أنت تقرأ الآن:

التحالف الأمريكي-البريطاني-الأسترالي ضد الصين.. كيف تُجدد الولايات المتحدة النظام العالمي؟

التحالف الأمريكي-البريطاني-الأسترالي ضد الصين.. كيف تُجدد الولايات المتحدة النظام العالمي؟

خلال مؤتمر فيديو عبر الإنترنت، اتفق الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، على عقد تحالف أمني دائم سُمي “أوكوس“، يهدف إلى مواجهة الصين عن طريق مساعدة أستراليا في امتلاك غواصات تعمل بالطاقة النووية. بعدها مباشرة، أعلن سكوت موريسون عن ترتيب تنفيذ الاتفاقية عن طريق وضع خطة تشترك فيها فرق من الدول الثلاث خلال الثمانية عشرة شهرًا القادمة بهدف بناء أسطول الغواصات الجديد في مدينة أديليد عاصمة ولاية جنوب أستراليا، الأمر الذي سيجعل أستراليا الدولة السابعة التي تمتلك غواصات تعمل بالطاقة النووية بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وروسيا. في الوقت نفسه، جددت أستراليا التزامها بالمعاهدات الدولية بشأن التعامل مع الطاقة النووية، إذ لا تنوي امتلاك أسلحة نووية ولا تخطط لتطوير قدرة نووية، لكن الهدف من تلك الترتيبات يتلخص في رغبة الدول الثلاث في الحفاظ على قدرتها على التعامل مع التحديات الاستراتيجية التي تتنامى بشكل ملحوظ في منطقة المحيط الهادئ الهندي.   

لم يذكر الحلفاء دولة محددة تثير تلك التحديات الاستراتيجية، وأكدوا أن التحالف لا يستهدف دولة بعينها، لكن يُفهم بشكلٍ مبطّن أن الصين هي المقصودة، لأن الغواصات الجديدة التي ستعمل بالطاقة النووية، والتي قد يستغرق تصنيعها 10 سنوات، ستحل محل الغواصات التقليدية التي تعمل بالديزل، وبمجرد بدء عملها في البحر ستوازي في تكنولوجيتها البحرية الصينية. يأتي التحالف في إطار زمني تتصاعد فيه التوترات والخلافات بين الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، حيث فرضت الصين سيادتها على أجزاء واسعة منه، وأنشأت جزرًا اصطناعية فيه، وسيّرت الدوريات البحرية في مياهه، وبنت مدارج هبوط طائرات ضخمة وأرصفة شحن بضائع، فأرسلت الولايات المتحدة في يوليو 2020 سفنًا حربية وطائرات عسكرية إلى المناطق القريبة من تلك الجزر في محاولة لإبقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع. بعدها بعام، أي في يوليو 2021، امتدحت الولايات المتحدة وصول حاملة الطائرات الجديدة الملكة إليزابيث بحر الصين الجنوبي بهدف القيام بمناورات تدريبية. أما بالنسبة إلى أستراليا، فإن توقيت التحالف الثلاثي ضمانة أمنية بسبب تدهور العلاقات الأسترالية-الصينية التجارية والدبلوماسية بعدما طلبت أستراليا التحقيق في جذور فيروس كورونا، وانتقدت انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في هونغ كونغ وشينجيانغ، ومنعت شركة هواوي الصينية لتصنيع معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية من تركيب شبكات تقنية الجيل الخامس في أستراليا. الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين أستراليا والصين حولته الصين إلى أداة انتقامية عن طريق فرض عقوبات اقتصادية بزيادة ضرائب وصلت إلى 200% على المنتجات الأسترالية، مثل النبيذ ولحم البقر. وفي بريطانيا، يرى رئيس وزرائها أن التحالف مثالي وديناميكي تستطيع بلاده من خلاله التفاعل من الأحداث، خصوصًا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي الذي كان يحد من مرونة الاشتراك في تحالفات جديدة.  

ما بعد امتلاك أستراليا غواصات تعمل بالطاقة النووية

سيطر التفاؤل على الحلفاء لأن هذا الاتفاق سيصب في خلق وظائف جديدة للأجيال القادمة، فالمشروع سيستمر لعقود، إذ تتطلب أكثر التقنيات تطورًا على نحو مستمر، وبالتالي سيقود إلى الازدهار والرخاء. لكن التفاؤل لم يكن الشعور الوحيد الذي أثاره التحالف الثلاثي، فقد شعرت فرنسا بطعنة في ظهرها من أستراليا، ووصفت سلوك الولايات المتحدة بالوحشي، حيث يُلزم التحالف استراليا بإلغاء صفقة قيمتها 90 مليار دولار وقّعتها عام 2016 مع الشركة الفرنسية نافال جروب المتخصصة في مجال الدفاع البحري والطاقة البحرية المتجددة، تملك فيها الدولة الفرنسية حصة قدرها 62.49٪. وصفت الشركة الفرنسية التحالف بـ”خيبة الأمل الكبيرة” بسبب إلغاء صفقة تصنيع 12 غواصة هجومية لأستراليا. من ناحية أخرى، لم يكن هذا التحالف تضحية من أستراليا بعلاقتها مع فرنسا بقدر ما هو استغلال لفرصة حصولها على غواصات تعمل بالطاقة النووية وتطوير قدراتها البحرية.   

وعلى الرغم من إعلان أستراليا نيتها في عدم امتلاك أسلحة نووية ملتزمة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فإن قرار امتلاكها غواصات تعمل بالطاقة النووية التي بدأت محادثاته مع حلفائها في مارس الماضي قد يحفّز دولًا أخرى بشكل غير مباشر على امتلاك أسلحة نووية، بسبب النتائج التي ستحصل عليها بعد حصولها على الغواصات الجديدة، إذ ستتمكن من البقاء في البحر لمدة 5 أشهر، وستتحرك بشكل أكثر هدوءًا، ما يسمح لها بالتخفي من العدو. أستراليا الدولة الأولى التي ستستفيد من الثغرة في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي تسمح ببناء غواصات تعمل بالطاقة النووية واستخدام المواد الانشطارية اللازمة لضمان استمرار التفاعل النووي، لكن المعضلة هنا أنها ستفتح المجال أمام إمكانية استخدامها في صناعة الأسلحة. قد لا تسيء أستراليا استخدام المواد الانشطارية، لكن دولًا أخرى يمكنها أن تستغل الثغرة في سيناريوهات تصنيع الأسلحة النووية.    

ولا ينحصر الاتفاق على التعاون في مجال التكنولوجيا البحرية، بل يشمل كذلك تنسيق السياسات والإجراءات الإقليمية بشأن تكامل الصناعات العسكرية والحربية للحلفاء الثلاثة، خصوصًا في مجالات الحرب الإلكترونية وقدرات الذكاء الاصطناعي. لكن الغواصات تحديدًا هي التي تمتلك قدرات استراتيجية لصد الجيش الصيني إذا أقدم على عمليات عسكرية في المنطقة، حيث تزداد قناعة الولايات المتحدة بأن الصين تتحضر لعملية عسكرية بشكل استباقي. 

تجاهُل التحالف الأمريكي-البريطاني-الأسترالي الدول الأوروبية

يبدو أن الدول الأوروبية تأكدت أنها لم تعد من الحلفاء المفضلين للولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن، فقد كثرت شكاوى الدول الأوروبية الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من عدم كفاية التشاور من جانب الولايات المتحدة كما حدث عندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، ولم تُبلغ الولايات المتحدة فرنسا بشأن التحالف مع استراليا، وبالتالي إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية، واكتفت بالإشارة في أثناء التحالف الثلاثي إلى أن فرنسا لا تزال “الشريك الرئيس” في منطقة المحيط الهادئ الهندي.

وبغض النظر عن أن تجاهل تنسيق الولايات المتحدة دبلوماسيًا مع فرنسا بشأن التحالف الثلاثي وتبعاته التي تصب في غضب الفرنسيين يمكن وصفه إما بالخطأ الدبلوماسي من جانب الإدارة الأمريكية وإما بالفشل الدبلوماسي في حق الرئيس إيمانويل ماكرون، فإنه يؤثر بشكل مباشر في علاقات الدول الأوروبية بمنطقة المحيط الهادئ الهندي، أي مدى انقسامها أو انسجامها مع الصين، ودرجة الثقة أو الشك التي ستكون عليها العلاقات الأوروبية-الأمريكية في إطار تصور مستقبل حلف الناتو، فقد زاد اقتناع فرنسا بأن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا يمكن الوثوق به. ففي نفس اليوم الذي أُعلن فيه التحالف الثلاثي، كشف الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه فرنسا، عن استراتيجيته لمنطقة المحيط الهادئ الهندي، والتي تصب في توسيع مصالحه وعلاقاته بها في مجالات المناخ والأمن البحري والتجارة، وتشمل كل الدول الفاعلة في المنطقة بما فيها الصين ودول التحالف الجديد. 

السمة التي غلبت على استراتيجية الاتحاد الأوروبي هي التعاون وليس المواجهة. هكذا ظهر الاتحاد الأوروبي كأنه وحيد، تتجاهله الولايات المتحدة، ولا يمكنه الانضمام إلى المعسكر الصيني. قد تُفسَّر استراتيجية الاتحاد الأوروبي برغبته في التخفيف من حدة الصراع والتوتر في المنطقة، أو أنه يدافع عن مصالحه التجارية مع الصين، لكن المؤكد أن الاستراتيجية لا تتفق مع كيفية إدارة واشنطن رؤيتها التي ترى الصين التهديد الاستراتيجي الأقوى في القرن الحادي والعشرين. ويبدو كذلك أن الولايات المتحدة لم تعد ترغب في التعاون المشترك مع الدول الأوروبية كما كانت تفعل قبل ذلك لاحتواء المواقف الصعبة على الساحة العالمية، مثل التنسيق الذي أدى إلى الاتفاق مع إيران بشأن تقليص برنامجها النووي عام 2015. تآكُل الثقة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة قد يحد من إمكانية التعاون المشترك لمجابهة التحديات التي تخلقها الصين. لا شك أن الدول الأوروبية تستثمر في تطوير قدراتها الأمنية مثلما أطلقت المفوضية الأوروبية مبادرات دفاعية قبل إعلان التحالف الثلاثي بيوم واحد، لكن اقتصاد بعض الدول الأوروبية يتشابك بكثافة مع الصين من جهة، وأمنها يرتبط بشكل وثيق بالولايات المتحدة من جهة أخرى.   

الغضب الصيني

إذا كانت الدول الأوروبية شعرت بالخيانة عندما تجاهلت الولايات المتحدة التنسيق الدبلوماسي معها، فإن الصين قد عبّرت عن غضبها بسبب استهدافها، حتى وإن لم يذكر الحلفاء اسمها. اتهمت الصين التحالف بأنه غير مسؤول ويرسخ عقلية الحرب الباردة، وأنه يقوّض السلام والاستقرار في منطقة المحيط الهادئ الهندي، وينذر بعودة سباق التسلح، ولمّحت بأن الدول الثلاث المتحالفة تضر بمصالحها، وأن أستراليا بشكل خاص قد تحولت إلى خصم لها.

وإذا كانت الولايات المتحدة تسارع لعقد التحالفات لمجابهة تحديات المنطقة، ارتأت الصين أن تجمع حلفاءها كذلك لتحذيرهم من القوى الخارجية التي تختلق الأعذار لتتدخل في المنطقة. فقد حذر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، من تدخل قوى خارجية في منطقة المحيط الهادئ الهندي، مشددًا على ضرورة مقاومتها بكل حزم من أجل الحفاظ على مستقبل تنمية بلادهم وتقدمها.

ووصفت الصحف الصينية الحكومية أستراليا بـ”الساذجة”، فقد وافقت على تمويل الولايات المتحدة لها في حرب باردة ستتحمل فيها أستراليا وحدها عواقب خطيرة إذا ما حدثت مواجهة عسكرية في المنطقة. وصرح بعض المسؤولين الصينيين بأن هذا التحالف غير مُجدٍ وغير ناضج ومُحرج.  

لم يخف رئيس الوزراء الأسترالي دهشته من هجوم الصين على بلاده لأنه يدرك حقيقة أن الصين تمتلك بالفعل برنامجًا لبناء الغواصات النووية، وتكثف إنفاقها على تطوير قدراتها العسكرية، ولذلك يرى أن بلاده لها نفس الحق في اتخاذ القرارات التي تراها في صالح مصالحها القومية، خصوصًا المتعلقة بالترتيبات الدفاعية، وأن أستراليا لا تريد إلا تطبيق سيادة القانون في المياه الدولية والسماء الدولية في منطقة المحيط الهادئ الهندي، وعدم وجود مناطق تحظر الصين الدخول إليها، ما يعوق التجارة والملاحة البحرية، ولذلك تسعى أستراليا إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. 

اعتبرت أستراليا ما أقدمت عليه رد فعل لتمادي الصين في ضم أراضٍ تقع في بحر الصين الجنوبي، متحدية القرار الصادر عام 2016 من محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، ومدعية أنه ليس له أساس قانوني، ورافضة شكاوى الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي: بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام.

المعسكر الصيني في مواجهة المعسكر الأمريكي

التحالف الذي أغضب فرنسا بإلغاء صفقة مربحة لها يصب في رغبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن تنفيذ فكرة “الحكم الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي” التي تتمحور حول استقلال قرار الدول الأوروبية واحتفاظها بمنهج متوازن في التعامل مع الولايات المتحدة والصين. لكن هذا الاستقلال يبدو كأنه رغبة منفردة وسابقة لأوانها لفرنسا، فمن غير الواضح أن قادة الدول الأوروبية ترغب في الابتعاد عن الولايات المتحدة، بل يأملون أن تستقر العلاقات بين التحالف الثلاثي والصين، وتستطيع أن توازن بين مصالحها مع الطرفين. لكن إن كان التحالف اختبارًا للدول الأوروبية عن أي جانب ستختار، فنتيجته محسومة، وهي اختيار الحليف التاريخي. وإذا قررت فرنسا تنفيذ فكرتها، فإن هذا السيناريو سيؤول إلى عزلة فرنسا، خصوصا أنها ما زلت في حاجة إلى شراكة الولايات المتحدة لمواجهة المخاوف الأمنية على الساحة العاملية بما في ذلك: روسيا، ومنطقة الساحل الإفريقي، وحتى منطقة المحيط الهادئ الهندي. والدليل على أن فرنسا ليست مستهدَفة، فإن اتفاقية أوكوس ليست المبادرة الأمريكية الوحيدة لتحالف يستهدف تحجيم تنامي القوة العسكرية للصين، فقد استضافت الولايات المتحدة قادة اليابان والهند وأستراليا بعد أسبوع من عقد التحالف الثلاثي لإنشاء تحالف رباعي أسمته الصين “الناتو الآسيوي”.

اجتمع الغضب الصيني والغضب الفرنسي ضد الولايات المتحدة لنفس السبب، وهو عقد التحالف الثلاثي، لكن من المستبعد أن يصب في نفس النتيجة، وهي خصومة الطرفين للولايات المتحدة. سحبت فرنسا سفيريها في أستراليا والولايات المتحدة لإجراء مشاورات، ذلك للمرة الأولى في تاريخ تحالفهما الذي يعود إلى عام 1778، لكن الهدف لا يمكن أن يتحول إلى قطيعة، فكل ما ترغب فرنسا فعله هو محاولة تقليل الأثر المالي السلبي لصفقة الغواصات بطلب تعويض من أستراليا أو سيناريو مُشابه، لكنها لن تنضم إلى المعسكر الصيني. 

من الواضح أن الولايات المتحدة متأكدة من تلك النتيجة أيضًا، فأسرعت إلى عقد التحالف مع أستراليا وضمها إلى معسكرها خوفًا من احتمالية انضمامها للمعسكر الصيني بعدما مارست الصين ضغوطًا على البرلمان الأسترالي لعقد اتفاقية تجارية إقليمية واسعة للتأكيد على متانة الشراكة الاقتصادية الصينية-الأسترالية. ولم تتوقف الولايات المتحدة عند عقد تحالف أمني، بل أمعنت في الاستفادة من أستراليا لصالح مواجهتها مع الصين، حيث زادت عدد القوات الأمريكية في أستراليا والطائرات والدعم اللوجستي للسفن والغواصات الأمريكية، ما يسمح لها بتوسيع عملياتها في المنطقة. 

أعطى التحالف الثلاثي فرصة للولايات المتحدة بتجديد النظام العالمي لمواجهة التنامي الاقتصادي والعسكري والاستراتيجي للصين، ونتج عنه استفادة لدولة حليفة، مثل أستراليا، بالحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية، وضرر لدولة أخرى حليفة مثل فرنسا بإلغاء صفقة الغواصات المربحة، لكن في النهاية كل خطوات الولايات المتحدة تؤدي إلى إحكام الحصار على الصين التي دائمًا ما تهدد الجميع بإضرار مصالحهم الاقتصادية.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter