أنت تقرأ الآن:

لماذا انهارت الهند في مواجهة كورونا؟

لماذا انهارت الهند في مواجهة كورونا؟

تعيش الهند أسوأ سيناريوهات جائحة كورونا حتى الآن، وتُمثِّله النسخة المتحوِّرة من فيروس كوفيد -19، والتي تدعوها مُنظمة الصحة العالمية “b1.617″، وذلك حيث بلغ إجمالي حالات الإصابة بالفيروس داخل البلاد 22.3 مليونًا، و242 ألف حالة وفاة. في ظل نقص فادح في عدد اللقاحات والمستلزمات الطبية وأسطوانات الأكسجين.  

هذا، ويموت عدد كبير من الناس في منازلهم دون أن يتم رصدهم كحالات مصابة بالفيروس، إضافةً إلى شكوك بصدد تلاعب حكومي بالإحصاءات الرسمية.

على سبيل المثال: تُظهِر إحصاءات بلدية دلهي الخاصة بـ26 محرقة جثث تديرها البلدية، أنه قد تم حرق 3096 جثة لمُتوفين بفيروس كورونا، في الفترة بين 18 و24 إبريل. في حين يُظهر الرقم الإجمالي لوفيات الفيروس خلال نفس الفترة، والصادر عن حكومة دلهي، 1938 حالة وفاة، ما يشير إلى أن 1158 حالة وفاة بالفيروس في دلهي ربما لم يتم تسجيلها.  

 تسببت سياسات الحكومة المركزية الحالية بشكل مباشر في تعقيد الأزمة، حيث واصلت دعم الحرية المطلقة للشركات الخاصة في جني الأرباح على حساب متطلبات الحياة الأساسية، وشجب الإنفاق العام على القطاعات الضرورية لاستمرارية المجتمع واستقراره (كالصحة والتعليم والنقل)، وتركها في المقابل عُرضةً لتقلبات السوق ومُضاربي البورصة، ما تسبب بالنهاية في ما نراه الآن من انهيار للصحة العامة.   

إنها حكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومي (المنتمي إلى أقصى اليمين الديني) بزعامة “ناريندرا مودي” الذي صَرّح قبل أقل من شهر من الآن بأن “الهند هَزمت كوفيد-19 العام الماضي (يقصد 2020)، وستفعل ذلك مُجددًا”. وذلك ضمن حشد انتخابي (دعائي) ضم الآلاف في غرب البنغال، ظهر فيه مودي دون كمامة. لكن الواقع كَنس غبار خطاباته سريعًا، فبنهاية إبريل 2021 سجلت الهند رقمًا قياسيًّا عالميًّا بلغ 401.993 حالة إصابة بالفيروس و3525 حالة وفاة في يوم واحد.

القتل بالأرباح

خلال العقد الأخير استثمرت الحكومة المركزية الهندية أقل من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي (المُقدر بـ2.869 تريليون دولار أمريكي) في القطاع الصحي. بضغط من السياسات النيوليبرالية لأحزاب: المؤتمر الوطني الهندي (يمين الوسط)، ثم بهاراتيا جاناتا اللذان تبادلا السلطة منذ أواخر الثمانينيات حتى بلغ الإنفاق العام على الصحة تحت حكمهما  بالكاد 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي، ما يجعل من المستحيل مثلًا التطرق إلى أزمة نقص الأكسجين دون الحديث عن تجاهل حكومة “مُودي” طلبًا قَدَّمه حاكم ولاية البنجاب (الصناعية) العام الماضي لإنشاء أربعة مصانع حكومية لأسطوانات الأكسجين بالولاية.   

حتى منتصف إبريل 2021، كانت الحكومة الهندية اعتمدت لقاحين يُصنعان محليًّا هما: Covishield (المُصرح به من Oxford-AstraZeneca) عبر شركة “Serum Institute of India”، ويحتل الحصة الأكبر من الإنتاج، ولقاح covaxin الذي ساهم في تحضيره كل من: المؤسسة الهندية للبحوث الطبية والمعهد الوطني لعلوم الفيروسات (مؤسستين حكوميتين عريقتين يُمولهما دافعوا الضرائب) بالتعاون مع شركة Bharat Biotech الخاصة، والتي احتكرت إنتاج لقاح  covaxin بالرغم من الدعم الحكومي الذي أخرجه إلى النور.

أما لقاح Covishield، فتبيعه شركة “Serum Institute of India” إلى الحكومة الهندية مقابل 5.33 دولارات أمريكية للجرعة الواحدة، في حين تُصدِّره بأسعار أقل إلى أوروبا مقابل 2.18 دولارًا، وتُخطط لتصديره إلى الولايات المتحدة مقابل 4 دولارات للجرعة. في الوقت الذي تعاني فيه الهند من نقص فادح في كميات اللقاح اللازمة لتطعيم العدد الملائم من المواطنين في ظل كثافة سكانية مرتفعة (382 شخص لكل كيلو متر مربع) تعزز انتشار الوباء.

 في حين تسمح الحكومة الهندية للشركتين ببيع اللقاحات لصالح المستشفيات الخاصة الهندية (أي: للشرائح الأغنى للمجتمع) لتحقيق أرباح أكثر (حتى بخلاف أوروبا والولايات المُتحدة حيث يُحظَر على المستشفيات الخاصة شراء اللقاح لتجنب التقلبات الحادة في الأسعار)، حيث تحصل الشركة الأولى على 8 دولارات أمريكية للجرعة الواحدة.

 وهكذا يصبح الثمن الذي يتحمله دافع الضرائب الهندي (سيئ التغذية والأفقر نصيبًا من الناتج القومي) في مقابل الحصول على هذا اللقاح، أعلى مما يتحمله نظيره في أوروبا والولايات المُتحدة. هذا بافتراض توفّر اللقاح من الأصل.  

فحتى الآن، بلغ إجمالي عدد الجرعات المُوزَّعة في كامل الأراضي الهندية 123.5 مليون جرعة، وذلك حيث تَلقَّى نحو 107.2 ملايين شخص الجرعة الأولى بنسبة 7.6% من السكان، بينما تلقّى نحو 16.3 مليون شخص جرعتين بنسبة 1.16% من السكان، وهي نسبة بسيطة للغاية قياسًا ببلد يُعَد أحد أكبر مُصنِّعي اللقاحات المُضادة لفيروس كورونا عالميًّا.  

حكومة الاستعراضات الطائشة

 بين 25 مارس و1 مايو من العام الماضي، ونتيجة الإغلاق الكامل، والذي قامت به حكومة “مودي”، حيث منحت مُهلة 4 ساعات فقط للتنقل قبل تطبيقه، بدأ أكثر من 11 مليون من العمال غير المُنتظمين والعالقين في الولايات الهندية الكُبرى رحلات عودة طويلة وشاقة إلى قُراهم، وذلك بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل دون مأوى أو إعانة أو خطة مُنظمة لنقلهم. لقد تَركتهم الحكومة ببساطة، وقد أدت هذه الرحلات الجماعية الشاقة (سيرًا على الأقدام في أحيان كثيرة) بشكل مُباشر إلى ما لا يقل عن 971 حالة وفاة نتيجة الإرهاق الشديد والتكدس داخل وسائل النقل، وبخاصة القطارات. إضافةً إلى ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد -19 الذي تسبب فيها التكدس ذاته.

المفارقة أنه بعد عام واحد تقريبًا، وتحديدًا في الفترة من 14 يناير إلى 27 إبريل من العام الجاري، سمحت نفس الحكومة، مَدفوعةً بميولها القومية الهندوسية المُتطرفة، وسعيًا لاكتساب تأييد الناخبين الهندوس، بتجمُّع أكثر من 9 ملايين شخص في الحج الهندوسي الشهير “كومبه ميلا”، حيث توافدت هذه الأعداد على 4 مواقع مُتفرقة من البلاد، أكبر هذه التجمعات شهده غطاس “سومفاتي” على ضفة نهر الجانج، حيث احتشد 3.5 ملايين شخص في وقت واحد يوم 12 إبريل.

هذا الإصرار من حكومة مودي، أولًا: على تطبيق قرارات انفعالية وطائشة تُحركها ميول الحزب الشعبوية: إنكار، ثم إغلاق، ثم إعادة فتَح تُصاحبها رحلات حج ضخمة، وصولًا إلى جولات انتخابية كُبرى يقوم بها حزبه. هذه القرارات غير العابئة بالعِلم: بعض مسؤولي وأعضاء الحزب نصحوا المواطنين باحتساء بول البقر، حتى إن الكاميرا التقطت أحدهم يَسقيه لامرأة مُصابة بالفيروس.

ثانيًا، وهو الأهم: الإصرار على اتِّباع الوصفة النيوليبرالية بحذافيرها حتى النهاية دون تقديم دعم مقبول للقطاع الصحي، وذلك بخلاف بعض الدول التي خففت قليلًا من حدة تلك الوصفة، مثل حكومات بريطانيا وإسبانيا (التي أخضعت المستشفيات الخاصة للإشراف الحكومي) وحتى الولايات المُتحدة (التي أجبرت مصانع خاصة على تصنيع المستلزمات الطبية). الشيء الذي كلَّف الهند، إلى جانب دول أخرى أصرَّت على اتباع الوصفة نفسها للنهاية (مثل البرازيل التي يحكمها حزب يميني مُتطرف شبيه بحزب مودي) ملايين الإصابات وآلاف الوفيات. إضافةً إلى ركود اقتصادي سَعَى هؤلاء إلى تجنبه، فحدث ما هو أسوأ: بلد مشلول تمامًا، أَنهك الوباء عُماله، فلم يعودوا قادرين على العمل، وأُناس يقضون حتفهم على أرصفة المشافي، ومحارق ومقابر للجثث لا تكفي لاستيعاب الوفيات.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter