أنت تقرأ الآن:

التفكير السحري.. متى يكون عاديًا؟ ومتى يصبح خطرًا على الصحة النفسية؟

التفكير السحري.. متى يكون عاديًا؟ ومتى يصبح خطرًا على الصحة النفسية؟

هل فكرت من قبل أن يومك سيكون سيئًا لأنك قابلت قطة سوداء؟ أو قررت مشاهدة مباراة فريقك المفضل في نفس المقهى الذي شاهدت فيه مباراة سابقة له خرج منها منتصرًا؟ أو خرجت لمقابلة العمل مرتدياً الزيّ الذي يجلب لك الحظ الحسن؟ هذه قد تكون أمثلة على التفكير السحري.

التفكير السحري هو الاعتقاد بأن أفكار المرء وأفعاله وكلماته ذات تأثير ضخم في أحداث العالم حتى مع عدم وجود أي رابط منطقي لذلك التأثير. ولذلك يعد التفكير السحري نوعًا من التشوه المعرفي الذي يجعل المرء يعتقد بأنه قادر على خلق أحداث إيجابية أو سلبية بأفكاره، وقد يعطيه ذلك إحساسًا ما بالتحكم في أشياء لا يتحكم بها، ولكنه أيضًا قد يغرقه في الشعور بالذنب تجاه أحداث لا دخل له بها.

كيف تنجح أحيانًا تمائم الحظ؟

من ضمن نماذج التفكير السحري نموذج “السحر المعدي”، أو “الانتشار السحري غير المحدود”، حيث يمكن لرابط ما أن يستمر في الوجود بين الأشياء حتى بعد انقطاع الصلة، فمثلًا إذا وُجدت مع المرء عملة ما في موقف جيد، قد يرى أن هذه العملة في ذاتها تخلق الحظ الجيد، وهذا قريب مما قد يفعله بعض الرياضيين من أفعال معينة يعتقدون بها أنها ستحسن أداءهم في المباريات، مثلًا قد يعتقد اللاعب أن زيًّا أو ربطة شعر أو خاتمًا سيجعل نتائجه جيدة، وهذا ليس خطأً تمامًا، ولكنه ليس دقيقًا. 

ففي إحدى التجارب العلمية لاختبار فعالية تمائم الحظ أو التفكير السحري، أحضر المختبرون بعض الناس وأخبروهم أنهم سيلعبون الغولف ويرون كم كرة يستطيعون تحقيقها من نفس المسافة. ولكن الاختبار الحقيقي كان أنه في حالة بعض اللاعبين يخبرونهم وهم يتناولون الكرة باعتبارها “كرة محظوظة”، أو أنها تحقق نتائج جيدة مع الجميع. هذه الإشارة البسيطة نتج عنها أن المختبرين الذين اعتقدوا بحظ كرتهم الجيد، تمكنوا من إيصال ضعف عدد الكرات إلى الحفرة مقارنةً بالبقية.

وفي تجربة أخرى، طلبوا من المختبرين أن يحضروا معهم تمائم حظهم من المنزل، ثم عرضوهم لاختبار في الذاكرة، بعضهم في حضور تمائمهم اللاتي أحضروها، والآخرون في غيابها، وكانت النتيجة أن الذين اختبروا في حضور تمائمهم سجلوا أداءً أعلى من الآخرين. 

بحسب من أجروا التجربة، فهذه النتائج ليست بسبب التمائم أو “الكرات المحظوظة”، ولكن بسبب تأثير هذه التمائم على ثقة الناس بقدراتهم، ما انعكس على أدائهم بالفعل. وهذا التأثير له علاقة مباشرة بإيمان الأفراد بـ”سحر” هذه التمائم، أي إنه بالنسبة إلى فرد لا يفكر بشكل سحري، فهو حتى لو أحضر تميمة حظ لتقوية ثقته بقدرته، فلن يكون لها نفس التأثير لأنه لا يؤمن بسحرها بالفعل.

ورغم أن بعض الناس قد يرون التفكير الديني جزءًا من التفكير السحري، فإن الشخص غير المؤمن قد يرى في دعاء المؤمنين نوعًا من هذا التفكير، وهذا ليس صحيحًا بالضرورة. 

فالشخص ذو التفكير السحري يعلم من أعماقه أن أفعاله وتمائمه لا ترتبط بالنتائج بشكل وثيق، ولكن المؤمن لا يعتقد نفس الشيء، بل يكون الدعاء بالنسبة إليه جزءًا أصيلًا من خريطة فهمه للعالم، وليس شيئًا ذا قدرات لا يمكن تفسيرها يستعين بها وقت الحاجة.

في حدود تمائم الحظ، يبدو التفكير السحري غير مضرٍّ، بل مرتبطًا بميل الإنسان للربط بين الأحداث، ولذلك يعد طبيعيًّا عند الأطفال في سن معينة، حيث يكونون في حالة تمحور حول الذات، ويميلون لتصور أن أفعالهم البسيطة ذات تأثير كبير في العلم، مثل أنهم قد يحركون أشياء من مكانها بالتفكير، أو يتخيلون مسؤوليتهم عن وفاة قريب لأنهم تمنوا له شيئًا سيئًا.  

هذا الاعتقاد قد يستمر في مراحل سنية أخرى، ولكنه يقل مع الوقت، وتظهر جوانبه السلبية أكثر في حالة مَن يعانون من الاضطرابات النفسية مثل الوسواس القهري.

الوسواس القهري والتفكير السحري

يكون تأثير التفكير السحري واضحًا لدى بعض من يعانون من اضطراب الوسواس القهري لأنهم يبالغون في الاعتقاد بتأثير أفكارهم وكلماتهم في الأشياء، وأن عليهم الالتزام بطقوس معينة لتجنب النتائج السيئة، وإن لم يلتزموا بهذا، فهذه الأشياء السيئة ستحدث. 

فشخص مصاب بالوسواس القهري، قد يعتقد أنه إذا لم يلبس ملابسه بطريقة معينة، فإن شيئًا سيئًا سيحدث بالتأكيد، أو أنه إذا قال كلمة سيئة “هذا الطريق مليء بالحوادث”، فيجب عليه أن يقول كلمة إيجابية ليعادل أثر الكلمة السيئة، فيقول مثلًا: “ولكن الحوادث نادرة جدًّا ومن المستبعد أن تحدث لنا”.

من التفكير السحري أيضًا دمج المرء أحيانًا بين الفكرة والحكم الأخلاقي، فقد يعتقد أنه لمجرد التفكير في فعل أشياء سيئة، فهو شخص سيئ، ويغرق في مشاعر الإحساس بالذنب، وهو لم يفعل شيئًا.

وقد يعلم المصاب بالوسواس القهري عدم منطقية أفعاله في نظر الآخرين، وحتى في نظره هو نفسه، ولكنه يفعلها على أية حالة للسيطرة على قلقه العارم.

ومن نماذج التفكير السحري لدى الموسوسين أن الشخص قد يعتقد أن أذى ما سيلحق به إذا استخدم، أو لم يستخدم، بعض الكلمات أو الأصوات أو الألوان أو الأرقام، أو يفعل بعض الأشياء بطقوس معينة ثابتة، أو يكرر الكلمات بعدد معين، أو يضع الأشياء بطريقة معينة، أو يلمسها بشكل معين، ومثلًا قد يظن أنه يجب عليه النقر فوق سيارته ثلاث مرات قبل الانطلاق بها، وإلا ستصيبه حادثة بالتأكيد.

وفي حالة الوسواس القهري تلعب الجينات دورًا مهمًّا في احتمالية إصابة الإنسان به، فنحو ربع المصابين بهذا الاضطراب لديهم قريب في العائلة مصاب به، وفي حالة التوائم، يكون الرابط أكثر قربًا، ففي التوائم غير المتطابقة، إذا كان أحدهم مصابًا بالوسواس القهري، يكون الآخر مصابًا به بنسبة 50%، وفي التوائم المتطابقة ترتفع هذه النسبة إلى 90%.

ولأن الوسواس القهري يتصل في جزء منه بالطبيعة البشرية العادية في الربط بين الأشياء، فقد يقول أو يظن الناس أنهم مصابون به، رغم أنهم قد يكونون فقط يحبون فعل الأشياء بطريقة معينة لا أكثر، بينما المصابون بالوسواس القهري في المقابل لا يستطيعون إلا أن يفعلوها بطريقة معينة، وإلا داهمهم قلق لا ينتهي حول نتائج ذلك. 

فالشخص العادي قد يظن أنه من الجيد أن يفعل شيئًا معينًا في الصباح، لكنه إذا لم يفعله، فسينسى ذلك ويمضي في يومه، بينما الموسوس سيظل طوال اليوم خائفًا ومرهقًا من توابع نسيانه ذلك.

لهذا السبب، فإن من ضمن خطوات العلاج من بعض أنماط الوسواس القهري، نوع العلاج السلوكي المعرفي، والذي يسمى “التعرض ومنع الاستجابة”. 

في هذا العلاج يتم تعريض الشخص للصور أو الأفكار أو المواقف التي تشكل لديه قلقًا قهريًّا، دون فعل الطقوس الإلزامية التي يفعلها عادةً لتفادي “نتائجها السيئة”. فمثلًا قد يستفيد الشخص الموسوس من قول “الكلمات السيئة” دون أن يعادلها بكلمات أخرى جيدة، ليدرك أن الكلمات في ذاتها لا تمتلك هذا التأثير الكبير الذي يظنه، وأن الوسواس القهري هو الذي يخدعه للاعتقاد بذلك، أي إن غرض هذه الخطوة في العلاج نزع ذلك الرابط السحري بين الفعل الإلزامي للمرء بنتيجته المتخيلة في عقله.

شارك هذا المقال

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة ب *

أدخل كلمات البحث الرئيسية واضغط على Enter