Uncategorized الدبلوماسية النووية.. كيف تحاول كوريا الشمالية إنقاذ اقتصادها بإطلاق صواريخ نووية؟ Nuqta Doc منذ 3 سنوات يوم الخميس 30 سبتمبر أعلنت وكالة الأنباء المركزية الكورية، وهي الوكالة الإخبارية الرسمية في كوريا الشمالية، أن بلادها أطلقت قبل يوم واحد صاروخًا مضادًّا للطائرات ضمن سلسلة تجارب لترسانتها العسكرية النووية، وذلك تزامنًا مع وقف المحادثات مع الولايات المتحدة لنزع سلاح كوريا النووي. فقبل تلك التجربة بيومين فقط تم إطلاق صاروخ اخترق جدار الصوت، وقبل ذلك بأسبوعين أُطلقت صواريخ باليستية وصاروخ كروز بعيد المدى من المتوقع أن لديه قدرات نووية، منتهكةً بذلك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تلزم كوريا الشمالية بالتوقف عن جميع الأنشطة التي تتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية بشكل كامل، ومستغلةً ثغرة غياب بند واضح بين سطور تلك القرارات يشير إلى التخلي أو عدم امتلاك صواريخ كروز لتزيد من قدراتها. وتفاخرت وكالة الأنباء المركزية الكورية بمميزات النوع الجديد من الصواريخ المضادة للطائرات من استجابة أسرع وتوجيه أدق في نظام التحكم ومسافات أكبر في إسقاط الأهداف الجوية. حتى وإن كانت كوريا الشمالية ذكرت أن تجاربها على أسلحتها تهدف إلى تطوير قدراتها الدفاعية كما تفعل بقية الدول، فإن نشاطها النووي المكثف أجبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على عقد اجتماع مغلق لمناقشة تلك التجارب وتقييمها، ووصفت الولايات المتحدة التجارب النووية بأنها “زعزعة للاستقرار وتهديد إقليمي”، ودفعت رئيس كوريا الجنوبية إلى التلميح بأن بلاده ستتصدى لأي عمل يهدد الأمن بصرامة، وذلك في أثناء خطاب ألقاه بمناسبة الاحتفال بالعيد الثالث والسبعين للقوات المسلحة يوم الجمعة الموافق الأول من أكتوبر، ما جعل كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بانتهاج معايير مزدوجة وسياسة عدائية. إذا كانت كوريا الشمالية لا تنوي استهداف أي دولة، وليس لديها خطط عدائية، فلماذا تستفز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟ ولماذا أعلن رئيس كوريا الجنوبية أن بلاده تشعر بخطر يهدد أمنها؟ رسائل كوريا الشمالية المربكة أطلقت كوريا الشمالية الصواريخ لاستعراض ترسانتها النووية العسكرية، وذلك بعد أسبوع واحد من انفتاحها على عقد محادثات تهدف إلى التهدئة مع جارتها الجنوبية، واقتراحها إعادة فتح الخط الساخن بين البلدين. في المقابل وصف زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، بـ”الغبي” في الأول من سبتمبر من العام الحالي، أي يوم إطلاق الصواريخ الباليستية. تنتهج كوريا الشمالية استراتيجية تُنفَّذ بعناية على أساس استعراض القدرات العسكرية النووية، لكن دون المخاطرة بإعاقة فرص عقد محادثات السلام. وبتعرقل المفاوضات مع الولايات المتحدة أرادت كوريا الشمالية أن تُذكّر المجتمع الدولي بأنها تطور أسلحتها النووية القادرة على إصابة أهدافها، حتى وإن لم تشكّل تلك الصواريخ تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة أو لحلفائها حتى الآن، بسبب حرص كوريا الشمالية على ألا تختبر صاروخًا نوويًّا أو باليستيًّا عابرًا للقارات لأنه بحدوث ذلك ستلجأ الولايات المتحدة إلى عقوبات أشد أو ما هو أسوأ من ذلك. يعي زعيم كوريا الشمالية اللحظة الدبلوماسية المعقدة التي ينفذ فيها استراتيجيته، إذ يحاول استئناف الحوار مع رئيس كوريا الجنوبية الحالي مون جاي إن، قبل أن يترك منصبه في مايو القادم، في الوقت الذي لا تلتفت إدارة جو بايدن إلى ملف كوريا الجنوبية. كيم جونغ أون أول زعيم كوري شمالي يعقد قمة مع رئيس أمريكي، وذلك عندما التقى دونالد ترامب ثلاث مرات بين عامي 2018 و2019، رغبةً منه في تحسين اقتصاد بلاده عن طريق رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بعد تنفيذ برنامجه النووي وإجراء اختبارات صواريخ باليستية عابرة للقارات. لكن الجهود الدبلوماسية التي بذلها زعيم كوريا الشمالية فشلت، واستمرت العقوبات. بعدها انتشر وباء كورونا ليزيد من تعثر اقتصاد كوريا الشمالية. تلك هي النتيجة التي كانت ترغب فيها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية كي لا تجد كوريا الشمالية مفرًّا من الحوار، لكن كيم جونغ أون أثبت أن الحليفين على خطأ. فعندما فشلت المحادثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2019، كرّس زعيم كوريا الشمالية جهوده في تجاوز الأزمة الاقتصادية عبر تطوير ترسانة بلاده النووية باعتبارها الوسيلة الدبلوماسية الوحيدة والرادعة للعقوبات الأمريكية لأن إظهار القدرات العسكرية المتنامية تضفي الشرعية على حكمه رغم عدم قدرته على تحسين الوضع الاقتصادي لشعبه. ملف كوريا الشمالية في عهد بايدن الاختبار الأخير للصاروخ المضاد للطائرات يشير إلى أن كوريا الشمالية في طريقها إلى إنتاج سلاح يشبه في قدراته أنظمة الدفاع الجوي الروسي بعيدة المدى إس-400 التي يمكن اعتبارها واحدة من أفضل أنظمة الدفاع الجوي حاليًّا. ولذلك لم تتكاسل الإدارة الأمريكية عن دعوة زعيم كوريا الشمالية إلى العودة إلى المحادثات عدة مرات، لكنها دائمًا ما تصطدم بشروط كيم جونغ أون، والتي تتلخص في تخلي الولايات المتحدة عن سياستها العدائية بتخفيف العقوبات والتوقف عن التدريبات العسكرية المشتركة التي تجريها مع كوريا الجنوبية. زعيم كوريا الشمالية لا ينوي التخلي عن أسلحته النووية، لكنه يرحب بخفضها. ففي أثناء المحادثات مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عرض كيم جونغ أون تفكيكًا جزئيًّا لترسانة بلاده النووية، لكن ترامب رفض العرض. وبالتالي ترى كوريا الشمالية العودة إلى الحوار دون شروط أو المشاركة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة خدعة تافهة من المجتمع الدولي بهدف إخفاء أعماله العدائية. ويبدو أن كوريا الشمالية لا تهتم كثيرًا بمحادثات نزع السلاح النووي كي تمتثل لأوامر الأمم المتحدة، ومن ثم يتم رفع العقوبات وتنتعش اقتصاديًّا، لكن الأرجح أنها ترغب في الحصول على تعويضٍ ما مقابل ضبط النفس الذي تمارسه كقوة عسكرية نووية. تلك المعادلة التفاوضية الصعبة مع كوريا الشمالية تربك الإدارة الأمريكية، وتجعلها مترددة في التواصل مع كيم جونغ أون. من ناحية، لا تريد الولايات المتحدة إعادة المحادثات مع كوريا الشمالية لمجرد تخفيف العقوبات دون التخلي عن أسلحتها النووية، ومن ناحية أخرى، انعدام المشاركة الدبلوماسية بين البلدين يعني إضاعة فرص ردعها عن تطوير ترسانتها النووية، مخاطرًا بفتح سباق التسلح في المنطقة. وفي المقابل، لا يغامر زعيم كوريا الشمالية باستفزاز الإدارة الأمريكية الحالية كما فعل في عهد ترامب عام 2017 عندما أطلق ثلاثة صواريخ باليستية عابرة للقارات وصاروخًا نوويًّا، فأجبر ترامب على إعادة المحادثات. فإجراء مثل هذه التجارب في عهد بايدن قد يزيد من حدة توتر العلاقات ويدفع بمزيد من عقوبات الأمم المتحدة، وقد تُصنّف المنطقة بـ”الخطرة”، فتنزعج الصين التي تُحضّر دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في فبراير القادم في عاصمتها بكين. فالنتيجة التي تسعى إليها كوريا الشمالية هي إجبار بايدن على إعادة المحادثات بشروطها، مع الحفاظ على صفو علاقاتها بالصين، حيث تحتاج مساعدتها إلى النجاة من عقوبات جديدة قد تفرضها الأمم المتحدة، وتستند إلى دعمها لإعادة بناء الاقتصاد المنهار. لم تسع كوريا الشمالية إلى تجديد المحادثات منذ تولّي جو بايدن الرئاسة الأمريكية. وعندما اختبر كيم جونغ أون الصواريخ الباليستية في مارس الماضي، لم تُظهر الإدارة الأمريكية اهتمامًا، ولم تتخذ أي إجراءات مضادة جدية. بعد ذلك بدأت سلسلة لا تنتهي من اختبارات الصواريخ، واعتبرت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أن ما تفعله كوريا الشمالية ما هو إلا سلوك اعتادته. ورغم يأسه من إعادة عملية السلام في شبه الجزيرة الكورية إلى مسارها الصحيح، لم يكف رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، عن محاولاته لمواصلة الحوار مع كيم جونغ أون، ويعتبر ذلك “قَدَر حكومته”، فهو الذي سعى إلى ترتيب اجتماعات القمة الثلاثية بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وزعيم كوريا الشمالية. وإذا كان كيم جونغ أون يقول إنه لا ينوي استفزاز كوريا الجنوبية ولا يخطط لإيذائها، فذلك يكشف عن استجداء كوريا الشمالية جارتها الجنوبية لمساعدتها في الضغط على الولايات المتحدة لإعادة فتح الحوار. وجاءت استجابة الولايات المتحدة بأن أشارت إلى أنها سترسل مساعدات إنسانية إلى كوريا الشمالية تحفيزًا لها من أجل الموافقة على إعادة المحادثات. لكن طريقة الولايات المتحدة التقليدية بتقديم مساعدات قد لا تنجح، حيث يُحجِم كيم جونغ أون عن قبول مساعدات خارجية منذ انتشار وباء كورونا. دبلوماسية كوريا الشمالية النووية النهج الذي يتبعه كيم جونغ أون يهدف إلى ضمان اعتراف المجتمع الدولي ببلاده كدولة تمتلك أسلحة نووية، وذلك من خلال محاولة الوقيعة بين الحليفين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية عن طريق التوجه لواحدة بحديث عدائي ثم التودد إلى الأخرى. يدرك زعيم كوريا الشمالية رغبة رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن في إرساء السلام بين الكوريتين، فإن نجح في تلك المهمة، فسيترك بصمة في تاريخه الدبلوماسي قبل أن يغادر منصبه في مايو القادم، وبالتالي يضغط كيم جونغ أون على كوريا الجنوبية كي تستدعي الولايات المتحدة لإعادة المحادثات في توقيت لا ترغب فيه إدراة بايدن بقبول شروط كوريا الشمالية. وعلى الرغم من ذلك، فإن إدارة بايدن دائمًا ما تدعو كوريا الشمالية إلى قبول عرضها في إعادة المحادثات لكسر الجمود حول نزع سلاحها النووي، مؤكدةً أن ليس لديها نية عدائية تجاهها، ومستعدة للنقاش حول طبيعة تجارب الصواريخ النووية. وقدّم البيت الأبيض مقترحات تخص ملفات عديدة مع المسؤولين في كوريا الشمالية، لكنه لم يتلق الرد حتى تلك اللحظة. أكدت كوريا الجنوبية أن الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية في مرحلة مبكرة من التطوير، وسيستغرق مدة طويلة حتى يتمكن من إصابة أهدافه. فقد وصفت المخابرات العسكرية الكورية الجنوبية التجربة بأنها فاشلة. ومع ذلك، فإن تطوير كوريا الشمالية نظام أسلحتها يزيد من قدراتها الاستراتيجية لأن تلك الصواريخ تعد من الجيل التالي من الأسلحة، إذ لا تترك للعدو وقتًا يرد فيه على الهجوم، وبالتالي تقلب الموازين التقليدية للانتصار والهزيمة. وكذلك تكثيف كوريا تجاربها النووية يعني أنها دخلت في منافسة مع الدول العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا في تصنيع أسلحة من الفئة نفسها، وإن كان مقارنتها بمميزات صواريخ تلك الدول لا تزال غير دقيقة. فحتى الوقت الحالي تستطيع صواريخ كوريا الشمالية إصابة الأهداف قصيرة المدى فقط، أي يمكنها استهداف كوريا الجنوبية أو اليابان. على الرغم من ذلك، فتنويع كوريا الشمالية لترسانتها العسكرية يضيف إلى نظام كيم جونغ أون قدرة أكبر على تهديد خصومه. بعيدًا عن مدى القوة التي وصلت إليها الترسانة النووية العسكرية حتى آخر تجربة أجراها كيم جونغ أون، وبغض النظر عن تجميد الولايات المتحدة ملف اختبارات كوريا الشمالية لصواريخها، واعتبار أنها لم تصل إلى التطور المقلق، وأنها في مأمن من ضربات كيم جونغ أون لأنها مجرد تجارب طائشة. هذا التأجيل لا يعني بالضرورة تجاهل الولايات المتحدة ملف التجارب النووية كوريا الشمالية. فأجهزة الاستخبارات الأمريكية متأكدة من امتلاكها عشرات الرؤوس الحربية النووية. الهدف من تجارب الصواريخ استفزاز المجتمع الدولي لجذب انتباهه، ثم محاولات لتخفيف العقوبات، فالحصول على تنازلات اقتصادية مقابل المماطلة في محادثات نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، لتنتهي إلى عدم موافقة كيم جونغ أون على التخلي عن سلاحه النووي، ثم تبدأ المناورة لتقع الولايات المتحدة فريسة من جديد. لكن في كل مناورة دبلوماسية يطور كيم جونغ أون من قدرة صاروخ كروز الذي يمتلكه، ما يهدد بشكل واضح مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ويصب في خروجه من أزمات اقتصادية قد تجبره في وقت ما على الرضوخ لنزع سلاحه العسكري النووي، أو لاستخدامه في إطار الحرب الكورية التي لم يعلن أي طرف منهما عن انتهائها ليثبت أن دولته تمتلك أسلحة نووية حقيقية. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.