Uncategorized استكشاف المريخ.. حلم بشري يتحقق Nuqta Doc منذ 3 سنوات تلك النقطة الحمراء في سماء الليل لطالما أثارت مخيلة البشر وفضولهم على مر التاريخ. لونه الأحمر جعل الإغريق (والرومانيين من بعدهم) يربطونه بالقتل والدماء. أطلقوا عليه اسم مارس، إله الحرب، وهم في ذلك يتبعون خطى حضارة ما بين النهرين التي سبقتهم بتسميته “نرجال”، والذي كان أيضًا إله الحرب عندهم. أما العرب، فقد ذكّرهم لونه الأحمر بكلمة “أمرخ”، أي “ذو النقاط الحمراء”، ومنها سمّوه المريخ. منذ بدء التاريخ أثار كوكب المريخ فضول الإنسان وخياله، حيث ارتبط دومًا بالحرب والقتل بسبب لونه الأحمر، وبعدما تطور العلم وعرف الناس أن الكواكب أجسام سماوية مثل الأرض تدور حول الشمس، وليست مجرد نقاط لامعة في السماء، صار المريخ نبعًا خصبًا لخيال وجود حياة على الكواكب الأخرى. لا يمكن حصر الأعمال الخيالية التي تخيلت غزوًا مريخيًّا للأرض أو العكس، هناك دومًا سكان خضر ذوو قرون استشعار يطلقون أشعة ليزر من مسدسات غريبة الشكل تحوّل ضحيتها إلى غبار. لم يحدث هذا لحسن الحظ، لكن كل هذا التراث من الفضول والخيال جعل الوصول إلى الكوكب الأحمر هدفًا ملحًّا على البشر، ما إن عرفوا طريقهم إلى الفضاء للمرة الأولى. لماذا نرغب في الوصول إلى المريخ على أي حال؟ يقول المصريون ردًّا على أسئلة شبيهة: “عايز الحق ولا ابن عمه؟”. ابن عم الحق هنا، أو الحقيقة الرسمية في الأدبيات العلمية والسياسية التي تبرر إنفاق المليارات على عمليات غزو الفضاء، هي أننا صرنا كثيرين، كثيرين جدًّا. لن تكفي الأرض للجنس البشري الذي لا ينفك يتكاثر، قريبًا لن يكون هناك مساحة ولا موارد ولا طقس يصلح للمليارات الذين سيصبحون عما قريب عشرات المليارات. لو كان استكشاف الفضاء اليوم رفاهية، فقد يأتي يوم يصبح فيه الفضاء والكواكب القريبة المناص الأخير من كوكب ينتقم من مئات الآلاف من أعوام الانتهاك البشري. إضافةً إلى أن تعلّم وفهم المزيد عن الأجسام الفضائية القريبة والبعيدة، يجعلنا نفهم أكثر عن شكل الكون وتكوينه، وكيف بدأ، وإلى أين سينتهي. فكل الكواكب والكويكبات والأقمار والنجوم بدأت من النقطة ذاتها، لكن كل شيء مر بظروف جعلته يختلف عن نظيره، هذا التعلم يجعلنا نفهم أكثر عن كوكبنا الذي لا يزال تكوينه غامضًا عنا في كثير من الأشياء. كان هذا حقًا دون شك، لكن ثمة حقيقة أخرى، طبقة كامنة من الحقيقة لا تذكرها الدراسات الرسمية، لكنها تعلن عن نفسها في الأعلام المرفرفة ونشرات الأخبار وابتسامات الحكام الواثقة. اكتشاف الفضاء ليس لعبة، إنه يحتاج إلى المليارات، يحتاج إلى علم وزمن وقوة، ورفاهية الثراء الفائض عن الاحتياجات الأساسية، والذي يمكّن الدولة المستكشفة من وضع ميزانية هائلة لن تعود عليها بعائد كبير في أبحاث الفضاء والكواكب البعيدة. بالتالي يعني الدخول في سباق الفضاء وسام قوة وسلطة ومكانة كبرى على صدر البلد الذي يقوم به، إعلان غير رسمي يقول إننا أقوياء أذكياء مهرة بما يكفي للخوض في ذلك المجال فائق الصعوبة والتكلفة، أي إشارة على أننا بتنا قوة عظمى يُحسب لنا ألف حساب في كل المجالات، لا الفضاء فقط. محاولات ومحاولات – القرن العشرون محاولات الوصول إلى المريخ بدأت فور وصول البشر إلى القمر، بدا المريخ كالمحطة التالية، الوصول إليه ليس إلا مسألة وقت، عام أو اثنان أو عشرة على الأكثر، لكن أكثر من نصف قرن مر بين فشل ونجاح نسبي لم يتضمن وصول إنسان بعد. في الواقع، فإن محاولات الوصول إلى هناك بالروبوتات والمركبات الآلية كانت مذهلة حقًّا، وحقق البشر نجاحات تكنولوجية عظيمة، شاركت فيها بلاد عديدة من كل مكان في العالم: أمريكا وروسيا والهند والإمارات العربية المتحدة والصين، والنتائج حتى الآن ليست سيئة على الإطلاق. دعنا نستعرض معًا ملخصًا لأهم محاولات الوصول إلى الكوكب الأحمر منذ البداية وحتى الآن، جدير بالذكر أنها كلها محاولات تتراوح بين النجاح والفشل لإرسال سفن آلية من دون طاقم بشري للدوران حول المريخ من الفضاء أو للهبوط على سطحه، وإرسال السفن والنتائج عبر الراديو اللاسلكي إلى الأرض. أولى المحاولات كانت كلها سوفييتية، حيث كان الاتحاد السوفييتي يحاول سبق الولايات المتحدة في الوصول إلى المريخ، مثلما سبقها عام 1959 في الوصول الأول إلى القمر بسفينة “لونا 2”. عام 1960 كانت أول محاولة تستهدف المريخ بسفينة “مارسنيك 1” (Marsnik 1)، لكنها انفجرت خلال الإقلاع، وتبعتها محاولات سوفييتية بالسفن “مارسنيك 2″ و”سبوتنيك 22″ و”مارس 1” و”سبوتنيك 24″، وكلها سفن انفجرت إما خلال الإقلاع، وإما قبل الخروج من المجال الجوي الأرضي، وإما بعد الخروج من الأرض وقبل الوصول إلى المريخ. المحاولات الأمريكية الأولى بدأت مع “مارينر 3” التي انطلقت في 5 نوفمبر 1964، لكنهم اكتشفوا مشكلة في ألواح الطاقة الشمسية بعد الإقلاع، فماتت بطاريات السفينة، وفشلت المهمة. لكن “مارينر 4″، التي انطلقت يوم 28 نوفمبر من العام نفسه، نجحت في ما فشلت فيه كل المحاولات السابقة، وبلغت بالفعل مدار كوكب المريخ في 14 يوليو 1965، وأرسلت 21 صورة للكوكب الأحمر إلى الأرض… أول صور قريبة للمريخ يراها البشر على الإطلاق. بعدها نجحت محاولتان أمريكيتان أخريان مع “مارينر 6″ و”مارينر 7” في 1969، وتتابعت الصور والقراءات التي تعود بمعلومات عن السطح والجغرافيا والغلاف الجوي يتشوق لها علماء الفضاء، ثم فشلت مهمة “مارينر 8” عام 1971، وهو نفس العام الذي شهد أول نجاح سوفييتي بعد فشل طويل، إذ أرسل فيه الاتحاد السوفييتي مهمتي “مارس 2” و”مارس 3″، وكل منهما عبارة عن جسمين: واحد للدوران حول المريخ مثل سفن مارينر الأمريكية “أوربتر” (Orbiter)، والآخر للهبوط داخل الكوكب مباشرة “لاندر” (Lander). مهمات “مارس 2″ و”مارس 3” نجحت للمرة الأولى في بلوغ مدار المريخ، حيث أرسلتا مجموع 60 صورة، واكتشفتا جبالًا على سطح المريخ ودرجات حرارة سطح الكوكب، أما كلا اللاندرين، فقد تحطم ما إن بلغ سطح الكوكب. قد يعد هذا فشلًا، لكن لا تنس أنهما أول جسمين من صنع الإنسان يبلغان كوكب المريخ. أثبتت الصور والقراءات من المهمات الناجحة، الأمريكية والسوفييتية على السواء، أنه لا وجود لحياة على الكوكب الأحمر، وذلك عكس التكهنات القديمة المبنية على صور مشوشة من تلسكوبات القرن التاسع عشر، وتلك كانت خيبة أمل كبرى لذوي الخيال الواسع والراغبين في التواصل مع حضارات أخرى، لكن لا يزال المعروف عن المريخ أقل من القليل. عام 1973 أرسل الاتحاد السوفييتي أربع مهمات استكشافية أخرى نجحت منها مهمة واحدة فقط، وأرسلت 180 صورة قبل أن تموت السفينة “مارس 5” التي أرسلتها، هكذا نجح للاتحاد السوفييتي مهمتان فقط للمريخ من 18 مهمة، وسيتوقف بعدها عن محاولة الاقتراب من المريخ لخمسة عشر عامًا. أما الولايات المتحدة التي تمثلها وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، فكانت تتحرك من نجاح إلى نجاح. ففي عام 1975 أرسلت الولايات المتحدة المهمتين “فايكينغ 1″ و”فايكينغ 2”. يتكون كل منهما من “لاندر” و”أوربتر”، وكلتا المهمتين حققت نجاحًا ساحقًا. لكن رغم ذلك النجاح ستتوقف “ناسا” عن مهمات استكشاف المريخ أيضًا، ربما لأن أمريكا لم تعد بحاجة إلى إثبات تفوقها في هذا المجال، وقد استسلمت غريمتها بالفعل. لكن السوفييت يعودون عام 1988، في محاولة أخيرة، وذلك بإرسال المسبارين “فوبوس 1″ و”فوبوس 2” لاستكشاف قمري المريخ بنفس اسمي المسبارين. يفشل “فوبوس 1″، بينما يتمكن “فوبوس 2” من إرسال 37 صورة للقمر قبل أن يفشل بدوره. تلك كانت المحاولة الأخيرة لأن الاتحاد السوفييتي نفسه سينهار عام 1991. هكذا كان للاتحاد السوفييتي 20 محاولة لاستكشاف المريخ، نجح منها نسبيًّا ثلاث محاولات… إصرار غير مسبوق دون شك. عادت “ناسا” الأمريكية إلى الساحة الفارغة عام 1992، وذلك بمشروع “المراقب المريخي” (Mars Observer)، السفينة التي بلغت تكلفتها 813 مليون دولار، لكن بعد إتمام الانطلاق بنجاح انقطع اتصال السفينة بالأرض لسبب غير مفهوم حتى الآن، وتاهت في الفضاء. تبع ذلك الفشل الذريع نجاح باهر بعدما أطلقت “ناسا” “مساح المريخ العالمي” (Mars Global Surveyor) عام 1996، والذي ظل يدور حول المريخ ويرسل البيانات والصور والتحليلات إلى الأرض منذ وصوله عام 1997 حتى 2006، حين انقطع اتصاله بالأرض. رسم مسّاح المريخ خريطة للكوكب الأحمر من القطب إلى القطب، وكشف عن آثار عتيقة للمياه، وساعدت بياناته “ناسا” في تحديد الأماكن التي قد تحاول الهبوط فيها على المريخ إذا أرادت ذلك في مهمات مستقبلية. بعد إرسال المسّاح المريخي بشهر واحد، أرسلت “ناسا” اللاندر “باثفايندر” (Pathfinder) الذي نزل بالفعل على سطح المريخ بنجاح، وأرسل أكثر من 16000 صورة و8 ملايين قياس للمجال الجوي المريخي. وحمل “باثفايندر” على متنه الروبوت “سوجورنر” (Sojourner) الذي صار أول مركبة أرضية ذات عجلات تمشي على سطح كوكب آخر، وأرسلت كمية بيانات مذهلة بدورها. عام 1996 أيضًا حاولت وكالة الفضاء الروسية متابعة العمل تحت ظل الدولة الروسية الوريثة الواهنة للاتحاد المنحل، وذلك حين أرسلت مهمة جديدة إلى المريخ، لكنها فشلت. عام 1998 أرسلت اليابان مهمتها الوحيدة إلى المريخ، وفشلت قبل دخولها مدار الكوكب الأحمر. قبل أن ينقضي القرن سترسل “ناسا” ثلاث مهمات أخرى ستفشل كلها. – القرن الحادي والعشرون عوّضت “ناسا” فشل آخر القرن المنقضي بنجاح كبير مع افتتاح القرن الجديد، وذلك بإرسال المسبار “مارس أوديسي” (Mars Odyssey) عام 2001، والذي لا يزال يعمل حتى الآن، ما يجعله أطول مهمة مريخية ناجحة. اكتشف هذا المسبار وجود أطنان من الجليد المائي المدفون تحت سطح القطبين، واكتشف أيضًا مستويات إشعاع عالية ستكون مؤذية لأي محاولة استكشاف بشرية مستقبلية. وحتى الآن لم تتوقف مهمات “ناسا” المريخية الناجحة: الروبوتان “سبيرت” (Spirit) و”أوبورتيونيتي” (Opportunity) في 2003، و”مارس ريكونيسانس أوربيتر” (Mars Reconnaissance Orbiter) في 2005، و”فينيكس لاندر” (phoenix) في 2007، والروبوت “كيريوسيتي” (Curiosity) في 2011، والأورتر “مايفن” (Maeven) في 2013، واللاندر “إنسايت” (InSight) في 2018، وأخيرًا روبوت “برسفيرنس” (Perseverance) في 2020. شهد القرن الجديد أيضًا محاولات عديدة من دول أخرى، البداية كانت بأول مهمة فضائية على الإطلاق لوكالة الاتحاد الأوروبي للفضاء (EESA) في 2003، حيث أرسلت أوربتر اسمه “مارس إكسبريس” (Mars express)، ولاندر باسم “بيجل 2”. نجح الأوربتر، ولا يزال يعمل حتى الآن، بينما فشل اللاندر. وشهد 2011 محاولتين آسيويتين: واحدة لروسيا بأوربتر اسمه “فوبوس غرانت” (Fobus-Grunt)، وأخرى للصين، وهي المهمة الصينية المريخية الأولى باسم “يينغهو-1” (Yinghou-1)، وكلتاهما فشلت. شهد عام 2013 أول محاولة هندية باسم “مانغاليان” (Mangalyaan) التي كانت في أساسها استعراضًا للتقدم التكنولوجي الهندي، لكنها نجحت، ولا تزال حتى الآن تدرس الطقس والتربة المريخية. في 2016 انطلقت مهمة مشتركة بين الوكالة الأوروبية ونظيرتها الروسية، وكانت مكوّنة من أوربتر ولاندر، وصل الأوربتر وفشل اللاندر. أما الصين، فقد عادت بقوة إلى الساحة عام 2020، وذلك بإطلاقها مشروع “تيانوين-1” المكون من لاندر وأوربتر وروبوت، ووصل بالفعل إلى هدفه بنجاح في مايو 2020، ومن المتوقع أن يحقق اكتشافات ضخمة. في 2020 أيضًا لحقت الإمارات العربية المتحدة بركب استكشاف المريخ، كالدولة العربية الشرق أوسطية الوحيدة في هذا المجال، وأرسلت مسبار الأمل في 2020، والذي دخل بالفعل مسار المريخ في فبراير 2021، وبدأ في إرسال البيانات من هناك بسلام. كان هذا بيانًا مقتضبًا مختصرًا لغالبية المحاولات البشرية للوصول إلى كوكب المريخ في أكثر من نصف قرن بقليل، ومن المتوقع أن يشهد العالم محاولات أخرى في العقود القادمة، خصوصًا مع دخول شركات خاصة ضخمة في مجال الفضاء بأهداف متعددة، ولن يكون من المستغرب أن نرى قريبًا أول رائد فضاء بشري يمشي على تربته الحمراء. لو حدث هذا، فهل سيكون أمريكيًّا؟ غالبية المحاولات الناجحة كانت أمريكية دون شك، لكن التطور المذهل الذي يمضي به العالم حول أمريكا قد يجعلنا نرى رائد فضاء صينيًّا أو إماراتيًّا أو تابعًا لشركة خاصة. أم إن هذا الحلم الذي نحسبه قريبًا لا يزال بعيدًا بقدر ما كان بعيدًا عن الحالمين الأوائل في بدايات القرن السابق؟ شارك هذا المقال أضف تعليقك إلغاءلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *التعليقاسمك * E-mail * Web Site احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.