أنت تقرأ الآن:

سباق الهيمنة.. من سيفوز بكعكة الـA.I؟

سباق الهيمنة.. من سيفوز بكعكة الـA.I؟

تشات جي بي تي غيّر كل شيء..

لم تكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي “Generative AI” هي أول ما ظهر للنور من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بل كانت أبحاث هذا المجال قائمة على قدم وساق في المعامل التكنولوجية الكبرى في العالم على مدى العقد الأخير، لكن في الأعوام الأخيرة قلّ رواج الحديث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مقابل نبوءات أكثر بهرجة، مثل “الميتافيرس”، المنتج الذي حاول “زوكيربيرغ” العام الماضي بيعه لنا على أنه المستقبل ولا شيء سواه.

لكن ظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، الفنية أولًا مثل “دال.إي” و”ميدجورني”، ثم بوت المحادثة الذي لم يسبق له مثيل “تشات جي بي تي”، غيّر المشهد التكنولوجي بالكامل بالإمكانات المهولة التي يقدمها للمستخدمين العاديين ومروّجيه.

بحسب نبوءات مؤسسة “برايس ووترهاوس كوبرز”، فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي سترفع معدلات الدخل المحلي للدول بمعدل %26 بحلول عام 2030، وتضيف للاقتصاد العالمي قرابة 16 تريليون دولار. الكعكة هائلة، وها هم سكان “سيليكون فالي” يتصارعون على النصيب الأكبر.

مع أن “ألفابيت”، الشركة الأم لغوغل، كانت من قبل أكثر الشركات بحثًا وابتكارًا في هذا المجال، خصوصًا وأن جزءًا كبيرًا من تكنولوجيا “تشات جي بي تي” من تطوير باحثي غوغل، فقد بوغتت مثل غيرها بالتطبيق الثوري وانتشاره بين مستخدمي الإنترنت مثل النار في الهشيم، وقبل أن تتخذ رد فعل مناسبًا، كانت ميكروسوفت في نهاية يناير 2023 قد ضخت 10 مليارات دولار في شركة “Open AI” التي قدمت “chat GPT”، وأعلنت أن “chat GPT” سيكون جزءًا من محرك بحث “Bing” الذي يحاول منذ عقود اللحاق بغوغل، وسيكون أيضًا جزءًا من منتجات “Office” الشهيرة.

أدى ذلك إلى إعلان “ألفابيت” حالة الطوارئ داخل مكاتبها، وطُلب من كل موظف قادر على العمل في مجال الذكاء الاصطناعي داخلها ترك أي مشروع يعمل عليه ويتجه إلى المساعدة في برامج الذكاء الاصطناعي على الفور. وأعلنت غوغل في فبراير عن “بارد تشات” (Bard Chat)، برنامج المحادثة المشابه الذي كانت تطوره غوغل منذ فترة، لكن الإعلان المتعجل عن المنتج الذي لم يجهز بعد، نتج عنه تقديم “بارد” لمعلومات غير دقيقة في الإعلان الترويجي له، فقوبل بعاصفة من السخرية على الإنترنت، وجاء بنتيجة عكسية ضربت قيمة أسهم “ألفابيت”.

وحتى “ميتا” لم تعد تتحدث كثيرًا عن “الميتافيرس”، وأعلن “زوكيربيرغ” أن شركته تهدف إلى أن تصبح رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وشهدت بورصة وول-ستريت حمى مشابهة، فقد شاع بين المستثمرين أن تلك الثورة الجديدة ستكون مثل صدور ويندوز 95 عن ميكروسوفت من قبل، أو صدور أول آيفون من آبل. وقفزت أسهم كل الشركات التي ذكرت في خططها استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أو بآخر، مقابل وقوع ما عداها، ما قد يتحول إلى فقاعة اقتصادية مدمرة لو لم تقدم تلك الشركات منتجات قوية فعلًا تكافئ هذا الارتفاع.

لكن خطورة السباق أكثر مما تبدو عليه، المسألة ليست مثلما كانت وقت بدء ظهور الهواتف الذكية، عندما جاء الأندرويد سريعًا لينافس الآيفون، بل في حالة الذكاء الاصطناعي تتطور التكنولوجيا بالاستخدام، أي أن التطبيق الأكثر استخدامًا سيتعلم أوتوماتيكيًّا من مدخلات المستخدمين، وسيتطور أسرع من منافسيه، أي أن من المحتمل أن يظل أول الواصلين على القمة محتميًا عن منافسة المنافسين بقواعد بياناته المتفردة، مثلما كان غوغل لعقود طويلة محرك البحث غير القابل للمنافسة على الإطلاق.

“تشات جي بي تي” حتى الآن هو الأفضل بمسافة، وميكروسوفت باستثمارها الضخم هي أقرب المتنافسين للوصول، لكن غوغل لا يزال في جعبته موارد وأبحاث وترسانة ضخمة تصعب هزيمتها. وعلى أي حال لن يطول الوقت قبل أن تتضح الإجابة، نعرف هذا يقينًا، طالما التكنولوجيا موجودة، فستجد من يستغلها بلا شك، إنما يكمن القلق في مكان آخر.

بذل مطورو “تشات جي بي تي” جهدًا هائلًا في منع النظام من الوقوع في فخ التأثر بالانحيازيات الثقافية والدينية والجنسية والعنصرية بشتى أشكالها، ونبذ التشجيع على العنف والأفكار الهدامة، حيث كانت مشكلة التطبيقات المشابهة على الدوام قبله أنها تتعلم من المستخدمين والمحتويات المتطرفة على الإنترنت، فينعكس ذلك على نواتجها. لكن الآن بعدما احتدم السباق، تُسابق كل المؤسسات الكبرى والصغرى الزمان لتقديم نماذجها القادمة الأكثر تطورًا وربحًا، ما يثير الخوف من ترجيح المطورين مبدأGrowth Over Safety (النمو مقابل الأمان)، أي إطلاق العنان لأدوات التطوير دون الاهتمام الكافي بالجانب الإنساني والأخلاقي في التصميم، ما قد يؤدي إلى عواقب هائلة على المستوى الإنساني والاجتماعي.

وهذا ما شهدنا من قبل مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ففي حين كان “فيسبوك” و”تويتر” يقدمان وعدًا بمستقبل عظيم للتواصل الإنساني مع بدء ظهورهما، تحوّلا مع غيرهما من الشبكات الاجتماعية إلى منصات عرض إعلانات ومحتويات ممولة بالمقام الأول، ولم يعد هناك مكان للتواصل الإنساني أو وصول للمحتويات الأصلية أو الطبيعية دون إعلانات، في مقابل انتشار فيروسي للمحتويات الجدلية والعنصرية والتافهة التي تدرّ الملايين على أصحاب المنصات.

السؤال الأهم والأكثر تأثيرًا في مستقبل البشرية الآن ليس من سيكون الفائز بسباق تسليح الذكاء الاصطناعي، بل كيف سيكون نموذج تحقيق الدخل، أو الـ”monetization” بلغة الإنترنت، والذي سيتبعه سكان سيليكون فالي؟ في المال تكمن الإجابة.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter