أنت تقرأ الآن:

كيف تبني البريكس نظامًا عالميًّا جديدًا؟

كيف تبني البريكس نظامًا عالميًّا جديدًا؟

بينما يعاني الغرب والنظام الاقتصادي الدولاري العالمي من أزمات عنيفة تهدد استقراره، تقوى شوكة دول حسبها العالم من قبل بسيطة متواضعة، لا خطر منها ولا أمل فيها، وتهدد بوجودها النظام العالمي أحادي القطب الحالي، ومن أبرز أشكال التحدي الجديدة هي كتلة “BRICS”.

و”بريكس” مثلما تحدثنا عنها مسبقًا، هي منظمة تجتمع فيها خمس قوى اقتصادية كبرى تحاول أن تستقل عن هيمنة النظام الغربي الاقتصادي: الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهدفها المعلن توفير نظام اقتصادي موازٍ يسمح للدول بالتعاون بعيدًا عن هيمنة النظام الدولاري الغربي، خصوصًا وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي كسلاح لفرض العقوبات على الدول المخالفة لأهدافها السياسية المعلنة، مثلما في الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، وحتى الدول والمؤسسات الأوروبية الحليفة لأمريكا تنالها العقوبات أحيانًا لو خالفت التعليمات الأمريكية وتعاملت مع أي من معاقبيها المنبوذين. حتى وصفت العقوبات الاقتصادية الأمريكية بأنها قنبلة نووية اقتصادية، لأن تأثيرها المدمر في الاقتصاد المحلي يكون أشبه بالدمار النووي.

ما حدا بكثير من قادة العالم، ومنهم حلفاء أمريكا المقربون، بالبحث عن بدائل أخرى للتجارة الدولية غير النظام الدولاري، حيث لا تضمن أي دولة ألا تقرر أمريكا معاقبتها مستقبلًا بشكل أو بآخر؟  مثلما صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه يجب على أوروبا أن تقلل اعتمادها على الدولار الأمريكي خارج “الحدود الإقليمية”.

إنجاز مجموعة بريكس الأول كان إنشاء بنك التنمية الجديد (NDB) عام 2015، وهو منظمة تابعة لدول البريكس توازي البنك الدولي، برأس مال 100 مليار دولار، حيث يهدف إلى دعم مشروعات التنمية في الدول الناشئة، وحصص الدول المشاركة فيه متساوية ولا تملك دولة حق فيتو على أخرى. قدّم البنك حتى الآن قروضًا بـ10.2 مليارات دولار لتنفيذ 39 مشروعًا في 16 دولة، لدعم مشاريع النقل والطاقة والمياه وغيرها من ضروريات البنية التحتية. وتوسعت عضوية البنك في السنوات الأخيرة، وانضمت له في 2023 مصر، بعد انضمام الإمارات العربية المتحدة وبنغلادش والأوروجواي.

بشكل منفرد، تحاول الصين تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، حيث استطاعت الاتفاق مع البرازيل على التخلي عن الدولار في التجارة بين البلدين واستخدام العملات المحلية لهما بدلًا منه، والتي كان حجمها سابقًا 150 مليار دولار وتزيد سنويًّا، وفعلت المثل مع روسيا وباكستان والأرجنتين، وتفاوض السعودية على بيع النفط من السعودية للصين باليوان لا الدولار، في سعي إلى جعل اليوان عملة الاحتياطي العالمي الجديدة بدلًا من الدولار.

في المقابل يتربع أمر إنشاء عملة جديدة موحدة لدول البريكس مستندة إلى سلة عملات الدول الأعضاء على رأس المشاريع التي تناقشها وتعمل عليها دول البريكس. من ناحية قد تكون هذه العملة إن وُجدت منافسًا هائلًا يهدد بإزاحة الدولار عن عرشه، خاصة أن مجموع اقتصادات دول المجموعة يتجاوز خمس اقتصاد العالم، في المقابل ستعتمد قوة هذه العملة على تعاون الدول المؤسسة الكامل في كل النواحي، واستقرارها السياسي والاقتصادي، وهي أشياء تفتقر إليها غالبية تلك الدول.

وقد علّقت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا على أن مناقشة موضوع العملة الجديدة سيكون على رأس أولويات اجتماع دول البريكس القادم في جوهانسبرغ أغسطس 2023، ويجب أن يناقش بحذر: “وعلينا ألا نفترض دوماً أن الفكرة ستنجح، لأن اقتصادياتها صعبة جدًّا، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار ظروف كل البلدان، خصوصًا في حالة النمو الاقتصادي المنخفض بعد الخروج من الأزمات”.

ويبدو أيضًا أن من خطط المنظمة التوسع وضمّ دول جديدة، وقد صرحت أن في السنوات الأخيرة تقدمت 19 دولة بطلب الانضمام إلى كتلة البريكس، وهو شيء يمكن فهمه في ظل ترنح الهيمنة الأمريكية مؤخرًا وتعنّتها في فرض العقوبات المؤذية بلا حساب، ما يحذو بالأصدقاء قبل الأعداء على اتخاذ احتياطاتهم.

من أبرز الدول التي تقدمت لعضوية البريكس: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين وإيران وتركيا والأرجنتين ونيجيريا وكينيا وبنجلادش وغيرها. وتجري المباحثات بين البريكس والدول الراغبة في الانضمام لدراسة إمكانية تحقيق ذلك.

في حالة انضمام المملكة العربية السعودية بالذات، سيتحقق للبريكس ثقل عالمي غير مسبوق، حيث إنها سترفع اجمالي الدخل المحلي للمجموعة بنسبة %10، وإجمالي إنتاجها للنفط بنسبة %20، إضافة إلى أن السعودية فاعل سياسي رئيس في منطقة الشرق الأوسط، وهو شيء تفتقر إليه مجموعة البريكس وتحتاج إليه بشدة. وعلى الصعيد العالمي، كانت المملكة حليفًا أساسيًّا للولايات المتحدة الأمريكية، ونفطها من أهم عوامل قوة الدولار. لكن العلاقة السعودية الأمريكية لم تكن في أفضل حال في السنوات الأخيرة، وتحاول الإدارة الأمريكية رأب الصدع خوفًا من انحياز السعودية للمعسكر المناهض. إذا أتمت السعودية انضمامها للبريكس وأخذت تتبع سياسات المنظمة الاقتصادية، وبدأت تواجه بشكل فعال الهيمنة الدولارية، سيعني ذلك ترنحًا شبه قاتل للبنية الاقتصادية الغربية للعالم، وبدء عالم جديد متعدد الأقطاب، وهو ما تسعى إليه قيادات دول البريكس قبل كل شيء.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter