أنت تقرأ الآن:

الطريق إلى المستقبل: كيف يخطط “مارك” للربح من “ميتافيرس”؟ ولماذا؟

الطريق إلى المستقبل: كيف يخطط “مارك” للربح من “ميتافيرس”؟ ولماذا؟

معاذ يوسف

“في هذا الفصل التالي من حياة شركتنا أعتقد أننا سنتحول من شركة تواصل اجتماعي إلى شركة ميتافيرس”.

ربما تعتقد أن هذا التصريح صدر عن مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، في شهر أكتوبر الماضي الذي أعلن فيه إنشاء شركة أُمّ تسمى “ميتا” (Meta) ليجمع فيها تطبيقات الشركة تحت علامة تجارية واحدة.

لكن الواقع أن طموحات مارك في الميتافيرس قد بدأت منذ وقت طويل. والتصريح بالأعلى كان أدلى به في شهر يوليو الماضي. لذا لم يفاجئ الكثيرين بتصريحاته، إذ يأمل أن يكون الميتافيرس طريقًا لتوسيع مستقبل الشركة.

ببساطة يمكن تعريف “ميتافيرس” بأنه فضاء رقمي يعتمد على تمثيل الأشخاص رقميًّا من خلال استخدام “Avatar”. فبينما تجلس في منزلك يكون بإمكانك حضور أي فعالية تريدها باستخدام نظارتك ثلاثية الأبعاد، أي إن العالم سيكون أمام عينيك وفي منزلك.

والسؤال الذي يطرحه الجميع هنا: لماذا يضع مارك كل الأمل في تنفيذ فكرة “ميتافيرس” الآن رغم سيطرة الشركة على عالم التواصل الاجتماعي؟ وكيف يخطط لتحقيق الربح من خلالها؟

قبل “ميتافيرس”: نظرة على نموذج عمل فيسبوك

سجلت شركة “ميتا” إيرادات قدرها 29 مليار دولار بنهاية شهر سبتمبر الماضي، أي في الربع الثالث من عام 2021. وإذا ألقينا نظرة على هذه النتائج نجد أن 97% من الدخل ناتج عن الإعلانات، أما الـ3% المتبقية، فهي مصادر دخل أخرى.

إذا فحصنا نموذج عمل “فيسبوك” في السنوات الماضية أيضًا نجد أن هذا هو النمط الأساسي للشركة. فهي دائمًا ما تعتمد على الإعلانات مصدرًا أساسيًّا لتحقيق الدخل، الأمر الذي تبرَع فيه الشركة كثيرًا. فرغم عدم امتلاكها مصادر دخل متنوعة، فإنها تظهر واحدة من الشركات الكبرى في عالم التكنولوجيا والإنترنت.

يعود السبب في ذلك إلى الميزة الرئيسة التي تعتمد عليها الشركة، وتجيدها حقًّا بوصفها رائدة لمن يستثمرون هذه الميزة في أنحاء العالم، وهي “تأثير الشبكة”. “تأثير الشبكة” ببساطة مبدأ ينص على أنه “كلما زاد عدد الأعضاء مستخدمي شبكة تواصل اجتماعي معينة، زادت رغبة الآخرين في الانضمام لهذه الشبكة، وبالتالي تصبح الشبكة ذات قيمة أعلى”.

نموذج عمل الفيسبوك – موقع Four Week MBA

لعل هذا السبب يجعل مارك يفكر دائمًا في الاستحواذ على جميع المنافسين في مجاله تجنبًا لأي تهديدات محتملة منهم، وللاستفادة منهم كجزء من عالم التواصل الاجتماعي الذي يسعى إلى التحكم به.

فقد دفع فيسبوك مليار دولار للاستحواذ على إنستغرام في 2012، ودفع 19 مليار دولار للاستحواذ على واتساب في 2014، على الرغم من أنه لم يحقق أرباحًا مباشرة بعد من الأخيرة، ويحاول الاستفادة من هذه التطبيقات في بناء شبكته وتوسعتها.

للسبب ذاته، وعندما لا ينجح في الاستحواذ على منافس معين مثلما فشلت محاولات شراء سناب شات، فهو يسعى إلى محاكاة مميزات المنافسين ويضيفها إلى منتجاته، ما يجعل المستخدم لا يحتاج إلى استخدام تطبيقات أخرى خارج مجموعته.

حسنًا، يمكن القول إن مارك ناجح في هذا الهدف على الأقل. فالشركة ما زالت الشبكة الأكبر والأكثر نموًّا في هذا المجال. يضم فيسبوك حاليًّا قرابة 2.89 مليار مستخدم نشط شهريًّا، ويستخدم 3.51 مليارات شخص واحدة من منتجات “ميتا” الأساسية على الأقل شهريًّا، والتي تشمل: فيسبوك وواتساب وإنستغرام وماسنجر، أي أن نحو 45% من سكان العالم يستخدمون منتجات الشركة. ألا يعد ذلك بمستقبل مشرق لها؟

الطريق إلى “ميتافيرس”: ما لا يسع فيسبوك تجاهله

تؤكد الأرقام الواردة في الفقرة الماضية قدرة “ميتا” ومنتجاتها على استثمار تأثير الشبكة بالشكل المثالي، ما يجعلها تصنَّف جزءًا من الشركات الكبرى في عالم التكنولوجيا، إلى جانب: “ألفابيت” (الشركة الأم لغوغل)، أمازون،  أبل، مايكروسوفت، فهي تحقق دخلًا عاليًا ويستخدمها تقريبًا نصف الكوكب.

لكن هذا يعني أن الشركة تضع البيض كله في سلة واحدة. فهي تستخدم مصدرًا واحدًا تقريبًا لتحقيق الدخل، بينما إذا اطّلعنا على تقرير مؤسسة “Visual Capitalist” عن أرباح الشركات الكبرى الأربعة الأخرى في عام 2020 نجد أن كل شركة تمتلك مجموعة متنوعة من المنتجات التي تساعدها على تحقيق الأرباح.

مقارنة بين مصادر أرباح الشركات الخمس الكبرى في عام 2020 – موقع Visual Capitalist

هل يمثل ذلك تهديدًا لشركة “ميتا”؟ الإجابة: نعم. والشركة تحتاج إلى التعامل مع هذه التهديدات عاجلًا أم آجلًا لتحافظ على مكانتها. توجد نقطتان أساسيتان لتأكيد خطورة هذه التهديدات.

1. حرب البيانات في العالم الرقمي

يقول عالم الرياضيات ورجل الأعمال البريطاني “كلايف همبي”: “البيانات هي النفط الجديد”. وهذا ما نراه في عالم الأعمال اليوم، إذ تتصارع الشركات الكبرى للسيطرة على البيانات. فهي تدرك قيمتها في تحقيق الأرباح، وكيف أنها الكنز الذي يساعدها على النجاح.

لنفهم قيمة البيانات يمكننا أن نرى كيف تأثرت فيسبوك بما فعلته شركة أبل، إذ أطلقت تحديثًا جديدًا حول خصوصية البيانات يتيح لمستخدمي نظامها IOS التحكم في البيانات التي يشاركونها مع التطبيقات، ما يجعل فيسبوك غير قادر على الاستفادة من هذه البيانات، وبالتبعية يتأثر المعلنون على فيسبوك نتيجة فقدانهم هذه البيانات المهمة عن عملاء أبل.

تطرّق موقع “فوربس” إلى هذا الأمر في تقريره: أبل ضد فيسبوك: من سينتصر في حرب البيانات؟

يتحدث التقرير أيضًا حول أن البيانات لا تهم فقط أبل وفيسبوك، لكنها تهم جميع الشركات الكبرى الأخرى، وأن كل شركة تخشى من قدرة الشركات الأخرى على الفوز في حرب البيانات.

الفيصل هنا أن فيسبوك لا يملك برمجيات خاصة به مثل بقية الشركات الكبرى، وبالتالي يجعله هذا في احتياج إلى الحفاظ على المستخدمين بصورة دائمة عبر ميزة تأثير الشبكة، لكن ما تفعله أبل مثلًا يزيد من صعوبة المهمة.

2. احتياجات جيل ما بعد الألفية

لا شك في أن الجيل Z الذي يلي جيل الألفية، يُشكل جزءًا كبيرًا من عالم الإنترنت هذه الأيام، ولا يمكن تجاهل احتياجاتهم بأي حال من الأحوال.

من ناحية تشير الأرقام إلى تراجع مبيعات الهواتف الذكية، ومن ناحية أخرى، فإننا نرى كيف يُقبل هذا الجيل على استخدام شبكات مثل تيك توك وسناب شات وإنستغرام بصورة أكبر من فيسبوك، ما يمكن التعامل معه كإشارة لطبيعة المحتوى الذي يبحث عنه هذا الجيل الذي يُفضل محتوى تفاعليًّا أكثر، ولم تعد أنماط المحتوى التقليدية كافية لجذب انتباهه.

رسم بياني يوضح التراجع في عالم الهواتف الذكية – موقع Statista

“ميتافيرس”: طريق مارك الجديد إلى مصدر جديد للأرباح

يعرف مارك كل هذه الإشارات جيدًا. فقد تحدث كثيرًا عن محاولات أبل، ووصفها بأنها محاولة لتحقيق مصالحها التنافسية، لا لخدمة الناس كما تقول الشركة. أما في حديثه عن الميتافيرس، فقد صرح بأنه يوجه جهوده نحو مستخدمي الجيل Z من 18 إلى 29 عامًا بهدف جذبهم إلى العالم الذي يرغب في إنشائه عبر الميتافيرس، بدلًا من التركيز على كبار السن. إذن كيف ينوي مارك تحقيق الربح من ميتافيرس؟

1. امتلاك مصادر أخرى للأرباح

حتى الآن، “ميتا” الشركة الوحيدة التي لا تملك نظام التشغيل أو “Hardware” الخاص بها، ما يجعل مارك في تخوف دائم من اضطراره للخضوع إلى المنافسين في أي وقت. لذا، عندما يلجأ مارك إلى الميتافيرس سيفتح ذلك المجال نحو سوق جديدة من الأجهزة والبرمجيات الجديدة التي ستنتج لخدمة هذا السوق.

بالتالي، سيكون بإمكان زوكربرغ قيادة المستقبل وإيجاد السبل لتحقيق الأرباح داخل هذا العالم، وهو بالفعل يمتلك شبكة قوية وعددًا كبيرًا من المستخدمين الذين يبحثون عن مثل هذه الأفكار، ولديهم استعداد لاستخدامها إذا لاقت إعجابهم واستحسانهم، وسيكون بإمكانه بيع عدد من المنتجات الرقمية للاستخدام في هذا العالم.

أبسط شكل لفعل ذلك هو الاستفادة من تجربة بعض الألعاب المجانية مثل: Roblox وMicrosoft Minecraft وFortnite. فهذه الألعاب تحقق الربح من بيع سلع افتراضية للاعبين. يمكن لمارك الاستفادة من هذه الاستراتيجية، بالطبع مع تطبيق الأمر على إطار أكبر يتخطى الألعاب. فإما أن يكون مارك هو من يبيع هذه السلع، وإما أن يحصل على عمولات من إتاحة الفرصة للآخرين لبيع منتجاتهم الرقمية.

2. استثمار الموارد الحالية

في 2014 استحوذ فيسبوك على شركة “Oculus VR” (إحدى الشركات الرائدة في تكنولوجيا الواقع الافتراضي) بقيمة ملياري دولار. بالتالي، فإن الشركة تمتلك أساسًا موردًا قويًّا في هذا المجال، وما زالت لم تستثمره بالصورة المثالية. بالطبع في ميتافيرس سيكون أحد الموارد الرئيسة التي تعتمد عليها الشركة، ومن ثم تزيد مبيعاتها.

إلى جانب ذلك سيكون لدى الشركة القدرة على تعزيز أرباحها من الإعلانات. فعندما يتحول العالم ليكون افتراضيًّا طوال الوقت، فهذا يعني وجودنا المستمر على المنصة، ما يزيد من رؤيتنا وتعرضنا للإعلانات، فترتفع أرباح الشركة من الإعلانات.

هل ينجح زوكربرغ حقًّا؟

بالتأكيد “ميتافيرس” ليس منتجًا ليشتريه مارك ويسيطر على استخدامه كعادته، بل تقنية يمكن للجميع السعي نحو استخدامها. أي إنه سيواجه محاولات من بقية الشركات الكبرى، بل إن ميكروسوفت مثلًا تملك القدرة على فعل ذلك ولديها تجارب مع الأمر.

من ناحية أخرى، فإن زوكربرغ وشركته لن يكون بإمكانهما فعل ذلك الآن. فلا يزال الأمر بحاجة إلى سنوات من البحث، والشركة نفسها تعاني من أزمات كثيرة مع العملاء، حتى إنه افتتح حديثه قائلًا: “سيقول بعض الناس إن هذا ليس الوقت المناسب للتركيز على المستقبل”.لكن مع التغيرات في هذا العالم لا يملك مارك سوى المراهنة على المستقبل، وهذا ما يفعله. إذ يوجد فريق مسؤول عن إدارة هذه الفكرة حاليًّا، مع ميزانية 10 مليارات دولار للإنفاق عليه خلال هذا العام فقط، وسيزداد الإنفاق في السنوات التالية. فهل ستنجح هذه المحاولة ويصبح “ميتافيرس” طريق مارك إلى المستقبل؟ هذا ما يجيبنا عن الوقت.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter