المدونة الحرب المؤجلة.. كيف سيكون سيناريو الحرب بين الصين وتايوان، وما بينهما الولايات المتحدة؟ Nuqta Doc منذ 3 سنوات بطائرات مقاتلة وصل عددها إلى 155 انطلقت في أربعة أيام متتالية خلال شهر أكتوبر من العام الحالي، كثفت الصين اختراقها منطقة تحديد الدفاع الجوي لتايوان، وهي منطقة خارج المجال الجوي التايواني، لكنها تخضع للمراقبة وتحديد هوية الطائرات بهدف حماية الأمن القومي كي تمنح الدولة مزيدًا من الوقت للدفاع عن نفسها ضد أي اعتداء مُحتمل. خلال العام الماضي وصل عدد رحلات الطائرات المراقبة إلى 300 رحلة، أما في خلال الأشهر التسعة الماضية، فقد تغيرت تركيبة الطائرات التي ترسلها الصين إلى طائرات مقاتلة، وزاد عددها إلى 500 رحلة، وتكررت التدريبات العسكرية في المناطق البحرية القريبة، وتم تكثيف استخدام القاذفات القادرة على حمل رؤوس نووية. إذا كانت توقعات الصين ضم تايوان تتأرجح بين بضع سنوات إلى عدة عقود مقبلة، فإن وزير الدفاع التايواني يجزم بأن الصين قادرة على احتلال بلاده في الوقت الحالي، وأنه بحلول عام 2025 ستصبح قادرة على غزوها دون مجهود يذكر، ودون رد فعل دولي قد يردعها. لكن رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، أعلنت أن بلادها مستعدة للدفاع عن نفسها، وحذرت من العواقب الكارثية التي ستشهدها المنطقة في حالة سقوط بلادها. وأشار رئيس وزراء تايوان، سو تسينغ تشانغ، إلى حاجة بلاده إلى مزيد من الأسلحة كي لا تتجرأ الدول التي تريد ضم بلاده إلى اللجوء إلى القوة. ولم تكتف تايوان بالتصريحات المناهضة للصين، بل تتعاون مع دول أخرى استخباراتيًّا ولوجستيًّا، مع تركيز تعاونها مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا واليابان والهند، وتوطيد مكانتها في الاقتصاد العالمي كمركز استراتيجي في تصدير أشباه الموصلات التي تدخل في صناعة عدد من الأجهزة الكهربائية. عبَّرت الولايات المتحدة عن قلقها الشديد تجاه النشاط العسكري الاستفزازي للجيش الصيني الذي يخاطر بالسلام الإقليمي. وعند إعلان الشراكة الأمنية “أوكوس” بين الثلاثي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، لم يستبعد رئيس الوزراء البريطاني احتمالية شن حرب ضد الصين إذا تمادت في سلوكها العدائي. وتشارك فرنسا في التدريبات الأمريكية-اليابانية في منطقة المحيط الهادئ الهندي، وأرسلت ألمانيا سفينة حربية لأول مرة منذ عقدين إلى المنطقة، وانضمت إليها سفن حربية كندية. لم يتأخر رد فعل الصين الذي أدان تهديد الولايات المتحدة وكندا للاستقرار في المنطقة بإرسال سفن حربية عبر مضيق تايوان، على الرغم من إعلان الجيش الأمريكي أن مدمرة صينية عبرت إلى جانب الفرقاطة الكندية الشهر الماضي من مضيق تايوان الذي يفصل بين الجارتين دون أي احتكاكات، ما يؤكد التزام الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها بإبقاء طرق الملاحة البحرية مفتوحة للجميع. لكن قوات الحراسة الموجودة في المدمرة الصينية كانت مُستنفرَة تراقب السفن الأمريكية والكندية للتصدي بحزم لأي تهديد. حتى يومنا هذا ترسل الولايات المتحدة سفنها شهريًّا إلى مضيق تايوان، وتنضم إليها من حين إلى آخر سفن حلفائها مثل بريطانيا التي أرسلت سفينة الشهر الماضي، دون إذكاء أي توترات إقليمية. في المقابل، الصين لا تخترق المجال الجوي التايواني. إذن يبدو أن كل طرف لديه ما يبرر سلوكه، ولديه أيضًا ما يبرر به مهاجمة سلوك الطرف الآخر. الأطراف كلها في انتظار اللحظة التي تشعل الحرب مؤجلة. سياسة الغموض في الوقت الحالي تحمل دولتان اسم الصين: الأولى جمهورية الصين الشعبية وعاصمتها بكين، والثانية جمهورية الصين، وهي تايوان، وعاصمتها تايبيه. وتتفق الولايات المتحدة والصين ضمنيًّا على تطبيق مبدأ “الصين الواحدة”، أي وجود دولة واحدة رسمية ذات سيادة تحمل اسم الصين. موافقة الولايات المتحدة على هذا المبدأ مستمد من رغبتها في استكمال تايوان مسيرتها الديمقراطية دون الحاجة إلى إعلان الاستقلال، ما سيجبر الصين على مواجهة عسكرية حتمية. ويعود تاريخ هذا الاتفاق إلى عام 1972 حينما التقى الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، بالرئيس الصيني، ماو تسي تونغ، وتوصلا إلى بيان شنغهاي الذي كان يشدد أحد بنوده على رغبة الولايات المتحدة بصين موحدة غير مجزئة، والأهم هو احترام السيادة الوطنية للبلدين. حتى اللحظة الراهنة لا يرغب أحد البلدين بالمساس بالبيان، حتى وإن كانت الولايات المتحدة تحت إدارة بايدن تميل بشكل متزايد إلى فكرة استقلال تايوان التي تتوجه إليها الحكومة التايوانية حاليًّا. فقد أعلن الرئيس الأمريكي التزامه الدفاع عن تايوان إذا ما تعرضت لهجوم من الصين. لكن الالتزام الأمريكي يحيطه الغموض، إذ وصفه مسؤولون في البيت الأبيض أنه زلة لسان عابرة، وليس تصعيدًا متعمَّدًا، وأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لم تتغير. على مضض، تقبلت الصين زلة لسان الرئيس الأمريكي، ونبه المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة أن تتوخى الدقة بشأن تصريحاتها وأفعالها، وبخاصة في ما يتعلق بالمسألة التايوانية، كي لا تتضرر العلاقات الأمريكية-الصينية. وتوازيًا مع التحذيرات الصينية، شكرت تايوان الرئيس الأمريكي على تأكيده على الالتزام الثابت تجاه القضية التايوانية، ما يزيد من الغموض الأمريكي تجاه المسألة التايوانية. تَقبُّل الصين “سياسة الغموض” الأمريكية لا يبرره سوى أنها تتبع نفس السياسة، لأن رئيسها يتعهد دائما بإعادة توحيد الصين بالطرق السلمية، وفي نفس الوقت يستمر في سلوكه العسكري الاستفزازي ضد تايوان. تعلم الصين جيدًا أن الولايات المتحدة ترسل قواتها لتدريب الجيش التايواني، لكنها تغض الطرف عن المسألة ما دامت الولايات المتحدة لا تروِّج علنًا لذلك. ففي الشهر الماضي كشفت الولايات المتحدة أن عددًا من قواتها الخاصة ومشاة البحرية كانوا في مهمة لتدريب الجيش التايواني، وأعلنت رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، رسميًّا أن بلادها تتعاون مع الولايات المتحدة لزيادة قدرتها الدفاعية. بدت الولايات المتحدة وكأنها تتجاوز خطوط الصين الحمراء، إذ قد تتخذ الصين وجود “قوات أجنبية” مبررًا للهجوم على تايوان. وإذا قررت الصين الهجوم على تايوان، فإنها ستحاول الاستيلاء عليها خلال خمسة أيام فقط، قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من إنزال قواتها، لأن السفن الأمريكية التي تبحر في مضيق تايوان لن تستطيع وحدها ردع الجيش الصيني، وستصبح فريسة سهلة للصواريخ الصينية الدقيقة التوجيه، أو سيتولى الدفاع عنها حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ الهندي مثل اليابان وأستراليا التي ستهيمن على الحرب من خلال غواصاتها البحرية لخوض حرب ستكون مكلفة جدا للصين. في هذا الإطار قد لا تريد الدول الدخول في حرب؛ فالصين لن تقوض حلمها كقوة عالمية اقتصادية، والولايات المتحدة لن تراهن على الانتصار بحسم وسرعة ، وتايوان لا تعتبر الوضع الراهن مشكلة حقيقية إذا ما قورن بخوض حرب. على الرغم من تجنب التصعيد من كل الأطراف، يبقى السؤال: ما الذي سيحدث إذا اضطر أحد الأطراف للتخلي عن سياسة الغموض والدخول في حرب؟ الحرب القادمة تكثر التوقعات حول النتيجة التي ستؤول إليها الحرب، لكنها تتفق في الأغلب على الهزيمة العسكرية لتايوان، ثم السيطرة الكاملة عليها. وإذا نجحت الصين في تنفيذ تهديدها بشأن أخذ تايوان بالقوة، ستنجر الولايات المتحدة إلى الحرب بكل تأكيد، إذ اقترح بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يسمح للرئيس الأمريكي باستخدام القوة للدفاع عن تايوان في حالة تعرضها لأي عدوان مباشر. لكن هذا السيناريو يبدو غير منطقي، إذ لا يضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة لن تصبح أكثر أمانًا واستقرارًا بعد المواجهة مع الصين، وإن انتصرت فيكون انتصارًا باهظ الثمن يتكلف مئات المليارات من الدولارات سنويًّا، إضافةً إلى تكلفة الاستعداد لصد الهجوم المضاد الحتمي للصين. حسب ترجيحات المخططين العسكريين، فإن السيناريو المنطقي هو هزيمة الولايات المتحدة بعد حرب عنيفة، يُسقِط فيها الجيش الصيني أعدادًا كبيرة من الطائرات الأمريكية، ويُغرق السفن الأمريكية، ويقتل الآلاف من القوات المسلحة الأمريكية المدربة. وفي هذه الحالة، قد تخرج الحرب عن السيطرة لتتحول إلى حرب نووية. هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا لا يرضي الولايات المتحدة التي ترفض الدخول في حرب مباشرة مع الصين بالنيابة عن تايوان، لأنها بذلك تغامر بترسانتها العسكرية وقدراتها الاقتصادية وربما قوتها العالمية. في المقابل، هذه المخاوف لن تمنع الولايات المتحدة من خوض حرب من نوع آخر ضد الصين في حالة احتلال تايوان. يمكن للولايات المتحدة قيادة تحرك عالمي يفرض على الصين عقوبات اقتصادية وعزلة دولية. هذه النتائج لن تقوى عليها الصين، فقد يستغرق تعافيها عقودًا طويلة. في هذه الحالة، لن تخسر الولايات المتحدة ولا حلفاؤها قوتهم العسكرية، وسيتمكنون من السيطرة على الأسواق التجارية العالمية، وسيتحسن مظهر الدول الغربية، وستظهر الصين بمظهر المعتدي. هذا السيناريو ينسجم مع سياسة الغموض التي تتبعها الولايات المتحدة التي تروج علنًا بأنها ستدافع عن تايون ضد أي اعتداء، وربما تبلغ تايوان سرًّا أن عليها الحفاظ على الوضع القائم، لأنه أفضل بكثير من حطام جزيرة احتلتها الصين. الإشكالية في هذا السيناريو أنه لا يرجح خوض الولايات المتحدة حربًا من أجل قضية تبدو هامشية كقضية تايوان، حتى وإن كانت الصين هي المُستهدفة، إضافةً إلى أنه يبدو سيناريو متفائلًا أكثر من اللازم، حيث يفترض أن الولايات المتحدة ما زالت في قمة المجتمع الدولي، وتستطيع بكل أريحية قيادة القوى الكبرى الأخرى لعزل الصين، دون حسابات المصالح الوطنية لكل دولة قد تكون مرتبطة اقتصاديًّا مع الصين، وبالتالي ستنحاز كل دولة إلى مصالحها، وينقسم المجتمع الدولي، وتقتنص الصين الفرصة لتكتسب مزيدًا من القوة الاقتصادية والمكانة الاستراتيجية، وحينها قد تندلع حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة. إذا كانت هذه هي السيناريوهات المحتملة من وجهة نظر الغرب، فما هي الخيارات المتاحة أمام الصين؟ الخيارات الصينية يفضل الرئيس الصيني، شي جين بينغ، احتلال تايوان دون اللجوء إلى القتال، إذ يصرح بين الحين والآخر برغبته في تحسين العلاقات بين البلدين على أساس “سياسي مشترك” بهدف “توحيد البلدين” وإعادة “قنوات التواصل عبر مضيق تايوان”. السبب ليس في أنه ينبذ العنف، بل لأنه لا يريد التورط في التشكيك في نواياه الحسنة تجاه تايوان، غير أنه يدرك أيضًا التكاليف الباهظة لخوض حرب ليست محسومة النتائج. من ناحية أخرى، تايوان لن تخضع للصين لأن المواطنين التايوانيين يرفضون السيادة الصينية على أراضيهم، إضافةً إلى أنهم غير راضين عن التجارب السابقة للصين في ضم المناطق، مثل هونغ كونغ التي شهدت تراجعًا واضحًا عبر السنوات في مسألة الحرية الشخصية بذريعة حماية الأمن القومي الصيني، وكذلك شينجيانغ التي تتم إبادة هويتها الثقافية. يبدو أن هذا السيناريو هو الأقل احتمالًا لأن تايوان لن تخضع دون قتال. إذا اختارت بكين العنف، فسيفرض الجيش الصيني حصارًا على الشحن التجاري البحري من تايوان وإليها، وذلك بهدف تجويع المواطنين في تايوان، ثم قصف البنية التحتية الحيوية جويًّا لشل القوات المسلحة هناك. لكنه سيناريو غير حاسم، فهو سيترك وقتًا كافيًا لحلفاء تايوان مثل الولايات المتحدة واليابان للتدخل بهدف صد العدوان الصيني بالطريقة الأنسب. لكن الصين في اختيارها للعنف ستكون أكثر حسمًا وسرعة من خلال ضربات متتالية مفاجئة جوية وبحرية معًا. هذا السيناريو سيعيدنا إلى السيناريو المكلِّف وغير محسوم النتائج للصين. السيناريو الأقرب إلى التنفيذ هو ضم تايوان على الطريقة الروسية التي ضمت فيها شبه جزيرة القرم عام 2014 كما لمَّح وزير الدفاع الياباني، نوبو كيشي. على الرغم من عدم شرعية تصرف روسيا، فإن العملية بدأت دون إدراك المجتمع الدولي لها، ودون نشر قوات عسكرية، مع الاستخدام المكثف للأخبار الكاذبة التي تروج للعنف والقوة دون ذكر الأطراف المعادية ولا الهدف منها أو التي تحتمل أكثر من معنى. والخطوات التمهيدية ربما تمثلت في توعد الرئيس الصيني، في يوليو الماضي، لكل من يقف عقبة أمام طريق تقدم الصين “ضرب رأسه حتى تنزف في سور فولاذي قوي”، بالتوازي مع الإنتاج الضخم للسفن الحربية بمعدل لم يشهده المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. وربما كان من ضمن الخطة القلق المتعمد الذي خلَّفه بيان وزارة التجارة الصينية التي شجعت فيه المواطنين بتخزين كمية كافية من السلع الضرورية لتلبية الاحتياجات اليومية والحالات الطارئة. لا يمكن استبعاد أو تأكيد سيناريو بعينه، لكن بغض النظر عن تفاصيل السيناريوهات المتعددة، فإن جميعها يؤكد اقتراب حرب مؤجلة بهدف انتظار اللحظة المناسبة ليس فقط لهجوم الصين، بل أيضًا لاستقلال تايوان أو لانتقام الولايات المتحدة. اختيار طرف ما من أطراف المعركة يتحدد على أساسه رد فعل الأطراف الأخرى، ما يترتب عليه تغيير حتمي في موازين القوى العالمية. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.