سياسة ما سر الاضطراب المفاجئ في السنغال؟ Nuqta Doc منذ سنة واحدة في الأول من شهر يونيو الماضي من العام الحالي، صدر حكم بالسجن مدة سنتين ضد زعيم حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف اختصارًا باسم “باستيف”، “عثمان سونكو”، والمنع من الترشح للرئاسة. وصفت المحاكمة بالملفّقة، حيث تمت تبرئته من اغتصاب موظفة تعمل في صالون تجميل، لكن الحكم بالسجن صدر بسبب تهمة “إفساد الشباب”. أنكر “سونكو” التهمة، واعتبرها جزءًا من مؤامرة تُحاك ضده قبل الانتخابات الرئاسية في فبراير العام القادم، حيث جرت محاولات عدة في السنوات الثلاث الماضية لسجنه، بهدف حرمانه من فرصة خلافة الرئيس الحالي، “ماكي سال”، خصوصًا أن “سونكو” يحظى بدعم متزايد من الشباب، حيث احتل المركز الثالث في أثناء السباق الرئاسي في عام 2019 حينما فاز الرئيس السنغالي الحالي، “ماكي سال”، بولاية ثانية. مؤامرة تبدو حقيقية، حيث إن سجلّ الرئيس الحالي مليء بسيناريوهات مماثلة، ففي عام 2019 بعد فوزه بولاية ثانية بنسبة 58 في المائة من الأصوات، اتُهِم بتدبير اعتقال اثنين من منافسيه لإبعادهم عن السباق، إضافة إلى اعتقال صحفي مدة تقرب من ثلاثة أشهر، حيث قدّم وثيقة يُقال إنها ساهمت في تبرئة “سونكو” من تهمة الاغتصاب، فوُجِّهت إليه تهم “إفشاء معلومات بهدف الإضرار بالدفاع الوطني”، و”نشر معلومات كاذبة”، كذلك أدخل عمدة داكار السابق بتهمة الاختلاس، ونفى مرشحًا آخر بتهمة الفساد بعدما قضى حكمًا بالسجن مدة ثلاث سنوات. هكذا يمكن فهم كيفية استخدام الرئيس الحالي الوسائل القانونية بشكل ممنهج وفعال لإخراس المعارضة السياسية، فيما يُعرف باسم “الحرب القانونية”. في أعقاب المحاكمة ضد “سونكو”، اجتاحت المظاهرات البلاد تنديدًا بالحكم، وأدت إلى اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن. في عملية عسكرية واسعة النطاق، اعتُقل فيها 500 متظاهر، وقيدت الحكومة الوصول إلى عدد من وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل، ثم قطعت خدمات الإنترنت مدة تقترب من 3 أيام، كذلك حظرت استخدام الدراجات النارية التي تحظى بشعبية واسعة بين الشباب. وفي باريس، نظم بعض الشباب السنغاليين المبعدين قصرًا وقفة احتجاجية على الحكم، خصوصًا أنه صدر غيابيًّا، وأن “سونكو” معرَّض للاعتقال في أي لحظة، وفقًا لبيان وزارة العدل السنغالية، ما دفع الحكومة السنغالية إلى إغلاق عدد من قنصلياتها في بعض المدن مثل باريس ونيويورك بسبب تعرضها لموجات متزايدة من الاحتجاجات. وبالنظر إلى الغضب الواسع الذي سبّبه مجرد الحكم عليه، فإن تنفيذ الحُكم قد يخلق موجات جديدة من الاضطرابات التي من المتوقع أن تستمر طويلًا، خصوصًا بعد إخفاق الحكومة في دعم الأشخاص المتضررين من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والاحتياجات اليومية الأساسية، إضافة إلى اتباع سياسات تزيد سيطرة قوى خارجية مثل فرنسا على الاقتصاد والنظام السياسي، ما يُفسَّر غالبًا بأنها عودة إلى زمن الاستعمار الفرنسي. السياسي المعارض “سونكو” معروف جيدًا كيف يلعب ورقة القومية، جاذبًا كثيرًا من الشباب الغاضب والمُحبَط والناقم على الفرنسيين، ويستخدم اندفاعهم وحماسهم للإطاحة بالرئيس “سال”، وبذلك يعطيهم الأمل في تغيير الوضع القائم. بعد الحكم بالسجن على زعيم حزب “باستيف”، تصاعدت الفوضى وتزايد العنف فيما ينذر باندلاع حرب أهلية في السنغال، والتي كانت تعد واحدة من أكثر الدول استقرارًا في قارة مضطربة، حيث أثنت عليها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، واعتبرتها “منارة الضوء للدول الإفريقية”، ووصفها زعيم جنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا، أنها “اجتماع لعناصر متباينة خلقت ثقافة فريدة ومميزة”، وصنّفها البنك الدولي في تقرير صدر العام الماضي بأنها “واحدة من أكثر البلدان استقرارًا في إفريقيا التي شهدت ثلاث تحولات سياسية سلمية منذ الاستقلال”. كما أن تعامل الحكومة السنغالية مع الاضطرابات بالعنف المفرط، حيث سقط ما يقرب من 23 شخصًا، وأصيب المئات في شهر يونيو الماضي فقط، أفقد البلاد مكانتها كمقصد سياحي حيوي وآمن للأوروبيين الذين يريدون الاستمتاع بوجهة إفريقية. اتهمت حكومة “سال” زعيم المعارضة سونكو ببدء الإضرابات، حيث دعا أنصاره صراحة إلى وقف جميع الأنشطة والنزول إلى الشارع، متهمًا الرئيس الحالي بتحضيره انقلابًا على الدستور لتعديله كي يتمكن من الترشح مرة ثالثة، ما يتعارض مع الدستور الذي لا يسمح لأي شخص أن يشغل منصب الرئاسة أكثر من فترتين متتاليتين. وفي سيناريو آخر، يُعتَقد أن الرئيس الحالي “سال” يخطط لعدم احتساب فترة ولايته الأولى التي امتدت سبع سنوات. وعلى الرغم من احتواء الحكومة لهذه التظاهرات وعودة الهدوء إلى الشوارع مؤقتا، بعد أن غرقت البلاد في الفوضى وانتشرت أعمال النهب والسرقة وخُرِّبت الممتلكات الخاصة ودُمِّرت مباني الشركات الفرنسية، فقد زُعزعت الحالة الاقتصادية وهربت الاستثمارات الأجنبية والدعم المالي بسبب تردي سمعتها في المجتمع الدولي، ما يقلل فرص خفض الدين العام، وتضرر مجال السياحة بعدما كان يتوقع أن يعود إلى مستويات ما قبل انتشار وباء كورونا خلال الأعوام القليلة المقبلة. باعتبارها طرفًا محايدًا، دعت فرنسا الطرفين لحل الأزمة، وحثت الرئيس على تأكيد رغبته في عدم الترشح لولاية ثالثة، وأكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه على استعداد لتقديم “مخرج” له، قد يُفهم على أساس ضمان “منفى آمن”. على ما يبدو أن فرنسا تبحث عن حلول فردية لأشخاص بعينهم، ولا تهتم بعملية إصلاح سياسي أو إشراك الشباب في العملية السياسية بدلًا من استقطابهم من المعارضة واستخدامهم كأداة للوصول إلى السلطة. دخلت السنغال منعطفًا خطرًا من الاضطراب السياسي مصاحبًا لنكسة اقتصادية لن تستيطع تجاوز آثارها، على الأقل في المستقبل القريب. ويقف المجتمع الدولي متفرجًا، ولم يتحرك حتى دفاعًا عن قيم يكرر دائمًا أنه يدافع عنها، بل ينظر إلى كيفية حماية مصالحه الاقتصادية واستمرارية حالة تبعية البلدان الإفريقية لبلدان استعمارية سابقة. شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.