساوي كتلته M مضروبة في مربع سرعة الضوء C². الرسالة التي قدمتها المعادلة هي أن كتلة النظام تقيس محتواه من الطاقة. باختصار عندما تتحلل ذرات المادة تفقد كتلتها. حسنًا: أين تذهب تلك الكتلة تحديدًا إذا لم يُحتفظ بها؟ هنا أينشتاين كان يملك الإجابة الصحيحة، وهي ببساطة: الكتلة تتحول إلى طاقة، تحديدًا إلى كمية الطاقة التي تصفها معادلته E = MC². في كل ظرف من الظروف التي اختبرنا فيها المعادلة كانت تثبت دائمًا نجاحها، وتلك المعادلة كانت السبب وراء اختراع القنبلة النووية. ثالثًا: نظرية النسبية الخاصة حين تتحرك الأجسام بسرعة تقارب سرعة الضوء، كما ذكرنا، فإنها لا تتصرف بطريقة منطقية كما اعتدنا. لكن هنا يأتي أينشتاين بنظرية النسبية الخاصة، ويصف كل تلك الطرق. حدد أينشتاين سرعة قصوى للكون هي سرعة الضوء في الفراغ، والتي تساوي 299,792.458 كيلومترًا في الثانية، وهنا كل شيء وأي شيء لا يمتلك كتلة يتحرك في الفراغ بدقة. الجسيمات التي تملك كتلة تتطلب طاقة معينة لكي تتسارع، وكلما اقتربت سرعة الجسيم من سرعة الضوء زادت الطاقة المطلوبة ليصل إلى سرعة أكبر، وهكذا، لأن الجسيمات نفسها تزداد كتلتها بما يتناسب مع السرعة المتزايدة. باختصار، كلما تحركت بشكل أسرع زادت كتلتك أو وزنك. ببساطة، إذا لم تمتلك كتلة مثل فوتونات الضوء، فيمكنك أن تتحرك بسرعة الضوء، لكن إذا كنت تمتلك كتلة، مثل بقية الجسيمات، فللأسف لن يمكنك الوصول إلى السرعة القصوى للكون أبدًا. رابعًا: النسبية العامة عام 1915. كانت هذه أكبر ثورة حققها أينشتاين: نظرية جديدة للجاذبية التي تحكم الكون. لم يعد المكان ولا الزمان أشياء مطلقة، لكنهما صنعا معًا شبكة كونية عملاقة، تتحرك عبرها جميع الأجسام في الكون، بما فيها كل أشكال المادة والطاقة. من هنا ظهر مصطلح جديد “الزمكان” (SPACETIME). لم تعد الأجسام تتبع قوى الجاذبية الكلاسيكية كما وصفها نيوتن، لكنها تقع في الشبكة الكونية التي تصنعها الأجرام الأضخم. ببساطة، تصنع الشمس انحناءً في نسيج الزمكان لتسقط به كل كواكب المجموعة الشمسية وأجرامها. هنا نجحت النسبية العامة لأينشتاين في ما فشلت فيه نظرية نيوتن لأنها أوضحت مدار كوكب عطارد بدقة بالغة، ومع كل الاختبارات التالية أثبتت نجاحها دائمًا. وبجانب تلك الاكتشافات العظيمة شارك أينشتاين أيضًا في كثير من الإنجازات الأخرى في علم الفيزياء. كانت حياته المهنية العلمية مليئة بالمساهمات الأسطورية حقًا، ولهذا يمكننا القول إنه استحق بالفعل مكانته التاريخية. لكن، لحظة من فضلك، هل نسيت سؤالنا الذي بدأنا به: ما وضع كل تلك الاكتشافات العظيمة قبل وصول أينشتاين لها؟ هل كان سيصل إليها غيره من العلماء إذا لم يوجد أينشتاين؟ ماذا لو لم يولد أينشتاين؟ عام 1881 بدأ الفيزيائي الإنجليزي “جوزيف جون طومسون“، مكتشف الإلكترون، بالتفكير في أن المجالات الكهربائية والمغناطيسية للجسيمات المتحركة والمشحونة يجب أن تحمل معها الطاقة، وحاول أن يحسب كمية تلك الطاقة، لكن نتائجه كانت معقدة. ثم في عام 1889، جاء الفيزيائي الإنجليزي “أوليفر هيفسايد” بنتائج مبسطة أكثر وحدد كمية الكتلة الفعالة التي تحملها الجسيمات المشحونة تتناسب مع طاقة الحقل الكهربائي (E) مقسومًا على مربع سرعة الضوء C². لكنه أضاف ثابتًا للمعادلة 3/4 لتصبح المعادلة m = (4⁄3) E / C²، وكان هذا هو الاختلاف. بعدها في عام 1900 عالم الفيزياء النظرية الفرنسي “جول هنري بوانكاريه” اشتق المعادلة E = MC²، لكنه لم يفهم الآثار المترتبة على تلك المعادلة. وهذا يوضح أنه حتى إذا لم يظهر أينشتاين، فقد كان العلماء بالفعل على بعد خطوات بسيطة من اكتشاف أشهر معادلاته، وربما من المتوقع، والبدهي أيضًا، أن تفسيرها كان في الطريق. وبالمثل، كان العلماء قريبين للغاية من الوصول إلى نظرية النسبية الخاصة. أظهرت تجربة “ميكلسون ومورلي” أن الضوء يتحرك دائمًا بسرعة ثابتة. باختصار، كانت ثمة أساسيات وتجارب سابقة من علماء، مثل “هندريك أنتون لورنتس” و”جورج فيتزجيرالد”، أدت بأينشتاين إلى صياغة نظرية النسبية الخاصة. بينما أعمال العالم ماكس بلانك وتجاربه في الضوء مهدت المسرح لاكتشاف أينشتاين للتأثير الكهروضوئي، ومن الواضح أن هذا كان سيحدث مع أينشتاين أو من دونه. وكذلك علم ميكانيكا الكم كان سيتطور ويظهر أيضًا في غياب أينشتاين. ربما كانت نظرية النسبية العامة أكبر إنجاز يُمكننا نسبه لأينشتاين، حتى إنه شخصيًّا كان يُطلق عليها: “أسعد أفكار حياته”. وهي الفكرة التي كان يسبق فيها العلماء الآخرين بخطوات ضخمة، وربما احتاجت منهم إلى سنوات طويلة كي يصلوا إليها. لكن، مرة أخرى، كانوا على نفس الطريق. المشكلة هنا أننا عادةً ما نملك سردية شائعة لكيفية التقدم والتطور العلمي، وهي أن شخصًا واحدًا، عبر قبس من العبقرية الخالصة، استطاع أن يصل إلى اكتشاف مذهل أو يطور نظرية جديدة لم يلاحظها غيره. وأننا دون هذا الشخص لم نكن لنمتلك تلك المعرفة الرائعة التي أهدانا إياها. على الجانب الآخر، عندما ندرس الوضع بدقة وبمزيد من التفصيل، ونتفحصه بنظرة أقرب، سنجد أن عددًا من العلماء كانوا قريبين من نفس هذا الاكتشاف، قبل أن يحدث بأمتارٍ قليلة. وفي أحيانٍ كثيرة نجد أن أكثر من عالم وباحث وصلوا إلى نفس الاستنتاج في نفس الوقت تقريبًا. ببساطة، ألبرت أينشتاين كان أول شخص يصل ويعبر خط النهاية في عدد من السباقات والاكتشافات العلمية الرائعة. لكنه لو لم يولد قط، فقد كان كثير من العلماء الآخرين قريبين منه، وربما خلفه بخطواتٍ بسيطة في هذا السباق العلمي، وكانوا سيعبرون خط النهاية حتمًا. مع اعترافنا بامتلاك أينشتاين كل ذرة من ذرات العبقرية المبهرة التي نعرفها عنه، إلا إن العبقرية ليست شيئًا فريدًا أو نادرًا مثلما نفترض دائمًا. وبكثير من العمل الجاد والمثابرة والاستمرارية والمحاولة، وربما بعض الحظ، يمكن لأي عالم أو باحث الوصول إلى طفرة ثورية أو اكتشاف مذهل، ببساطة لأنه وصل إلى الاستنتاج الصحيح في الوقت المناسب قبل الآخرين. وهذا ينطبق على كل الأعمال تقريبًا. فالعبقرية والموهبة أشياء موجودة، لكنها ليست نادرة، وليست هي التي تحدد نجاحك ووصولك إلى خط النهاية قبل غيرك. الاستمرار والعمل وتطوير نفسك، وأن تتعلم دائمًا. هذا هو الذي سيمنحك الوصول إلى خط النهاية، حتى لو لم تكن تملك العبقرية أو الموهبة منذ بداية السباق. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.