أنت تقرأ الآن:

ما بعد سقوط أفغانستان.. لماذا ترفض دول الاتحاد الأوروبي استقبال اللاجئين الأفغان؟

ما بعد سقوط أفغانستان.. لماذا ترفض دول الاتحاد الأوروبي استقبال اللاجئين الأفغان؟

في منتصف أغسطس من العام الحالي، ومع رحيل آخر طائرة إجلاء تابعة للقوات الجوية العسكرية الأمريكية من أفغانستان وسقوط آخر أفغاني تشبث فيها أملًا في النجاة، سيطرت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول. حرصت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف الناتو على  إجلاء آلاف الأفغان الخائفين من عقاب حركة طالبان بسبب عملهم مع القوات الغربية داخل أفغانستان. لكن عدم الاستقرار السياسي قد يفضي إلى تدفّق موجات جديدة من اللجوء إلى الدول المجاورة ثم إلى الدول الأوروبية بحثًا عن حياة أفضل، وهربًا من التشدد والعنف والفوضى السياسية والاقتصادية. 

 فبعد حرب استمرت 20 عامًا، انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، دون أن يهتم الرئيس الأمريكي جو بايدن كثيرًا باستشارة دول الاتحاد الأوروبي التي شاركت القوات الأمريكية في حربها، وفقًا لمعاهدة شمال الأطلسي التي توجب مشاركة الدول في الدفاع عن أي دولة في الحلف إذا تعرضت لهجوم مسلح. طلبت فرنسا وبريطانيا وألمانيا من الولايات المتحدة إرجاء موعد سحب قواتها إلى ما بعد 31 أغسطس لاستكمال عملية الإجلاء، لكن بايدن تعامل بأنانية، ونفّذ خطته حسب الموعد الذي أعلنه. ورغم اطّلاع قادة الدول الأوروبية على خطة الرئيس الأمريكي، فإنهم اتهموه بأن الانسحاب سبّب فوضى ليس فقط في أفغانستان، وإنما أيضًا في حلف شمال الأطلسي. وأن سقوط العاصمة كابول في أيدي حركة طالبان يجعل أوروبا معرّضة لموجة من اللاجئين الأفغان بحثًا عن الأمان.

 تستضيف دول الاتحاد الأوروبي حاليًّا أكثر من مليون لاجئ سوري، أغلبهم يقيم في ألمانيا. لم تعبّر المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” عن ندمها على قرار استقبال الفارّين من سوريا، لكن زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي والخليفة المحتمل الذي تدعمه “ميركل” في الانتخابات الفيدرالية القادمة “أرمين لاشيت” اتخذ موقفًا متشددًا ضد التدفق المحتمل للّاجئين الأفغان محذرًا من تكرار أخطاء استقبال اللاجئين السوريين عام 2015، رغم أنه كان من أشد المؤيدين لموقف “ميركل” حينها. لكن من الواضح أن “لاشيت” لا يريد أن يترك قضية اللاجئين تسيّسها الأحزاب اليمينية لإشعال مشاعر المواطنين الألمان ضد المهاجرين، وخصوصًا أن تلك الأحزاب تقلصت شعبيتها في الفترة الأخيرة. 

لم كل هذا الخوف من اللاجئين الأفغان؟ 

لكن السؤال هنا: كيف يصل اللاجئ الأفغاني إلى الحدود الأوروبية؟ إما عن طريق البحر، فوفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يمثل الأفغان حوالي 45.3% من اللاجئين الذين وصلوا إلى سواحل اليونان في يونيو 2021، أو عن طريق البر باخترق حدود إيران ثم حدود تركيا للوصول إلى اليونان، منتظرين قرارًا بشأن طلب اللجوء إلى اليونان. فإن كان القرار ليس في صالح اللاجئ، ينتقل اللاجئ إلى معسكر آخر لعله يحصل على موافقة لطلبه. وعادةً ما ينتظر اللاجئ كثيرًا إلى أن يرفض طلبه لأنه فشل في إثبات أن تركيا ليست بلدًا آمنًا.

استمر تدفّق الأفغان إلى الدول الأوروبية منذ عقود. فقد لجأ أكثر من 300 ألف أفغاني إلى أوروبا بين عامي 2015 و2016، وكانوا ثاني أكبر مجموعة من اللاجئين بعد السوريين. ووصل ما يقرب من 7 آلاف لاجئ أفغاني خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي إلى الاتحاد الأوروبي، وتم منحهم إقامة دائمة أو مؤقتة، وتوزيعهم بين اليونان وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.  

ووعدت حكومات دول الاتحاد الأوروبي باستقبال الأفغان الذين ساعدوها داخل أفغانستان، لكنها لم تعلن عن كيفية إجرائه. لا يعتبر الاتحاد الأوروبي الأزمة الأفغانية مشكلة يجب أن يسعى إلى حلها، رغم أنه يتحمل مسؤولية أخلاقية، لأن عددًا من دوله شاركت الولايات المتحدة ضمن قوات حلف الناتو في غزو أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. 

لكن مع سقوط العاصمة كابول في أيدي حركة طالبان، واحتمالية تدفّق اللاجئين الأفغان إلى دول الاتحاد الأوروبي، عزم السياسيون في فرنسا وألمانيا على صدّ أي تدفّق للّاجئين الأفغان وعدم تسهيل سياسات الهجرة بهدف عدم تكرار سيناريو صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية المناهضة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، الذي خلّف اضطرابًا في المناخ السياسي توازيًا مع أزمة استقبال أكثر من مليون لاجئ سوري عام 2015، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات في البلدين. 

في ألمانيا، تقام الانتخابات الفيدرالية في 26 سبتمبر العام الحالي، لاختيار أعضاء “البوندستاغ” المجلس التشريعي الاتحادي، وهو الجهاز الدستوري الوحيد الذي ينتخب مباشرة من الشعب، ثم ينتخب أعضاء “البوندستاغ” الجديد المستشارة أو المستشار الألماني القادم. وفي فرنسا تقام الانتخابات الرئاسية في 24 أبريل العام القادم.

أما الشعوب الأوروبية ففي دول مثل سلوفانيا وبولندا والمجر تشعر أن اللاجئين الأفغان يحتلون مدنها وقراها، ما يجعلها عرضة لهجمات إرهابية بمجرد استقبالهم.

انقسامات أم توحيد صفوف؟

اتفقت معظم دول الاتحاد الأوروبي على مبدأ صدّ أي تدفّق محتمل للاجئين أفغان يتجه نحو أراضيها، لكنها انقسمت بشأن كيفية تطبيق هذا المبدأ. فالنمسا استبعدت تمامًا استقبال أي لاجئ جديد لأنها تستضيف على أراضيها 40 ألف أفغاني، وصرحت اليونان بأنها لن تسمح بدخول اللاجئين الأفغان، وتبني حاليًّا حاجزًا طوله 40 كيلومترًا على حدودها مع تركيا، ودعت فرنسا إلى حل يكفل بقاء اللاجئين في بلادهم أو التعاون مع الدول المجاورة لأفغانستان بهدف استضافتهم. أما إيطاليا فأعلنت عن ترحيبها باستقبال من ساعدها داخل أفغانستان، بل باستقبال كل من يدافع عن الحريات الإنسانية والحقوق المدنية. وصرحت ألمانيا أنها تعمل من أجل حماية الأراضي الأوروبية من الخطر القادم، لكنها في الوقت نفسه ستنقذ من تستطيع إنقاذه من الأفغان الباحثين عن الأمان، بشرط عدم استقبالهم على أراضيها. وترى سلوفينيا أنه ليس من واجبها ولا من واجب الاتحاد الأوروبي كله مساعدة كل اللاجئين على كوكب الأرض، بل يجب على اللاجئين القتال من أجل وطنهم.

أما لوكسمبرج اعترضت على عدم تضامن الاتحاد الأوروبي مع اللاجئين الأفغان، وترى أنه من واجب الدول الأعضاء أن تقدّم تعهّدات ملموسة بالهجرة بشكل قانوني إلى الأراضي الأوروبية، واقترحت أن يتبع الاتحاد الأوروبي الحكومة البريطانية في طريقة حلها للأزمة، وذلك باستهداف توطين ما بين 40 ألف و50 ألف لاجئ أفغاني داخل الاتحاد الأوروبي. فقد أعلنت الحكومة البريطانية أنها تخطط لاستقبال 5 آلاف أفغاني على أراضيها بحلول نهاية العام الحالي ضمن خطة طويلة الأجل لاستقبال إجمالي 20 ألف أفغاني خلال السنوات الخمس القادمة، امتنانًا لهم في مساعدة قوات حلف الناتو داخل أفغانستان بهدف إصلاح البلاد.

 صرّحت مفوضة الشؤون الداخلية الأوروبية “إيلفا يوهانسون” أن الاتحاد الأوروبي لا يعتمد خطط استهداف أعداد محددة، لأنه من الصعب إخراج مواطنين من أفغانستان. وحذرت ألمانيا دول الاتحاد الأوروبي من اتباع النموذج البريطاني، لأن تحديد هدف استقبال لاجئين أفغان حتى وإن كان بأعداد محددة، قد يرسل إشارة خاطئة للمواطنين الأفغان بتحفيزهم على مغادرة وطنهم للاستقرار في الاتحاد الأوروبي.  

كل تلك الاقتراحات تفضي في النهاية إلى سد الطريق أمام من يحاول من الأفغان الوصول إلى الأراضي الأوروبية. الانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي تتمحور حول كيفية تنفيذ الرؤية المشتركة، والوصول إلى حلول تكفل حماية مصالح كل دولة على حدتها حسب ظروفها، وتحقق مصالح الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة. ورغم ضبابية التصريحات والحلول والتعهّدات التي ساقتها دول الاتحاد الأوروبي أحيانًا، فإنها تشير إلى أن هذه دول لا تريد أن تبدو عاجزة عن توحيد صفوفها، خصوصًا وأن أزمة استقبال اللاجئين عام 2015 لا تزال نتائجها تثير خلافات بينها، حتى أضحت قضية اللاجئين حقل ألغام

رحلة البحث عن حلول

توصلت الدول إلى حلول منها الإسراع في التعاون مع حركة طالبان، حتى قبل تشكيل الحكومة في أفغانستان، بل وقبل اعترافها بالحركة حاكمة للبلاد، بهدف مساعدة الأفغان داخل البلاد لمنع أي تدفق لجوء من بلادهم، ودعم النازحين الذين يبلغ عددهم 3.5 ملايين مواطن. وتميل حركة طالبان إلى منع المواطنين الأفغان من مغادرة البلاد من خلال عدم السماح لهم بالذهاب إلى مطار كابول، طمعًا في الحصول على مساعدات مالية تكفلها الدول الأوروبية . لكن الشباب الذي نشأ في بيئة تكفل الحريات قبل سيطرة حركة طالبان على الحكم قد يجد طريقة بمساعدة المهرّبين للخروج من أفغانستان، حتى وإن ادّعت حركة طالبان تبني نهجًا مختلفًا عما كانت عليه منذ عقدين. 

هكذا أصبح تعاون الاتحاد الأوروبي مع حركة طالبان مشروطًا باحترامها حقوق الإنسان الأساسية وعدم السماح للجماعات الإرهابية باستخدام أفغانستان لتنفيذ عمليات إرهابية. تلك الشروط تحتاج مدة من الوقت لإثباتها قبل إرسال أي مساعدات مالية. ومن ثم يجب على الشعب الأفغاني أن ينتظر إلى أن يتحقق الاتحاد الأوروبي من تنفيذ الشروط المفروضة على حركة طالبان، أو أن يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطًا حتى تنصاع الحركة لتلك الشروط.

استبعد هذا الحل مؤقتًا بإعلان رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” تجميد المساعدات المالية التي تقدّر قيمتها بنحو مليار يورو حتى تتضح الصورة بشأن حكومة طالبان الجديدة. 

واستنادًا إلى تجربته مع تدفّق اللاجئين السوريين عام 2015 على الحدود الأوروبية، والذي كان بسبب نقص الدعم المالي للدول المجاورة لسوريا مثل لبنان والأردن، يقترح الاتحاد الأوروبي تكثيف التعاون مع المنظمات العالمية والدول المجاورة لأفغانستان مثل باكستان وإيران وطاجيكستان وأوزبكستان وتركيا، بتخصيص أموال المساعدات بهدف استضافة اللاجئين الأفغان، وتوفير الحماية والأمان وسبل العيش المستدامة لهم، رغم أن المفوضة الأوروبية لم تحدد قيمة أموال المساعدات التي تنوي ضخّها بشكل نهائي، لكن يمكن تقديرها بحوالي مليار يورو أو 600 مليون يورو، وذلك حسب احتياجات الدول المستضيفة. وتعهّد الاتحاد الأوروبي أيضًا بنقل ما يقرب من 30 ألف طالب لجوء أفغاني إلى دول آمنة بالتعاون مع الولايات المتحدة وكندا والأمم المتحدة. 

وإذا كانت الأموال الوسيلة التي تسيطر على اقتراحات الاتحاد الأوروبي في التعاون مع الدول المجاورة لأفغانستان لصد تدفقات اللاجئين، فالاتحاد الأوروبي لا يزال يعاني من الآثار الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا الذي لا يمكن التكهن بموعد تعافي الاقتصاد الأوروبي منه حتى يستطيع الوفاء بوعوده من المساعدات المادية.  

ومن ناحية أخرى يبدو أن الدول المجاورة التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي لها خطة أخرى. فقد أعلنت تركيا أنها لا يمكنها تحمّل عبء موجة جديدة من اللاجئين الفارّين من حكم حركة طالبان، فقد قامت بمسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية بما يكفي تجاه قضية اللجوء، إضافةً إلى أن المجتمع التركي يعاني من اضطرابات اقتصادية، وبطالة متزايدة. تستضيف تركيا 3.7 ملايين لاجئ سوري، بعدما توصّلت إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 لاستقبالهم قبل الوصول إلى حدودها مقابل مليارات اليوروهات مخصصة لمساعدتهم، إضافةً إلى لجوء 300 ألف أفغاني. أما الآن، فتركيا تعزز الإجراءات على طول حدودها الشرقية بقوات الجيش والشرطة كي تصدّ تدفّق الموجة الجديدة من اللاجئين الأفغان. وتستمر تركيا في بناء حاجز حدودي مع إيران، لكنه يغطي في الوقت الحالي فقط ثلث الحدود التي تبلغ 540 كيلومترًا، ومن ثم يترك كثيرًا من الثغرات يتسلل منها اللاجئون.  

وتستضيف باكستان 2.2 مليون أفغاني على أراضيها، ولا تستطيع تحمّل عبء استيعاب مزيد. وكذلك باتت العلاقات بين باكستان والدول الأوروبية معقدة أكثر بسبب التقارب الباكستاني-الصيني. وإيران تستضيف حوالي مليون أفغاني، مع العلم أن أعداد اللاجئين الأفغان غير المسجلين في كلا البلدين قد يتجاوز تلك الأرقام. في الوقت نفسه، تعاني إيران  من أزمة اقتصادية نتيجة العقوبات التي فرضها عليه المجتمع الدولي، إضافةً إلى العلاقات السياسية المتوترة مع الغرب، ما قد يحوّل هذا التعاون إلى ورقة ضغط أو سلاح يُستخدم في وجه الاتحاد الأوروبي في المستقبل.

أما وعود الدول الأوروبية المشاركة في الحرب في أفغانستان بإجلاء من ساعدهم من الأفغان في أثناء عملهم داخل البلاد خوفًا من قتلهم بسبب انتقام حركة طالبان، فقد تكون أيضًا غير حقيقية لأن المتحدث الرسمي باسم الجيش الألماني ألقى المسؤولية كاملة على المواطنين الأفغان المتعاونين مع القوات الأوروبية، فهم لم يُجبَروا على مساعدتهم.

اللاجئون كورقة ضغط

قبل أسبوعين من سيطرة حركة طالبان على حكم البلاد، فرّت مجموعة من الأفغان، ووصلت إلى الحدود بين بيلاروس وبولندا، وعلقت هناك، فقد منحت بيلاروس أولئك اللاجئين تأشيرات لدخول أراضيهم ليصلوا إلى الحدود البولندية. انتهز حزب العدالة والقانون الحادثة، وهو الحزب الذي يحتل أكبر عدد من المقاعد في البرلمان البولندي، معلنًا عن إجراءات صارمة ضد اللاجئين، فأرسلت الحكومة قوات إلى المنطقة الحدودية لبناء حواجز، مسيسًا القضية ليزيد الحزب من شعبيته التي تضاءلت في الفترة الأخيرة. ومن ناحية أخرى، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بولندا إلى تسهيل دخول هؤلاء اللاجئين إلى أراضيها وتوفير المساعدة الطبية الفورية والمشورة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي لهم. وعلى الرغم من زيارة بعض السياسيين المعارضين في بولندا وانتقادهم موقف الحكومة الوحشي، لم يرحبوا بسياسة الحدود المفتوحة للاجئين في الوقت نفسه.

كان المتهم بالعدائية في تلك الحادثة من وجهة نظر الرئيس البولندي هو رئيس بيلاروس، ألكسندر لوكاشينكو، لأنه يهدف إلى عدم استقرار الاتحاد الأوروبي، ويتعامل بنفس المنطق على الحدود مع لاتفيا وليتوانيا، حيث ينقل العراقيين من العراق إلى العاصمة مينسك جوا، ثم ينقلهم بالحافلات إلى الحدود مع الدولتين، انتقامًا من الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات القاسية التي فرضها على حكومته بسبب الادعاءات الانتخابات المزورة والقمع الوحشي للمعارضة. 

اتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروس باستخدام اللاجئين سلاحًا ضده، وتسييس القضية ليصب في عدم استقراره. نفى لوكاشينكو الاتهام مشددًا على أن بولندا هي التي تستفز المهاجرين من أفغانستان لأنها كانت عضوًا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد بلادهم.

لم تكن المرة الأولى التي يتهم فيها الاتحاد الأوروبي دولًا بتسييس قضية اللاجئين، فقد وجّه الاتهام إلى تركيا في ربيع عام 2020 عندما سهّلت السلطات التركية وصول لاجئين أفغان إلى الحدود مع اليونان للضغط على الاتحاد الأوروبي كي يفي بوعده بالسماح للأتراك بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي دون إصدار تأشيرة، واستمرار الدعم المالي للحكومة.

لامت اليونان تركيا بأنها لا تجري دوريات تفتيش على بحارها الإقليمية بشكل كامل، ما يسهل عملية الوصول إلى السواحل اليونانية، فاتهمت تركيا اليونان بأنها تستمر في صد قوارب اللاجئين بشكل غير قانوني وتمنعهم من محاولة الوصول إلى اليونان منتهكة حقوق الإنسان. 

من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، فإن الهدف من الشراكة مع الدول المجاورة لأفغانستان مثل تركيا يجب أن تقوم على مبدأ التوازن بين كرامته من ناحية، وتحقيق مصالحه من ناحية أخرى. لكن المعادلة لم تتحقق. تركيا تنال من كرامته بإلقاء الاتهامات عليه، ولا تحقق مصالحه بعدم تنفيذ طلباته باستقبال لاجئين آخرين. فهمت تركيا المعادلة وبدأت باستخدمها لمصلحتها، حيث تتعامل مع الاتحاد الأوروبي من منطلق الندية، وتستخدم قضية اللاجئين بمنطق براغماتي للحصول على أكبر قدر من أموال المساعدات للتخلص من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة.

 أعداد اللاجئين الأفغان الذين وصلوا إلى أوروبا ما زالت قليلة لأن الدول الأوروبية تغلق أبوابها أمامهم. الطريق من أفغانستان إلى أوروبا طويل مليء بالحواجز وقوات الجيش والشرطة، وعمليات التفتيش على السواحل تصد أي تدفق للاجئين. أوروبا أضحت قلعة محصنة. وإذا كانت دول الاتحاد الأوروبي مجبرة على تطبيق الحق الإنساني في التقدم بطلب للحصول على اللجوء السياسي وفقًا لاتفاقية جنيف للاجئين عام 1951 لأن إعادة اللاجئين إلى بلادهم قد يعرضهم لخطر محاكمة ظالمة، وهو ما يعرف بالإعادة القسرية، فقد أثقلت على اللاجئين بإجراءات بيروقراطية وقانونية ومادية لتُضعف من الاتفاقية، وحتى مبادرة بعض الدول الأوروبية بتحديد أعداد محددة من اللاجئين تستقبلهم على أراضيها يمثل انتهاكًا للاتفاقية التي بموجبها يجب تقييم كل حالة على حدة.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter