أنت تقرأ الآن:

هل يتكرر كابوس التسعينيات في البوسنة؟

هل يتكرر كابوس التسعينيات في البوسنة؟

يرى بعض المحللين أن الغزو الروسي لأوكرانيا “محتمل”، لكنه “ليس وشيكًا”، وأن الأزمة على الحدود البيلاروسية البولندية صعبة، لكنها قابلة للحل. غير أنه، جنوب البلقان، تتصاعد أزمة أمنية خطيرة لا تجذب الانتباه الدولي ذاته، حتى الآن.

لقد كلّف إنهاء حروب البلقان الدموية في التسعينيات كثيرًا من الأرواح والموارد، ومع تصاعد التوتر السياسي في جمهورية البوسنة والهرسك التي يتقاسم حكمها ثلاثة أعراق، يسعى العالم لتفادي اندلاع حرب جديدة، حيث أدان كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تحرك المشرعين في جمهورية صرب البوسنة، والتي تتمتع بالحكم الذاتي، لبدء عملية انسحاب من المؤسسات الوطنية الرئيسة في البوسنة والهرسك، بما في ذلك نظام الضرائب والقضاء والجيش محذرين من أنها تهدد الاستقرار في منطقة البلقان بأكملها.

في المقابل حذر ميلوراد دوديك، العضو الصربي في الرئاسة الثلاثية للبوسنة والهرسك، من انهيار محتمل للبلاد وخروج كيان جمهورية صرب البوسنة منها إذا رُفضت مطالبته باستعادة السيطرة على إدارة الضرائب القضاء والجيش، واصفًا البوسنة والهرسك بأنها ليست أكثر من “جمهورية ورقية”.

وصوّت المشرعون في جمهورية صرب البوسنة على بدء سحب الشرعية من مؤسسات الدولة في البوسنة، في الوقت الذي أعلنت الدول الغربية في بيان مشترك أن ما يتجه إليه أعضاء الائتلاف الحاكم في جمهورية صرب البوسنة يضر بالآفاق الاقتصادية للكيان، ويهدد استقرار البلاد والمنطقة بأكملها، ويهدد مستقبل البوسنة والهرسك مع الاتحاد الأوروبي.

توتر سياسي كهذا يتحدى اتفاقات دايتون للسلام، والتي توسطت فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التسعينيات لإنهاء الحرب بين الصرب والكروات والبوسنيين. ودعت الدول الغربية في بيان الزعماء السياسيين لصرب البوسنة إلى التخلي عن الخطابات الانقسامية والتصعيدية والعودة إلى مؤسسات الدولة بكامل طاقتها.

من اللافت أن دوديك، زعيم صرب البوسنة، والمتهم بالمخاطرة بإشعال حرب من خلال تفكيك البوسنة والهرسك، شبّه نفسه برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وجهوده لإعادة التفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأطلقت جمهورية صرب البوسنة بدايةً ما ينوي أن تكون ستة أشهر من المفاوضات مع القيادة الكرواتية والبوسنية المسلمة بشأن إنشاء نظام جديد، في الوقت الذي دعم فيه السياسيون المحليون قرارًا يستعيد الكيان بموجبه الصلاحيات من جانب واحد إذا لزم الأمر. فـ”دوديك” على استعداد لتقديم تنازلات لا تشمل دستورًا جديدًا يطالب بأن يُطرح للاستفتاء وإلا انسحبت جمهورية صرب البوسنة من الكيان. 

“انفصال دراماتيكي”.. هذا ما يزعم دوديك أنه يبذل جهودًا لتجنبه. وعلى الرغم من ادعاءاته بأنه يسعى فقط إلى عكس مركزية السلطات لصالح دولة البوسنة المركزية، فقد واجه انتقادات شديدة في المجلس حتى من زملائه القوميين الصرب حول الطريقة التي كان يسعى بها لتحقيق أهدافه.

ميركو شاروفيتش، زعيم الحزب الديمقراطي الصربي، وهو الحزب الذي أسسه رادوفان كاراديتش، والذي يقضي حاليًّا عقوبة 40 عامًا بتهمة الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، قال إن دوديك يمثل “تهديدًا مباشرًا للسلام.. لا يمكن الاستيلاء على هذه المزايا دون حرب”.

____

يحذر المحللون من أن “إجراءات دبلوماسية عدوانية” أو نشرٍ لقوات الناتو يمكن أن يمنع تكرار الصراع المسلح الذي وقع بين عامي 1992 و1995، والذي بلغ ذروته مع الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، والقتل الجماعي لـ8000 رجل وصبي من البوسنيين. 

الدستور الحالي للبوسنة تأسس بموجب اتفاق دايتون للسلام لعام 1995، والذي أنهى الحرب الإقليمية الدامية التي أعقبت تفكك يوغوسلافيا، وخلّفت ما يقرب من 100 ألف قتيل. وتتكون البوسنة والهرسك من كيانين: اتحاد البوسنة والهرسك الذي يتألف في الغالب من البوسنيين المسلمين والكروات، وجمهورية صرب البوسنة. ويتولى رئاسة البوسنة المكونة من ثلاثة أعضاء ممثلو هذه المجموعات العرقية الرئيسة الثلاث.

بموجب ما يسمى بصلاحيات بون لعام 1997، مُنح مكتب الممثل السامي المسؤول عن تنفيذ الصفقة صلاحيات كبيرة في سن القوانين، وهنا يزعم دوديك أن تلك الصلاحيات أصبحت شديدة المركزية بشكل متزايد، وأن مكتب الممثل السامي يلعب دورًا كبيرًا وغير ديمقراطي في شؤون صرب البوسنة، وأن مؤسسات الدولة أُنشئت بناءً على قرارات مبعوثين دوليين للسلام لم ينص عليها الدستور.

دوديك الذي ينكر صراحةً الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، لم يعلن فقط مقاطعة مؤسسات البوسنة والهرسك، بما في ذلك الهيئات القضائية وقوات الشرطة في جمهورية صرب البوسنة، لكن أيضًا كشف عن نيته تفكيك القوات المسلحة المشتركة للبوسنة وإنشاء جيش مستقل لصرب البوسنة.

وقال لأعضاء مجلس النواب: “دعونا نحدد في هذه اللحظة ما تحتاج إليه البوسنة والهرسك، وما الذي يجب أن تتوقف عنه. نحن لا نسمح بالتدخل في اختصاصاتنا”.

تم منع دوديك من السفر إلى الولايات المتحدة منذ تحدي المحكمة الدستورية في البوسنة عام 2017 حين تم الاستفتاء على الاحتفال بيوم جمهورية صرب البوسنة بتاريخ 1992 عندما أعلن صرب البوسنة دولتهم في البوسنة. لكنه أوضح في مقابلة مع صحيفة الغارديان أنه لم يكن “غير مبالٍ” بتهديدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية بفرض مزيد من العقوبات، لكنه أضاف: “لم يتم انتخابي لأكون جبانًا”. وزعم أن خفض التمويل من الاتحاد الأوروبي سيتم تعويضه عن طريق دعم الصين وروسيا. وزار دوديك مؤخرًا فلاديمير بوتين في الكرملين. 

جدير بالذكر أن روسيا التي وصفت صرب البوسنة بأنهم “الروس الصغار”، لم تشارك في بيان إدانة الدول الغربية، ما قد يعد شكلًا من الموافقة المسبقة عن تصعيد صرب البوسنة. وقد وصفت سابقًا قرار مكتب الممثل السامي لمنع إنكار الإبادة الجماعية في سربرنيتسا بأنه “غير موضوعي وغير متوازن”.

وفي عام 2016 وافقت جمهورية صرب البوسنة على استضافة مدربي الشرطة وضباط مخابراتٍ روس، وإنشاء مركز تدريب بقيمة 4 ملايين دولار بالقرب من بانيا لوكا، العاصمة الفعلية لجمهورية صرب البوسنة، لتدريب القوات الصربية. ووصف بعض المراقبين هذه الخطوة بأنها “ستضع الشرطة الصربية على قدم المساواة مع قوات الأمن القومي في البوسنة”.

بعض التحليلات تلّمح بأن الكرملين قد يعمل على زعزعة استقرار البوسنة والهرسك سعيًا وراء أهداف استراتيجية أوسع، في ظل التركيز الدولي على نشر القوات الروسية بالقرب من أوكرانيا، وأعمال بيلاروسيا الاستفزازية المتزايدة ضد الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة المهاجرين، وفي هذه الأثناء يتسائل بعضهم ما إذا كانت حرًبا أخرى في القارة على وشك النشوب؟

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter