أنت تقرأ الآن:

فَتِّش عن الولايات المتحدة.. لماذا اشتركت الصين وروسيا في مناورات عسكرية جوية داخل كوريا الجنوبية؟

فَتِّش عن الولايات المتحدة.. لماذا اشتركت الصين وروسيا في مناورات عسكرية جوية داخل كوريا الجنوبية؟

في الثامن من يونيو من العام الحالي، كان السفير الصيني لدى كوريا الجنوبية “شينغ هايمينغ” يتناول وجبة العشاء مع “جاي ميونغ”، زعيم المعارضة والمنتقد الشرس لرئيس كوريا الجنوبية “يون سوك يول”. في أثناء الحفل، ألقى السفير الصيني خطابًا انتقد فيه السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية وانسجامها مع الولايات المتحدة. 

في اليوم التالي استدعى النائب الأول لوزير خارجية كوريا الجنوبية “تشانغ هو جين شينغ” السفير الصيني لدى بلاده احتجاجًا على تعليقات “لا تُغتفر” صرح بها في أثناء خطاب ألقاه على نطاق واسع، ووصفها بأنها “انحراف عن واجباته الدبلوماسية”.

أصدرت السفارة الصينية بيانًا أكدت فيه أن “العلاقات الثنائية تمرّ بصعوبات بالغة، وأن المسؤولية لا تقع على بلادها”، مُلمّحة أن كوريا الجنوبية تنصاع لعوامل خارجية مثل ضغوط الولايات المتحدة ضد الصين، ورغم ذلك، اعتذرت السفارة عمّا صدر من السفير من أقوال وأفعال استفزازية وغير تقليدية، تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية.

لم يكن الاستفزاز وليد صدفة، حيث إن التوترات بين البلدين تصاعدت منذ أبريل الماضي عندما أدان رئيس كوريا الجنوبية “يون سوك يول” استخدام الصين التهديدات العسكرية المتزايدة في محاولة لتغيير الوضع الراهن في تايوان، وأضاف أن مسألة تايوان قضية عالمية وليست قضية داخلية بحتة كما تدّعي الصين. وبّخت الخارجية الصينية رئيس كوريا الجنوبية، فاستدعت كوريا الجنوبية السفير الصيني لدى بلادها ووصفت الانتقادات بأنها “لا توصف”، وأن استخفاف الصين بالرئيس يون “بلا أساس”. 

في عهد رئيس كوريا الجنوبية “يون” تقاربت العلاقات مع الولايات المتحدة وأصبحت وطيدة، على الرغم من أن الصين شريكها التجاري الرئيس. في المقابل تدرك الصين هذه الحقيقة جيدًا، وتستخدم نفوذها الاقتصادي كوسيلة عقاب لكوريا الجنوبية من وقت لآخر ردًّا على التقارب مع الولايات المتحدة. في عام 2017، شنّت الصين حملة من المقاطعات والعقوبات غير الرسمية ضد الشركات الكورية الجنوبية بعدما  ركّبت الولايات المتحدة نظام دفاع صاروخيًّا داخل كوريا الجنوبية باعتباره تهديدًا لبكين. 

تدهور العلاقات الكورية الجنوبية-الصينية ليست حدثًا منعزلًا، فمنذ مستهلّ العام الحاليّ، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على كوريا الجنوبية لإرسال بعض معدّاتها المخزّنة لدى الأخيرة إلى أوكرانيا لصدّ الغزو الروسي، ما أغضب الرئيس الروسي بوتين الذي لمَّح بإمكانية استئنافه التعاون العسكري مع كوريا الشمالية.

لم تختر كوريا الجنوبية التي تمتلك صناعة دفاعية عالمية المستوى التصادم بشكل صريح مع روسيا، حيث قُدِّمت اقتراحات توحي باستعداد كوريا الجنوبية لبيع أسلحة للولايات المتحدة، حتى تتمكن الأخيرة من شحن مزيد من أسلحتها لأوكرانيا مباشرةً، لأن المساعدات العسكرية الأمريكية إلى أوكرانيا قلّصت مخزون الأسلحة في الولايات المتحدة، لكن متحدثًا باسم وزارة الخارجية الكورية الجنوبية صرّح أن بلاده لم تتوانَ عن تقديم “الدعم الإنساني” للشعب الأوكراني، ولكن موقفها بشأن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا “قد لا يتغير”.

يسعى رئيس كوريا الجنوبية “يون سوك يول” إلى رفع مكانة بلاده لتصبح “دولة محورية عالمية”، وواحدة من أكبر أربعة دول بيعا للأسلحة في العالم، وهو طموح السياسة الخارجية الذي أعلنه منذ توليه منصبه في مايو من العام الماضي. ومن المفهوم ضمنًا أن كوريا الجنوبية تحاول أن تبعث رسالة تحدٍّ غير مباشرة إلى جيرانها “الاستبداديين”. زيادة على هذا الطموح دعمت كوريا الجنوبية العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، ما أدى إلى تدهور العلاقات مع روسيا، وحذّر “بوتين” صراحة أن إرسال ذخيرة إلى أوكرانيا من شأنه أن يفسد علاقاتهما.

وفي أبريل الماضي، عقدت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية اتفاقًا نوويًّا ما أزعج روسيا، وصرحت أن الاتفاق يزعزع استقرار المنطقة والعالم وحذّرت من احتمال حدوث سباق تسلّح، وأن مساعي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتحقيق “تفوق عسكري حاسم” لن يجلب سوى التوترات المتصاعدة. برّر رئيس كوريا الجنوبية “يون سوك يول” الاتفاقية بأن هدفها تعزيز دفاعات بلاده في مواجهة برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي سريع التقدم، أي أن سباق التسلح ليس في حساباته. لكن على أي حال اعتبرتها روسيا استفزازًا واضحًا.

هكذا اجتمعت المبررات الكافية لدى الصين وروسيا لاستفزاز كوريا الجنوبية، حيث دخلت أربع طائرات عسكرية صينية ومثلها روسية منطقة تحديد الدفاع الجوي في البلاد بشكل غير معلن، وهي منطقة خارج المجال الجوي للدولة بهدف التعرف على أي طائرة أجنبية لإتاحة مزيد من الوقت لمواجهة الطائرات المعادية المحتملة. لا توجد قواعد دولية تحكم هذه المناطق، ما جعل كوريا الجنوبية واليابان تخرجان في مناورة مشتركة وتدفعان بطائرات نفاثة، حيث إن طائرتين روسيتين قاذفتين إضافةً إلى قاذفتين صينيتين حلّقتا فوق بحر اليابان حتى بحر الصين الشرقي. ونشرت كوريا الجنوبية مقاتلات بهدف القيام بخطوات تكتيكية استعدادًا لمواجهة المواقف العرضية المحتملة، ثم قدمت وزارة الدفاع لكوريا الجنوبية احتجاجًا صارمًا لدى سفارتي بكين وموسكو، لكن وزارة الدفاع الصينية بررت أن الدوريات المشتركة مع الطائرات القاذفة الروسية كانت جزءًا من التدريبات التي بدأت منذ عام 2019.

أكد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن التواصل بين بكين وواشنطن ضروري لتجنب حدوث أزمة، حيث يشعر بقلق عميق من عدم رغبة الصين في الانخراط في آليات أفضل لإدارة الأزمات بين جيشي البلدين.

هناك عدة احتمالات لفهم تصرفات الصين وروسيا، إذ ربما تجرّبان قدراتهما في استفزاز كوريا الجنوبية حليفة الولايات المتحدة، أو ربما كانت الرسالة مفهومة لدى الأطراف كي يتوصلوا إلى آليات مشتركة يستطيعون معها التنسيق في ظل عالم متغير.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter