أنت تقرأ الآن:

المقاطعة “الرمزية” للألعاب الشتوية الأولمبية وتاريخ المقاطعات

المقاطعة “الرمزية” للألعاب الشتوية الأولمبية وتاريخ المقاطعات

أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول أخرى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقبلة المقامة في الصين “دبلوماسيًّا”.

لحظة واحدة: ما هي الأولمبياد الشتوية أصلًا؟

لا يألف أغلبنا ذكر هذه النسخة من الألعاب الأولمبية، وذلك لأنها تهتم بالألعاب المقامة على الجليد وحدها، مثل ألعاب التزلج وهوكي الجليد وغيرها، وهي ألعاب لا تمارس في معظم البلاد العربية بسبب طبيعة مناخها، بالتالي لا يأبه لها جمهورنا ولا تأبه لبثّها وسائل الإعلام الشائعة. ولم يدرك الكثيرون وجود هذه النسخة من الألعاب الأولمبية، إلا بعد التصريح المثير للجدل الذي أدلى به “جو بايدن”، وتبعته المملكة المتحدة وكندا وأستراليا.

ما الحكاية إذن وراء هذه المقاطعة “الدبلوماسية”؟

لا علاقة للرياضيين

في 2008 ، حين أقيمت الألعاب الأولمبية الصيفية في الصين، سافر الرئيس الأمريكي “جورج بوش” نفسه على رأس بعثة دبلوماسية لحضور حفل افتتاحها في “بكين”، وفي دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في اليابان في عامنا الحالي، سافرت زوجة الرئيس “بايدن” مع البعثة الدبلوماسية الأمريكية المصاحبة للبعثة الرياضية، وهو ليس عرفًا أن ترسل كل دولة وفدًا دبلوماسيًّا مصاحبًا للرياضيين، وإنما تقليد تفعله أمريكا وبضعة دول غيرها.

لكن الرئيس الأمريكي أعلن عدم نية بلاده إرسال وفد دبلوماسي إلى “بكين” هذه المرة اعتراضًا على سجل ممارسات الصين المخزي في ملف حقوق الإنسان، ومن بينها احتجاز وقمع ما لا يقل عن مليون مسلم في معسكرات التأهيل بـ”إقليم شينغيانغ”، المعروفين باسم “مسلمي الإيغور”، والتدخل الديكتاتوري في “هونغ كونغ”. أما الرياضيون، فيشاركون بشكل كامل في البطولة، وبدعم من الحكومة الأمريكية، إذ قال الرئيس إن إجبارهم على المقاطعة سيكون ظلمًا لهم، خصوصًا أنهم يتدربون ويتجهزون لهذه المناسبة الرياضية لأعوام.

ولا يرجع قرار عدم تضمين الرياضيين في المقاطعة، مثلما حدث مع مقاطعة أولمبياد موسكو الصيفية عام 1980، إلى طيبة الإدارة الأمريكية، بل لأن الألعاب الآن صناعة ثمنها مليارات الدولارات، إذ ينفق الرعاة النقود على الرياضيين، وتدفع الشبكات التليفزيونية المليارات لبث الألعاب، فلا يمكن ببساطة أن يحظر الرئيس مشاركة الرياضيين لتضيع كل تلك المبالغ الهائلة، فقط ليجعل أمريكا تبدو بمظهر أفضل أمام الغريم الصيني.

محاولة لاستعادة الصدارة

والمظهر الأمريكي أمام الصين والعالم هو على الأرجح السبب الرئيس وراء قرار المقاطعة الدبلوماسية، إذ إنها تحاول جاهدة في ظل إدارة “بايدن” استعادة دورها كمحرك أساسي للسياسة الدولية بعدما بهت هذا الدور بشدة إبّان الإدارة “الترامبية” المنقضية، في ظل تنامي النفوذ الصيني إلى حد غير مسبوق في أنحاء العالم. 

ويؤكد سير المملكة المتحدة وكندا وأستراليا في الطريق الأمريكي نفسه أنها بدأت تستعيد هذه الريادة نوعًا ما بين حلفائها التقليديين، وإن كان تأكيد وزير الرياضة الفرنسي عدم مشاركة بلاده في المقاطعة يعني أن هذا الدور لم يعد كاملًا بعد (وربما لذلك علاقة بأزمة الغواصات مع أمريكا وأستراليا وأزمة بحر المانش مع بريطانيا).

وتظل المقاطعة الدبلوماسية رمزية في أساسها لأن مشاركة الوفد الدبلوماسي ليست جزءًا رئيسًا من المراسم الرسمية، والمشاركة الرياضية ستكون كاملة وبدعم حكومي، ومشاركة عدد محدود من الدول في المقاطعة (حتى الآن).

رد الفعل الصيني

استجابت الصين لإعلان المقاطعة الأمريكي بتغريدة رسمية على “تويتر”، تقول إن هذه المقاطعة لا تزعجها بأي شكل، ولا أحد في الواقع يأبه بمجيء هؤلاء الناس من عدمه، وأن هذا لن يؤثر في نجاح الدورة الشتوية التي ستقام في بكين 2022 بأي شكل.

وذكر المتحدث باسم وزير الخارجية الصيني “وانغ وين بين”، في مؤتمر صحفي، أن الصين غير قلقة من أي تأثير “دومينو” قد يتبع مقاطعة البلاد الأربعة، بل إن غالبية بلاد العالم أعربت عن تشجيعها الدورة المقبلة، وأن عددًا من الأسر الملكية العالمية ستحضر الحفل، إضافةً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال إن أمريكا وحلفاءها سيدفعون ثمن أفعالهم المسيئة للصين، فالرياضة ليست مجالًا للألاعيب السياسية. ما يوحي بأن الصين تحاول إظهار أنها أقوى من أن تؤثر فيها أفعال مشابهة، لكن التوقيت ليس في صالحها، خصوصًا مع أزمة اختفاء “بينغ شواي” وتوابعها.

لغز اختفاء لاعبة التنس

في 2 من نوفمبر السابق، نشرت لاعبة التنس المحترفة الصينية “بينغ شواي” على حسابها في موقع التواصل الصيني “ويبو”، تدوينة تحكي فيها أن نائب رئيس الوزراء الصيني السابق “جانغ جولي” أجبرها في الفترة بين 2013 و2018 على إقامة علاقة جنسية معه، وعقب صدور المنشور بنصف ساعة تم حذفه من الموقع مع عدد من منشوراتها القديمة، وحُظر البحث عن اسمها واسم المسؤول المتهم لفترة من الوقت، ولم يعد هناك من يستطيع الاتصال بـ”بينغ شواي” بعدها على الإطلاق.

منذ ذلك الوقت وثمّة تساؤل عالمي عن مصير اللاعبة، بخاصة حين اهتمت بها منظمات التنس الدولية، وأعرب نجوم كبار في اللعبة، مثل “سيرينا ويليامز” الأمريكية و”ناعومي أوساكا” اليابانية، عن القلق تجاه مصير اللاعبة المختفية، لكن حتى الآن لم تظهر اللاعبة ولم يتمكن أحد من التواصل معها، باستثناء صور ظهرت على مواقع ووسائل إعلام رسمية صينية تُظهرها تقضي عطلتها في البيت أو تشارك في مناسبات تنس محلية، دون وجود ما يؤكد أن هذه الصور حديثة أو سليمة.

تؤكد التصريحات الصينية الرسمية أن اللاعبة بخير، وأن شيئًا من هذا لم يحدث، وكل هذه الضجة تثيرها وسائل الإعلام الغربية فقط لتسيء إلى الصين. وقررت رابطة محترفات التنس الدولية (WTA) إيقاف كل المسابقات المقامة في الصين بالكامل بسبب القلق على سلامة “بينغ شواي”.

إذن، فالصورة الدولية للصين في المجال الرياضي ليست في أفضل حالاتها الآن بالتحديد، وثمة احتياج كبير لمناسبة رياضية دولية كبرى تقام على أراضيها بنجاح للتغطية على فضيحة “بينغ شواي”، وجاءت المقاطعة الدبلوماسية الرمزية لتكون غصة في حلق الإدارة الصينية لإثارة الضجة التي كانت “بكين” تسعى بأي ثمن لتجنبها.

تاريخ مقاطعة الألعاب الأولمبية

يفترض أن تكون دورات الألعاب الأولمبية محفزًا لتحسين العلاقات الدولية بين أمم العالم وإفشاء السلام، لكن تاريخها الذي يبلغ نحو قرن وربع القرن، لم يخلُ من حلقات درامية سببتها الأحداث السياسية العالمية. 

هددت عدة دول بالمقاطعة في دورة عام 1936 التي أُقيمت في ألمانيا النازية، لكنها شاركت في النهاية، وألغيت ثلاث دورات في أعوام 1916 و1940 و1944  بسبب الحربين العالميتين، وفي دورة 1948 حرمت ألمانيا واليابان من المشاركة لدورهما في الحرب العالمية الثانية، وحرمت جنوب إفريقيا من المشاركة في فترة “الأبارتايد”، وآخر حرمان كان لروسيا في 2020 بسبب فضيحة المنشطات.

أما المقاطعات التي حدثت بالفعل، فكانت في ست مناسبات:

– عام 1956 ، في الدورة المقامة بأستراليا للمرة الأولى، امتنعت هولندا وإسبانيا وسويسرا عن المشاركة احتجاجًا على احتلال الاتحاد السوفييتي للمجر، وامتنعت الصين عن المشاركة احتجاجًا على مشاركة تايوان التي تعتبرها جزءًا منها، وترفض أن تمثّل نفسها كدولة مستقلة، ولن تعود الصين للمشاركة في الأولمبياد قبل 1980 ، وقاطعت مصر والعراق ولبنان هذه الدورة أيضًا احتجاجًا على العدوان الثلاثي من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على قناة السويس في العام ذاته.

– نظمت إندونيسيا دورة الألعاب للقوى الناشئة الجديدة أو اختصارًا (GANEFO) لتشارك فيها الدول المستقلة حديثًا والاشتراكية غالبًا عام 1963 ، وذلك لتكون المقابل السياسي لدورة الألعاب الأولمبية التي تمنع منعًا باتًّا أي نشاط سياسي في إطارها. ردًّا على ذلك قررت إدارة الألعاب الأولمبية منع الرياضيين الذين شاركوا في “GANEFO” من المشاركة في الدورة الصيفية للألعاب الأولمبية عام 1964 ، واحتجاجًا على المنع الأولمبي قاطعت إندونيسيا والصين وكوريا الشمالية هذه الدورة.

 – كندا، البلد المضيف لدورة 1976 من الألعاب الأولمبية، سمحت لنيوزيلندا بالمشاركة، وكان فريق الرجبي النيوزيلندي خرق الحظر الرياضي العالمي مع نظام “الأبارتايد” العنصري في جنوب إفريقيا وخاضوا معهم مناسبة رياضية. ولأن كندا رفضت الانصياع للمطالبات الدولية بحظر مشاركة نيوزيلندا هذا العام، امتنعت 28 دولة إفريقية عن المشاركة في هذه الدورة احتجاجًا على المشاركة النيوزيلندية. وفي احتجاج من نوع آخر، امتنعت تايوان عن المشاركة عندما رفضت كندا مشاركتها باسم جمهورية الصين.

– المقاطعة الأكثر شهرة للألعاب الأولمبية على الإطلاق، والتي أشرنا إليها سابقًا، كانت مقاطعة 65 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لدورة الألعاب الصيفية المقامة في “موسكو” عاصمة الاتحاد السوفييتي عام 1980 ، احتجاجًا على احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وأدت المقاطعة إلى مشاركة 80 دولة  فقط في الدورة، وهو أقل عدد مشاركات منذ عام 1956. يمكنك مقارنة تأثير النفوذ الأمريكي العالمي وقتها وحدة المقاطعة، مقابل النفوذ الأمريكي الحالي والمقاطعة الرمزية للدورة الشتوية الصينية.

– في الدورة التالية، تلك المقامة بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1984، قاد الاتحاد السوفيتي مقاطعة مضادة ردًّا على المقاطعة المقامة ضده، وشارك فيها 14 بلدًا من الكتلة الشرقية التابعة له، لكن الدورة شهدت في المقابل مشاركة 140 دولة، بما فيها الصين التي تشارك للمرة الأولى في دورة ألعاب صيفية منذ عام 1952.

– آخر المقاطعات (غير الرمزية) كانت في دورة 1988 المقامة في كوريا الجنوبية. قاطعتها كوريا الشمالية احتجاجًا على رفض مشاركتها في تنظيم الدورة مع جارتها الجنوبية، وشاركت في المقاطعة كوبا ونيكاراغوا وإثيوبيا.

ولا نعلم بعد إن كان يمكن تصنيف المقاطعة الرمزية الرباعية الحالية للألعاب الشتوية الأولمبية في الصين ضمن قائمة المقاطعات التاريخية للألعاب الأولمبية، أم لا.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter