أنت تقرأ الآن:

الحرب البنكية.. هل يمثل طرد روسيا من “سويفت” خطورة حقيقية؟

الحرب البنكية.. هل يمثل طرد روسيا من “سويفت” خطورة حقيقية؟

فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عددًا من العقوبات الاقتصادية على روسيا ردًّا على غزوها لأوكرانيا، لكن أكثرها خطورة حتى الآن كانت استبعاد عدد من البنوك الروسية من نظام “سويفت” (SWIFT) للاتصالات الدولية بين البنوك.

وصف البيان المشترك الصادر عن المفوضية الأوروبية وبريطانيا والولايات المتحدة بتاريخ 26/2/2022 الهدف من العقوبة بأنه “تحويل الحرب إلى فشل استراتيجي لبوتين”.

فهل تنجح العقوبة حقًّا في تحقيق هدفها؟ ولماذا يحظى نظام “سويفت” بهذا الاهتمام الإعلامي؟ وهل ثمة بدائل روسية؟ وما فاعليتها إن وجدت؟ 

للإجابة عن تلك الأسئلة دعونا أولًا نقدم تعريفًا مختصرًا لنظام “سويفت”: 

نظام عابر للحدود لتبادل الرسائل الخاصة بالمعاملات والتحويلات المالية بين البنوك والمؤسسات المالية المختلفة، تأسس عام 1973 كمنظمة تعاونية مقرها بلجيكا تعتمد نظام التعريف “أيزو 9362″، والذي يوفر رمزًا تعريفيًّا مميزًا لكل بنك أو مؤسسة من أعضاء المنظمة، ما يضمن بدوره وصول التحويلات والمعاملات الصادرة والواردة إلى وجهتها الصحيحة بأقصى سرعة ممكنة. أما خوادم التشغيل الرئيسة الخاصة به، فموزعة على الولايات المتحدة وهولندا وسويسرا.

يضم “سويفت” أكثر من 11.000 عضو (من بنوك ومؤسسات مالية) في أنحاء العالم، وبلغ عدد الرسائل المتبادلة بواسطته خلال العام الماضي وحده 42 مليون رسالة في اليوم الواحد. 

تم استقبال قرار استبعاد البنوك الروسية من “سويفت” بحفاوة دبلوماسية وإعلامية بالغة، لكنه واجه شكوكًا متزايدة داخل دوائر النخب الاقتصادية الغربية ذاتها، حيث أعرب مسؤولون داخل بنك “جي بي مورغان” (أكبر البنوك الأمريكية) و”سيتي جروب” للخدمات المالية عن خشيتهم أن القرار قد يدفع روسيا إلى اعتماد عملة أخرى بديلًا عن الدولار في تجارتها النفطية، خصوصًا أن 65.3% من إجمالي الصادرات الروسية السنوية للصين والمقدرة بـ81 مليار دولار، صادرات نفطية في الأساس، وأن حصة اليوان الصيني من المعاملات بين البلدين (الصين أكبر شريك تجاري لروسيا) ارتفعت من 3.1% في 2014 إلى 17.5% في 2020. ناهيك بأن البنوك الأمريكية والألمانية هي أكبر المتعاملين مع نظيراتها الروسية داخل “سويفت”.

إن القرار قد يدفع عددًا من الدول الأخرى الراغبة في الحد من تدخل الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية إلى تبني نظام مبادلة آخر خارج عن سيطرة الأخيرة، ما يشكل تهديدًا جديًّا لهيمنة الدولار على السوق العالمية بوصفه عملة قياسية.

وبالفعل، سرعان ما ارتفعت أسهم الشركات المختصة بالتكنولوجيا المالية (FINTECH) في السوق الصينية، حيث يراهن المستثمرون على أن المستفيد الأكبر من التوترات المحيطة بـ”سويفت” في المستقبل هو “نظام المدفوعات الصيني العابر للحدود” (CIPS) البديل، والذي أطلقته الصين في 2015، ويتيح للبنوك الدولية إجراء التحويلات المالية في ما بينها باليوان فقط.

وعلى مدار 2021 بلغ حجم المعاملات الجارية على البديل الصيني 12.68 تريليون دولار، بزيادة 75% عن نظيرتها في 2020. وبإجمالي 1280 عضوًا (مؤسسة مالية) في 103 بلدان. وتمتلك عدد من البنوك الغربية الكبرى مثل “إتش إس بي سي” (HSBC) و”ستاندرد تشارترد” (Standard Chartered) ومجموعة “أستراليا ونيوزيلندا المصرفية” (ANZ) حصصًا من أسهمه.

أما روسيا، فقد شرعت منذ 2014 في إصدار “بطاقة الدفع الوطنية” (Mir) التي تتيح جميع أنواع المعاملات المالية داخل الحدود الروسية، إضافةً إلى أرمينيا ومنطقتي أوسيتيا وأبخازيا، وبعض المعاملات في تركيا وقيرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان عبر خدمات “مايسترو” (Maestro) و”يونيون باي” الصينية، و”جي سي بي” (jcb) اليابانية.

جاء “Mir” رد فعل على تعطيل كلٍّ من “فيزا” (visa) و”ماستر كارد” (MasterCard) خدماتهما المقدمة إلى البنوك الروسية المعاقَبة على خلفية ضم روسيا جزيرة القرم في 2014، وتتم من خلاله حاليًّا 24% من التحويلات المالية داخل روسيا، ويستعمله أكثر من 70 مليون شخص. 

في الوقت نفسه طوّر البنك المركزي الروسي نظامًا بديلًا لـ”سويفت” هو “SPFS”، والذي يضم حاليًّا 400 بنك معظمها في الصين والهند وعدد من الدول الأعضاء بـ”الاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي” (EAEU)، لكنه لا يزال محدودًا للغاية مقارنةً بنظيره الصيني “CIPS”، ناهيك بـ”سويفت”. فبينما يعمل الأخير على مدار الساعة، يعمل البديل الروسي خلال ساعات العمل الرسمية فحسب، إضافةً إلى أن السعة التخزينية للرسائل الخاصة به أصغر بكثير، وتقدر بـ20 كيلوبايت. لكن في ظل الوضع الحالي قد تتجه الحكومة الروسية إلى الاستثمار أكثر في تطويره، أو تدعم في المقابل نظام التبادل الصيني “CIPS” للإمكانات الواعدة التي يقدمها، وكذلك العلاقات الجيدة التي تربط روسيا بالصين.

مشروعات الخروج على “سويفت” لم تكن حكرًا على البلدين، حيث اشتركت كلٌّ من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في تأسيس “آلية دعم التبادل التجاري” (Instex) لتأمين قنوات التبادل التجاري والنقدي مع إيران في ظل العقوبات الأمريكية التي أعيد فرضها على الأخيرة عقب انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 2018.

لا يزال نظام “سويفت” المهيمن على حركة التبادلات المالية العابرة للحدود في الوقت الحاضر، أما أنظمة التبادل الأخرى، سواء الصينية أو الروسية أو الأوروبية، فتعتمد فرصها في التوسع على المستجدات العسكرية والدبلوماسية للحرب الدائرة في أوكرانيا، وآثار العقوبات على الاقتصاد الروسي على المدى الطويل، إضافةً إلى موقف الصين غير المحسوم من الغزو الروسي، والذي يساهم في تحديد ملامح السوق العالمية عقب الحرب، وإذا ما كان العالم أحادي القطب سوف يستمر، أم تنجح شراكات وتحالفات مستقبلية محتملة في كسر هيمنة القطب الواحد؟ 

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter