أنت تقرأ الآن:

هزائم وانتصارات..إلى ماذا تشير نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا؟

هزائم وانتصارات..إلى ماذا تشير نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا؟

تلقى حزب المحافظين البريطاني الضربة الانتخابية التي كان في انتظارها. فبعد أسابيع من ترقب الهزيمة التي أكدتها استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات، أتت الانتخابات المحلية أخيرًا، لتؤكد له شكوكه. فالانتخابات التي جرت في بداية شهر مايو الجاري، والتي شهدت المنافسة على 107 مجلس محلي وحوالي 2000 مقعدًا،  وصفت نتائجها بأنها قد تكون الأسوأ بالنسبة لحزب المحافظين منذ 40 عامًا. 

إجمالًا، خسر المحافظون ما يقرب من 400 مقعد محلي، ليكون إجمالي مقاعدهم المحلية 515 مقعدًا، في المقابل كسب المنافس التاريخي للمحافظين، وهو حزب العمال البريطاني، أكثر من 200 مقعدًا، ليكون له ما يقرب من 1200 مقعدًا محليًا، بينما توزعت بقية الغنيمة الانتخابية على الأحزاب الأصغر حيث كسب الليبراليون الديمقراطيون حوالي مائة مقعدًا ليكون لهم 522 مقعدًا،، أي أنهم يأتون في المرتبة الثانية خلف العمال وأمام المحافظين، وفاز الخضر ب60 مقعدًا ليكون إجمالي مقاعدهم 180 مقعدًا، بقية المقاعد المحلية ذهبت إلى مرشحين مستقلين.

بهذه النتيجة فقد المحافظون السيطرة على عشر مجالس محلية كانوا يشكلون فيها الأغلبية، وخلفهم العمال في السيطرة على ثمان من هذه المجلس، وأصبح يسيطر على 51 مجلس محلي من إجمالي ال 107، وسيطر الليبراليون الديمقراطيون على اثنين فقط منها، لتمتد سيطرتهم على 12 مجبش محلي، وتقلصت سيطرة المحافظين إلى ست مجالس محلية فقط.

رغم أن الانتخابات جرت على مستوى المحليات، والتي تقتصر مسؤوليتها في بريطانيا على تنظيم الحياة في الأحياء والمدن وتضطلع بمهام تنظيم العملية التعليمية والصحية والاهتمام بنظافة الشوارع والأماكن العامة مثل الحدائق، إلا أن الكثيرون اعتبروها مؤشرًا حقيقيًا على الشعبية المتدنية لحزب المحافظين، الذي حكم البلاد منذ أن جاء ديفيد كاميرون رئيسًا للوزراء في مايو 2010. هذا التدني في الشعبية قد يطرد المحافظين من الحكومة لأول مرة من 14 عامًا، خاصة في ظل ترقب الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يعتقد الكثيرون أنها ستجرى قبل نهاية العام الحالي.

لم تقتصر الهزيمة الانتخابية للمحافظين على مجالس المحليات، فقد خسروا كذلك منصب عمدة لندن، حين تمكن صادق خان، العمدة الحالي والمنتمي لحزب العمال، من الفوز للمرة الثالثة على التوالي بالمنصب، وهو أول من يتمكن من تحقيق هذا الانجاز، حيث حصل على 43% من الأصوات، بينما حصلت مرشحة المحافظين سوزان هال على 32% ، وحصل كل من مرشحي الليبراليين الديموقراطيين والخضر على 6%.

خسر المحافظين كذلك، المقعد النيابي الوحيد، الذي تم التصويت عليه في هذه الانتخابات، والذي حصل عليه العمال. وكانت المفاجأة في المنافسة على هذا المقعد، هو منافسة حزب إصلاح بريطانيا، بزعامة نيجيل فاراج، للمحافظين على المركز الثاني في الانتخابات.

وقد وصف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك النتائج الانتخابية بأنها مخيبة للآمال، لكنه بدا متمسكًا في المقابل بخططه الحالية، حيث قال “إن الالتزام بخطة الحزب ستمكننا من حماية حدودنا، وتنمية الاقتصاد، وخلق فرص لكل الأشخاص ليزدهروا في هذه البلد العظيمة. في المقابل، احتفى زعيم حزب العمال، كير ستارمر، والذي خلف في المنصب جيرمي كوربين عام 2020، بالفوز الذي حققه حزب، وقال إن النتائج تشكل “ظاهرة”، وتعني أن المصوتين قد سئموا من المحافظين بعد 14 عامًا من التدهور الاقتصادي والفوضى، ودعا خصمه المحافظ إلى الإسراع بإجراء انتخابات نيابية عامة.

ماذا تقول النتائج؟

تشير نتائج الانتخابات إلى أفضلية كبيرة سيحوزها العمال حال إجراء انتخابات نيابية عامة في البلاد. لكن يرى مراقبون أن السلوك التصويتي للمواطنين يختلف في الانتخابات المحلية عنه في الانتخابات العامة، حيث يميل الناس في الانتخابات المحلية للتصويت للأحزاب الصغيرة، بينما ينحازون في الانتخابات العامة إلى أحد الحزبين الكبيرين: المحافظين والعمال. ولذلك قد لا تعكس انتصارات أحزاب مثل الخضر والليبراليين الديموقراطيين، قدرتهم على المنافسة الجادة على المقاعد النيابية.

واعتبر المراقبون  أن انتصارات حزب العمال تعكس تراجع ثقة المواطن البريطاني في قدرة حزب المحافظين على الوعد بأي مستقبل واعد للبلاد، خاصة في ظل الفوضى المستمرة التي سببها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، بعد تصويت دعا له رئيس الوزراء المحافظ السابق ديفيد كاميرون.

أما عن احتمالية أن تؤثر الانتخابات على استمرار تواجد ريشي سوناك في رئاسة الحكومة، يرى الكثيرون أنها احتمالية بعيدة، حيث لا يوجد وجه شعبي آخر لدى الحزب، غير رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، ولا يبدو أن الكثيرين داخل الحزب يريدون عودته مرة أخرى إلى القيادة.

على الناحية الأخرى، وبالرغم من تحقيقه انتصارًا انتخابيًا كبيرًا، يرى مراقبون أن حزب العمال البريطاني عانى من تراجع التأييد له داخل الأقليات المسلمة في البلاد، خاصة في ظل الموقف البريطاني من الحرب الدائرة في غزة منذ أكتوبر الماضي. والتي تسببت في ميل الكثير من المواطنين المسلمين إلى التصويت لأحزاب أخرى غير العمال، وهو الحزب المفضل تقليديًا لديهم. وقد قال أحد القيادات داخل حزب العمال إنهم سيعلمون من أجل اكتساب ثقة المواطنين المسلمين مرة أخرى. حيث يخشى قيادات الحزب أن يؤثر هذا التراجع في خسارة الحزب بعض المقاعد الانتخابية في الانتخابات المقبلة، خاصة في الدوائر التي يشكل فيها المواطنون المسلمون نسبة معتبرة من المصوتين.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter